في أواخر عام 1958 وبالتحديد 28 ديسمبر التي نحن بصدد ذكراها ال (54) علم المناضل الوطني المنفرد بالريادة وحامل لواء اليمن الديمقراطي الحر الموحد عبدالله عبدالرزاق باذيب أن السلطات الاستعمارية البريطانية تدبر نفيه إلى مسقط رأسه ( الشحر) لتعزله عن الحركة الوطنية وأكسجين الحياة ومعناها ( الصحافة) من اجل أن يختنق هناك ويموت سياسياً وينساه الناس حيث لن يجد مجالاً للكتابة والنشاط والحركة كما هو الحال في مدينة عدن الباسلة نقطة البداية والاستمرارية عندما تأكد للسلطة البريطانية وأعوانها المحليين بعد محاكمة باذيب في 1955م انه لا ينوي ولن يتراجع عن aخطه الوطني الجذري الذي اتخذه سبيلاً لخلاص شعبه ولم يلتزم بضمان ( حسن السلوك) بالمفهوم الاستعماري الذي اخذ منه في المحكمة بإصراره على التصدي للمشاريع الاستعمارية بلا هوادة وفضح المواقف الانتهازية للقيادات السياسية التقليدية رغم الملاحقة المستمرة والمحاصرة ومحاولة سد كل المنافذ والأبواب أمامه للتعبير عن آرائه وتوعية الجماهير والاتحاد النضالي الصحيح .. وعمدت إلى إغلاق كل صحيفة يكتب فيها حينها أو الإيعاز لأصحابها بالتخلص منه وهنا فوت الرفيق المعلم المتربع على عرش قلبي ووجداني ومعي غالبية شعبنا بالأخص البسطاء والأوفياء والمخلصون لأصحاب السبق في تقديم الواجب تجاه الشعب والوطن ، الفرصة على المحتل وأعوانه الذين أرادوا أن ينفوه من ذاته وخنقه بقطع أكسجين الحياة بقطع التواصل بينه وبين شعبه فكر ملياً وقرر الانتقال إلى شمال الوطن اليمني ليواصل من هناك فتسلل سراً وكانت تعز المستقر والمقام ورغم الصعوبات والمشاق السياسية الكثيرة التي واجهها هناك ناضل نضالاً مستميتاً جسوراً للغاية من اجل استغلال كل يوم يمر ويرحل وكل لحظة عاشها هناك في فترة الإقامة وبدأ مشوار استكمال نضاله الوطني من اجل مبدأ آمن وعمل من اجله هو مصلحة الوطن اليمني الكبير وفوق كل مصلحة يهون من اجله كل شيء .. وفتح أول مكتب لتحرير الجنوب اليمني المحتل .. واصدر صحيفة الطليعة وقدم البرامج الإذاعية المكرسة ضد الوجود الاستعماري ومحطاته في الجنوب ، وكانت أهداف المكتب كما صرح آنذاك باذيب هي خدمة وتدعيم الحركة الهادفة إلى التحرر الوطني والوحدة اليمنية كخطوة أولى نحو الوحدة العربية الشاملة الممزقة اليوم تحت نزاعات ظاهرها طائفي مذهبي وباطنها .. بل هي من الأساس- كما لا يخفى على احد- صراع على المصالح وخدمة لأعداء الإنسانية صراع بين إرادة التغيير لمصلحة الشعوب وإرادة إخضاع البشر للهيمنة بشكل جديد من الخوف ومن الشيوعية بالأمس إلى الخوف من الشيعة اليوم ولا ندري متى كانت أمريكا وإسرائيل من المذهب السني حتى تقف إلى جانب من يزعمون زوراً وبهتاناً تمثيل المذهب السني . ورغم خلافات المناضل الوطني باذيب مع بعض القوى على اثر موقفه الصلب من وحدة اليمن فقد أعلن في تصريحه الأنف الذكر أن المكتب لن يكون في خدمة فرد بعينه أو هيئة معينة ولكنه يضع نفسه وإمكانياته في خدمة الجميع من اجل انجاز الأهداف الوطنية المشتركة في التحرر الوطني والوحدة اليمنية عكس ما تقوم به اليوم للأسف بعض القوى التي لا تعترف ولا تعتبر احداً جنوبياً إلا إذا لامس هواها وآراءها وتماشى مع ما يقولون ( فريك ما يحب شريك) على قولة إخواننا المصريين يريد الساحة له لوحده حتى وان كان يتعارض مع ما يريد السواد الأعظم من أبناء الشعب ورؤيته في مسخ الجنوب من يمنيته .. السم القاتل الذي انتزعه ثوار أكتوبر ورفاقهم صناع نوفمبر بالتضحيات التي يتنصل منها من يعتقدون أنهم ممثلو أو حاملو لواء القضية الجنوبية التي هي ملك لكل الجنوبيين ناهيك عن أنها ملك كل اليمنيين الشرفاء. اثبت أبناء شعبنا ممثلاً في أبناء الحالمة وكافة الحضور من كافة المحافظات والقوى السياسية التعطش للفكرة والرؤية الواضحة لمن كان انتماؤه العميق إليهم والأقرب إلى مشاعرهم والأشد التصاقاً بأحزانهم ومعاناتهم التاريخية التي سكنت ضميره وهاجسه وكانت شغله الشاغل والتي بدأت معه من مقاعد الدراسة ورافقه في كل مكان في المقام والترحال ووراء قضبان السجون وفي السفر واللجوء فقد كتب وهو في احلك الظروف من الزنزانة مقالة (رسالة للقارئ) سيكون لنا معها لقاء آخر لأهميتها وبالأخص الإعلاميين والكتاب والقادة لأنها تتحدث عن مفهوم الكاتب والقائد الحر ، وكان همه الإنسان في كل حرف كتبه وكلمة خطها وهو يقارع المحتل وأعوانه ويدافع عن إخواننا من مواليد الشمال اليمني من اجل حقهم المغتصب بالقوانين الاستعمارية ودفاعه عن سبتمبر ودعم أكتوبر وهذه اللوحة والمشهد في يوم الاحتفاء جعلتني ومعي الكثيرون نستعيد الثقة بالملايين التي كانت استعادت الثقة بهم انطلاقاً من الساحات والصمود الأسطوري تحت كل الظروف وجعلتنا يقيناً نؤمن بأن هذا الشعب ما يزال وسيظل الحارس الأمين للثورة والحافظ المخلص للتاريخ . وانه لا ينسى الرواد الأوائل ونضالاتهم التي يتنصل منها البعض بإثارة وإحياء مشاريع سحقها وخنقها في المهد باذيب ورفاقه ثوار أكتوبر وسبتمبر وصناع نوفمبر منذ بداياتها الأولى وقبل أن تتشكل بذرتها الأولى الخشبية وسجلوا أروع الملاحم النضالية من البسالة والدفاع عن أحلام الجماهير الكادحة شمالاً وجنوباً والدفاع عن الطبقة العاملة التي شكل قاعدتها العريضة ، بحسب مصادر التاريخ الأساسية الصحافة، في مرحلة التحرر الوطني إخواننا من مواليد الشمال الذين كان يعتبرهم وهو من زحم الحوارات لتوحيد الصف الوطني وهو يسابق الرحيل وغياب الجسد بتفانٍ وعمل متواصل لتأسيس حزب الكادحين الذي كان يعتبره الضمان للتغيير والحياة الأفضل للناس كل الناس في وطنه .. اليمن .. الذي لا يعتبره وطناً نعيش فيه بل هو وطن يسكن في داخلنا لا ينتزع ولا يباع ولا يشترى يجري فينا مجرى الدم . فهنيئاً لنا بتبني الفكر البناء وشرفاً أن نحتفل من جديد من اجل من ناضلوا في هذا الوطن الموحد.