في قراءة متأملة للنصوص التجريبية المفتوحة والموسومة (قراءات في دفتر الجنون) نشهد الحداثة والتجديد من خلال إطلالة ( بانو راما ) تتفتح بواباتها على عالم الشاعر المتألق عباس باني المالكي في دفتره ذي التأملات والمواقف الفلسفية من الحياة والوطن والحب ومن أفاق الروح في قلقها واغترابها بعد ضياع الحلم وسيادة اللا معقول على المعقول وفي وقوفه على ناصية العالم يتأمل انتظارا للخلاص أو للذي يأتي حاملا راية الخلاص في عالم مجنون في الزمن المجنون هي صرخة احتجاج مدوية تدعو للوقوف بوجه استهداف كل معطيات الجمال في الفن والحياة والطبيعة .. طريقنا صخري نحو الشروع إلى الأمل الأتي هل ننتظر كودو؟ أم ننتظر كلكامش وجدران أوروك تهدمت والبرابرة يداهمون روحنا بالزيف والخديعة فقد أكون في مكان قريب إلى روحي ولكن لا أرى الأشجار حولي فأين أكون أنا أيها الجنون ؟ وفي مقاربة وجدانية تنم عن رهافة الحس وشاعرية متقدة حد التسامي يعيش في اغترابه وطول انتظاره فصلا من الاحتراق .. تعلمت من عود البخور بأنه لا يضيء إلا جرحه وروحه تغادر كدخان تائه بين رائحة الإزهار في الحدائق كلها تمر الفصول إلا هو يمر إلى فصل الاحتراق يتحول عود البخور إلى ذاكرة رائحة كل الفصول الخالية من بهجة الأزهار يتساقط خارجا رماده الهش على ارض مسورة بالأماني والأدعية لبس فيها الزمن أثوابه غير المرئية تحت ثقل احتراق أجزائه العابرة إلى نوافذ النذور وحول القمر الراقد في روح الحمائم المخفية من هواجسنا نصدق نذورنا وننتظر مجيء المجهول لا توجد بارقة أمل في الخلاص من هذا التيه الأبدي (ومن رحلة الروح في ارخبيلات المجهول ) وفي قمة إحباطه وذروة يأسه يسلم قياده معصوب العينين طائعا للجنون ملاذا يجد في عالمه ضالته ومن خلاله يسرب رؤاه بكل صدق وحميمة ، وفي الوقت نفسه ينفث أحزانه ترانيم اغتراب في محراب الروح مؤرخا ولادته لحظة جنونه .. اختصر تاريخ ولادته وجنوني في دفتر الغيب بلا انتباه إلى الآتي دونها يصهل المكان الموحش بالغياب لم يعد لي ناقوس لأجذب الرهبان إلى صومعتي أتابع ظل المعابد التي انهارت روحها قبل انتهاء مواعيد الصلاة بقي الرهبان يجمعون الحقول ليبحثوا عن وطني الغائب في أغصان لا تنتمي إلى دروب الغابات يقوده الجنون صوب أسوار مدن التيه مدن المجهول مدن السندباد بحثا عن الإخلاص وصولا للدروب العائدة إلى بغداد .. اجمع كل طقوس المعابد لأعبر جفن القدر لأفك نذور البحر عن أقدام السفن العائدة من مدن السندباد وعلاماته التي وزعها على دروب العائدة إلى بغداد ارمي اسئله النار الواقفة انتظار الجمر الولادة الجديد على عرش غابات النخيل وانتظر يعود الشاعر محبطاً من مدن التيه ، مدن السندباد ، بعد أن سام عذابات الانتظار حينها أدرك أن الخلاص قضية جذورها ضاربة في أعماق تاريخ الخليفة وما أرهاصات الانكفاء صوب الجنون إلا إسقاط لحالة اليأس والاغتراب الروحي حين يقف الإنسان عاجزا أمام تفسيرات المجهول انه يمني النفس مجددا باحثا عن وسيلة أخرى للرحيل تأخذه بعيدا إلى مرافئ وطن النسيان .. انتظر لعلي أجد سفن نوح يوما ما وأسافر معها إلى وطن النسيان دون المرور على أيام العيد أو لعلي أقيم دولة النسيان في دمي أوزع قراطيسها على حروف الماء في دفتر الرمل وانتظر وبعد أن كان يحدوه الأمل أن يجد الخلاص عندما يسافر على متن سفن نوح ويكون من الناجين .. لكنه عاد من وطن النسيان .. لينتظر عندها لم يجد أمامه إلا عشقه الذي لا يأتي إلا مقرونا بالجنون .. ليس لي اختيار بقدري فإما اعشق بجنون وإما لا اعشق لان روحي تحمل روح شغف الانتماء فلا اركن إلى الصمت إلا عندما تعاندني ذاكرتي في حواري مع الهواء حين يمر بي وهو لا يحمل عطر أزهارك عندما اشعر بالاختناق وتراوح تنفسي شهقات احتضار أن جنون العشق أو العشق حد الجنون ليس بعيدا عن عالم الشعر والشعراء منذ أن نطق الإنسان شعراً وقد تألقت كواكب في فضاءات الشعر صار الجنون مرادفا لأسمائها وكناياتها وتفردت عناوين ومسميات للحب وإغراضه مرادفة للشعراء ولم تكن هذه حصرا على عالمنا العربي وإنما توجد أينما تمطر القريحة شعرا تفيض أودية العشق حبا. لقد وجد الشاعر المتألق عباس باني المالكي في عشقه فردوسا يخرجه من انتظار كودو.... تكبر البهجة في سماء عينيك حين يزدهر بنفسج النهار في الحدائق المارة بخطاك فيتعلم الحصى على رصيف أقدامك الساكنة لون الأشجار في ازدحام الفصول عند أبواب روحك اعرف لا فردوس بعدك ولا قبلك اخرج من انتظارات كودو لأني وجدت المعنى فيك انتظرك كالفصول التي لا تغيب عن أزهاري وانتظر ثم يزداد وجدا وهياما بهذه الحبيبة ، فهي امرأة خارج النساء ، وهي وطن القلب .. عيناها جدولة الكون حين ينهزم التاريخ في أوراقه، عيناها صديقة كل المواسم التي تنثر بساتين روحي، بكل أزهار الفردوس، كانت امرأة خارج النساء، حين ينبت ضلع الطين على أجسادهن كانت وطن القلب دون جدران المدن، كانت، وكانت افتراقنا دون عنوان الروح بالسير إلى وطن دون وطن ومن خلال حبه لهذه المرأة توصل إلى قناعة بل إلى الحقيقة طالما أتعبه البحث عنها وطال انتظارها .. أن من يريد الخلود عليه إدمان العشق .. ليست النار هي احتراق الحطب في جرح البرد بل النار هي احتراق أضلاع العشق في بعد مسافات الفراق وانكفاء الروح في عزلة القارات حيث يصير الرماد قوس قزح في الأنفاس حين يهطل اللقاء مطر الأرواح التي تخزن سماء الذكريات دون غيم النسيان من يريد الخلود فليدمن العشق دون أرجوحة السؤال ثم أغلق دفتر جنونه .. (لم يعد هناك ذاكرة للزمان ، فانا أعطيت كفي إلى المطر كي يغسل البحر من موج عشقي لها، ولكن قد عاد السندباد بالخسارات من رحلته وانكسر الحلم في روحه التي أدمنت العشق والنور والماء القادم من الضفاف المخيفة بين أوراقه الفردوس والشجر العجيب المعمر بالظلال عند الجبل الأخير من الحلم ). أن هذه النصوص المفتوحة تمثل رؤية شاعر عصر مجدد ينشد الحداثة مرهف الإحساس رقيق الحاشية رؤاه في ما يدور ويحدث في واقع مرير عبر عنه بتلقائية وصدق من خلال عدة تساؤلات لا زالت تبحث عن أجوبة في عالم للجنون، قدمها في عدة لوحات وصور، ومواقف ثورية ذكية تحتمل عدة تفسيرات من خلال لغة فخمة اللفظ جزلة المعنى شاعرية مؤطرة بالرومانسية، انه دفتر جدير بالقراءة والتأمل وعسى من خلاله نجد الإجابة لكل ما يدور حولنا من اللامعقول .