ليس من شأن هذه السطور ان تؤصل للرومانسية(1) بوصفها مصطلحاً مستقراً تواترت الكتب والدراسات للتعريف بماهية هذا الاتجاه وتشعب دلالاته التي اشرت نزوع المتن الابداعي صوب تشظيات الذات ومكابداتها وهي تدور في فلك رؤيتها الخاصة للراهن التي تنطلق من منطلق ماينبغي ان يكون عليه لا كما هو كائن عليه ومن هنا جاء التمرد على سلطة القيد بكل أنواعه ومنح الأنا جواز مرور باتجاه الحرية والخلاص من الراهن المعاش وهو الانعتاق من بلادة الآلة وشراسة المدنية بالعودة الواعية الى فراديس الفطرة و... وكل تلك التوجهات تأتي مؤطرة باطار عاطفي حاد. وحين يتأمل تحليل النص القصيدة العربية المعاصرة فانه يحدس شغفاً واضحاً بمعطيات هذا الاتجاه وهو شغف يتلون بتلون التوتر الدرامي للمحكي الابداعي ، فلايبقى من الرومانسية الا اطرها التي تخفي تحت ملفوظاتها ابعاداً جديدة افلح المخيال العربي في ان يخطفها من مضمارها المألوف ليبلور منها رومانسية جديدة تتسق ومكابدات الانسان العربي وتشظياته وتتسق خلجاتها مع هزائمه المتتالية في صراعاته مع الاخر الطاغية او متواليات القهر والشتات ، ولاتخرج قصائد الشاعر محمد عبدالله الفسيل عن هذه الدائرة – وأقصد بها دائرة التجديد- اذ عكست مراياها الانزياحية توق الشاعر في ان يبلور من القصيدة ملاذاً يحمي الذات الثائرة من هجير الواقع وحركة الآخر الطاغية باتجاه ترميد المكان الاثير (الوطن ) ، فكانت القصيدة في يد هذا الشاعر الثائر هي التعويذة والحلم في آن . ففي قصيدة (عاشق الوحدة)(2) يتسلل الى افق التلقي منذ العنونة الشعرية صوت الأنا الساردة وهي تستشرف للمكان الاثير (الوطن) زمناً جديدا بعيداً عن سلطة الاستلاب والتهميش اذ يرد : لاتقتلوا معشوقتي .. انها حياتنا نحيا بأفنانها احببتها في حب انسانها وربعها الخالي وكثبانها عشقتها في عدن موجة غاضبة من قيد شطآنها عشقتها في صعدة قمة عالية تهفو لنجرانها عشقت صنعاء وما ابدعت من فنها الراقي والحانها لاتقتلوها.. انها بسمة بريئة في ثغر طفل ضنين لاتقتلوها.. انها نبضة دافقة في قلب ام حنون لاتقتلوا.. معشوقتي تدمروا انفسكم بالجنون تجلي مظاهر الطبيعة (افنان + الربع الخالي + كثبان + موجة + شطآن + قمة ) شغف الأنا الساردة بالمكان (صنعاء + صعدة + نجران) بوصفه ملاذا يمنح الذات استقرارها ونشوتها السرمدية لتتضح ملامح المعشوقة (الرمز/ الحلم / الهوية) ويحدس افق التلقي تشكل متوازية انزياحية يبوح بطرفها الاول الافعال المتصدرة بأداة النهي (لاتقتلوا + لاتقتلوها +لاتقتلوا + لاتقتلوها) بذاكرتها المتخمة بشراسة الفتك وعنف التغييب ، ويفضح طرفها الثاني المتخلق من الافعال (احببتها + عشقتها + عشقتها + عشقت) التناغم الروحي بين الانا وهذه الكينونة الاثيرية ، ولاريب في ان هذا التوازي الدلالي يفضي الى تباين زمني يعيه النص فوقوف الراهن المعاش المتخم بحركة الاخر الطاغية باتجاه ترميد زمن المعشوقة واحتلال مكانها ومصادرة هويتها امام رفض الذات المتمردة (لا +لا+لا+لا) الذي جاء صوتا زاجرا و متصدراً لفعل الشراسة (تقتلوا) وقد فصم هذا النهي الفعل المضارع عن استمراريته حين جزمه وبتر ذنبه - واقصد حرف النون – كما ان وقوف الحاضر المعتم امام احتشاد الفعل الماضي - الدال على اكتمال ملامح العشق وعن حركته المتوغلة باتجاه كينونة الأنا وهي حركة غير قابلة للتغيير - يعكس اضاءة مشفرة تؤكد ضجيج الحاضر بشراسة قابلة للتغيير بسبب من طبيعة الفعل المضارع كما تشي بوعي الذات بمحنتها ، وينبىء التعداد الرقمي للافعال ( اربع افعال ماضية في مقابل اربع افعال مضارعة مجزومة بالنهي) عن هزيمة ستلحق حركة التغييب داخل النص وخارجه على حد سواء . ويبلور المتخيل الشعري في قصيدة (البحث عن الحرية في مدينة الضياع)(3) من البنية النصية المتشذرة الى خمسة مقاطع فضاء رومانسياً جديداً يشكل الاغتراب الرومانسي المتن الغاطس الذي تتمحور حوله الهيكلية السردية للمدون النصي ولكنه لايفضح اغتراب الأنا عن المدينة بوصفها مكاناً مفتوحاً يغيب جمال الطبيعة وسرمدية خلجاتها بل اغتراب تستجلبه المدينة بسبب من رضوخها لسلطة التهميش والقهر اذ نقرأ في المقطوعة الثالثة : عدت الى مدينتي .. بعد الغياب لكنني .. أحسست عمق الاغتراب فقد وجدتها .. وجدتها خواء قد اصبحت .. هباء برغم أنها .. تعج بالبشر تضج بالصراخ .. والهذر برغم انها تضاعف النماء لكنني وجدتها هامدة بلا حياة خالية .. بلا بشر لأنها.. قد فقدت في ذاتها عمق الحياه.. وأصبحت .. حياتها تافهة .. مسطحة وأصبحت .. احلامها فراشة .. تعشق زهرة الذهب وترتمي مجنونة .. مجذوبة.. الى مشاعل اللهب وتنحني.. ذليلة الجناح تلتقط الريال .. والفتات من تحت اقدام الطغاة يخطف المتخيل الشعري الافق الرومانسي ( رفض المدينة وادانتها) باتجاه بلورة شذرة ترميزية طريفة ترتكز الى مهاد رومانسي ولكنها لاتدين المدنية ولاترفض بلادة الالة التي تهمش الانسان وحضوره بل تدين الانسان الراضخ واعياً لسلطة التهميش والشتات (برغم انها .. تعج بالبشر/تضج بالصراخ ../والهذر/برغم انها /تضاعف النماء/لكنني وجدتها /هامدة بلا حياة/خالية .. بلا بشر /لأنها../قد فقدت في ذاتها /عمق الحياه../واصبحت .. حياتها /تافهة .. مسطحة) وقد شكل الانثيال الموقع ل(برغم انها + برغم انها) مفتاحا موسيقيا يحيل الى التباسات الرؤيةفي الكينونة المنشغلة بهمومها اليومية عن حلم الخلاص والانعتاق من عتمة الراهن لذلك فقد افلح المخيال الانزياحي حين جعل من اداة التشبيه(اصبحت + اصبحت + اصبحت) بؤرة موسيقية دلالية في وقت واحد فهي تتحرك على مستويين بيانيين اولهما الصورتان الكنائيتان (واصبحت .. هباء))+(واصبحت .. حياتها/ تافهة .. مسطحة)اشارة الى التحول الحاد في كينونة انسان المكان وأما المستوى الثاني فقد اضاءته الصورة التشبيهية التمثيلية (واصبحت احلامها/فراشة /تعشق زهرة الذهب /وترتمي مجنونة /مجذوبة/الى مشاعل اللهب /وتنحني/ذليلة الجناح/تلتقط الريال /والفتات / من تحت اقدام الطغاة) اذ توحد اداة التشبيه بين المشبه المعنوي (احلام المدينة)والمشبه به المحسوس(فراشة ...) ويخفي المتن الشعري واعيا وجه الشبه الذي يجمع بين طرفي التشبيه ليمنح افق انتظار القارىء سانحة اقتناصه وصياغة المعنى المسكوت عنه كما ان عنف بنية المشبه به وحركة اللهب المستعر تشي بالنهاية الفاجعة للفراشة – التي افلح السياق الشعري في ان يستدعي من خلالها فراديس الطبيعة الغناء، او ليست الفراشة قطعة مختزلة من الوان الربيع؟-ومثل ذلك ينسحب على (زهرة الذهب) لنحدس التباين الحاد بين الحياة المكتنزة في الزهرة وقدرة هذا الملفوظ على استجلاب كل الحواس فثمة اللون الزاهي والملمس الغض والعطر الذاكي والرحيق الذي ترشفه الفراشة في مقابل صفرة (الذهب ) الموات بيد ان الفراشة (مجنونة / مجذوبة) قد استبدلت خزائن الطبيعة ببلادة المادة ولاتخفى دلالة التجانس الصوتي بين (اللهب / الذهب) الذي يفلح في ان يضيء ملامح الاخر المستبد اذ يستشف من هذا التوحد الحركة الشرسة لهذه الكينونة المعتمة باتجاه طمس ملامح الذات المستلبة الراضخة (تلتقط الريال من تحت اقدام الطغاة) لتعود الى ذاكرة الدراسة صورة احتراق الفراشة في السنة اللهب (الريال + الذهب + القهر) حد الترميد والموت ، وقد اكد اعلان الأنا الساردة منذ استهلالة القصيدة (وجدتها+ وجدتها) عن الوعي الحاد بشراسة التحول في كينونة المكان الاثير (مدينتي) . وتشكل الثورة – بوصفها ملمحاً رومانسياً- بؤرة قصيدة (ثورة سبتمبر)(4) منذ عنونتها قارن الآتي : ياثورة الشعب .. في سبتمبر .. انفجري.. ناراً .. ونوراً من الاضواء.. يهدينا إنا قصفنا.. ظلام الليل فانتثرت اشلاؤه .. وتجلى .. صبحه فينا ثوارنا اقتحموا الميدان .. وانتصروا .. على الطغاة .. وكان الله حامينا وحرر الشعب فيها نفسه.. ومضى.. يبني الحياة .. ويفني .. من يعادينا يجلي المتن الشعري المتخم بنشوة الانتصار براعة الانا الساردة في تفتيت ذاكرة المحمولات اللفظية المستجلبة من فراديس الطبيعة (الليل + الصبح + النار) ومنحها ذاكرة جديدة تتسق ونبضات انبلاج فجر الحرية والخلاص ، زد على ذلك انها تأتي الفاظا مستعارة يخبىء خلفها المخيال الانزياحي وجوهاً واحداثاً جساماً ف(ظلام الليل ) هو الوجه البشع للآخر الطاغية وال(صبح ) هو الوجه الخير والذات المرهفة , وقد افلح الملفوظ الاستعاري(النار) في ان يحفز ذاكرة التلقي لاسترجاع ملامح طائر الفينيق الذي لايؤشر احتراقه ترميدا وموتا وانما ليحيل الى الانبلاج الباهر الساطع لهذا الحدث التاريخي الذي اشر حياة وخلوداً . ان الرائي لبنية المتن الغائب يحدس رغبة النص في منتجت تفاصيل الصراع والاكتفاء بالبعد الترميزي الذي يفضح حتمية هزيمة الاخر المعتم ازاء اصرار الانا (الثائرة ) على تهميش القيد وخلق زمن وضاء. ويشكل عنوان قصيدة (اغنية الشلال )(5) نصاً متاخماً يحيل الى الفضاء الرومانسي الذي يلف المتن الشعري برمته حيث يفضح الانزياح الاستعاري الذي استوعب العنونة الشعرية ولع الانا (الساردة) بالطبيعة واقتران حضورها بطقوس الغبطة العارمة ، زد على ذلك انه باح ومنذ البدء بوعي موسيقي طريف استطاع ان يتحرك بأفق التلقي على مستويين صوتيين متباينين احدهما صوت موقع مستقى من سجية الاغنية (اللازمة الاستعارية) والآخر صوت هادر مستجلب من طبيعة الشلال (المستعار له) المقترن بالخصب واليناعة والحركة العنيفة الخالدة ، لتتمظهر من تواشجهما مركزية رومانسية يتمحور حولها المدون الشعري قارن الآتي: تدفق يا نياجارا بشلالاتك الكبرى بهت بعنف قوتها وتيارات ثورتها وغضبتها .. ورهبتها * * * اتيتك من ربى صنعاء.. اردد فيك .. انغامي ومن وادي بنا.. اهدي الى واديك .. انسامي فشلالاتك الغضبى تمور كقلبي .. الدامي بهت بعنف قوتها وتيارات ثورتها وغضبتها .. ورهبتها * * * بهت أمام روعتها ذهلت .. وغبت عن ذاتي ارى في عنفها الدفاق حبي ... واندفاعاتي فخفف من تدفقها ومن هيجانها .. العاتي * * * هنا في دفقك الجبار قد طهرت آثامي وعند مصبك الصامد قد حطمت آلامي وفوق سمائك الزرقاء قد اطلقت أحلامي هنا أبدعت عاشقة ومعشوقا باوهامي خيالاتي.. تجسدها واشعاري.. تخلدها زازتاري .. تجددها * * * تعالي .. ياابنة الشلال نحيا الحب .. افراحا ونبني للهوى .. عشا .. ونشرب فيه .. اقداحا ونزرع في حديقته زهور العطر.. فواحا تعالي .. ربة الشلال .. نحيا الحب افراحا يرقصنا.. بمزماره ويطربنا .. بأوتاره وينعشنا .. بأشعاره * * * تعالي .. نغنم اللذات .. اجساماً.. وارواحا ونحيا الحب .. لانأسى على مافات .. او راحا فليل النحس قد ولى.. وفجر السعد.. قد لاحا تعالي ربة الشلال نحيا الحب افراحا يرقصنا.. بمزماره ويطربنا .. باوتاره وينعشنا .. باشعاره * * * دعينا .. يا ابنة الشلال نقضي العمر .. احراراً ومن وادي بنا .. اهديك اغنية .. وازهارا ووادي الدور .. انقله .. الى وادي.. نياجارا لنمرح في خمائله ونجعله .. لنا دارا ونحيا الحب .. اعراساً.. وانغاماً .. واشعارا .. سلاماً .. يانياجارا سلاماً .. يانياجارا يبحث المتخيل الشعري عن العلاقات المتواترة بين ما يختلج في كيان الأنا من اغتراب مكاني ونفسي وبين مظاهر الطبيعة( شلالات نياجارا ) ليخلق منها يوتوبيا فلسفية تفلح في ان تفتت الصراع المحتدم في كينونة الذات النائية عن المكان الاثير (الوطن)، واحساسها بانغلاق (الاخر / الانثى) ، لذلك يبلور الخيال الرومانسي متوازية انزياحية تؤشرها جدلية (أنا / أنت) والتي تتناسل دلالياً من خلال الصورتين التشبيهيتين (شلالاتك الغضبى تمور كقلبي الدامي) و(ارى في عنفها الدفاق حبي واندفاعاتي) ولايخفى على القراءة المتانية رغبة النص في ان يجعل من الشلالات معادلا استعاريا يتيح للذات المتكلمة ان تسقط ما بداخلها من احساسات على رموز الطبيعة (شلالات نياجارا) (المستعار له) لتكون ووفق سياقات الاستعارة المكنية عملاقا جبارا يقترن هديره بالغضب والثورة (ثورتها + غضبتها + عنفها الدفاق + هيجانها العاتي ) ، زد على ذلك ان المخيال الشعري لم يتلبث عند هذه الشلالات ليلتقط لها صورة فوتوغرافية تذكره بمناخات استلذتها الروح وانما وقف امامها ليربط بين امكنته الاثيرة (ربى صنعاء + وادي بنا + وادي بنا + وادي الدور + ربى صنعاء ) وبين هذا المكان (نياجارا + نياجارا + وادي نياجارا + وادي نياجارا + نياجارا) ويفضح التعداد الرقمي للمكانين بتواز نسقي يحيل الى ثنائية (داخل الذات / خارج الذات) وهي ثنائية تجلي حركة لولبية تغوص بالذات في عمق المكان الاثير (الوطن) فلايكون جمال الامكنة الجديدة (شلالات نياجارا) الاصدى لذلك السحر المكاني الاخاذ الذي الفته النفس وترعرعت في كنفه،والشاعر هنا ليس راويا يروي الاحداث بحيادية وتفاصيل مشهدية وانما شخصية تستثمر الخيال الرومانسي لتخلق حكاية تمجد العاطفة (هنا/ابدعت عاشقة/ومعشوقا/باوهامي/خيالاتي.. تجسدها/ واشعاري تخلدها/ واوتاري تجددها) ايماء الى ظمأ الذات المتكلمة الى اجواء الانتماء الروحي والى الرغبة في استقدام الآخر الحميم وقد عزز هذا التأويل تقمص الانا الساردة شخصية المعشوق في المتن الشعري اللاحق وعبر حوار خارجي (dialogue)(6) يستوعب القصيدة حتى خاتمتها وتتبلور منه هيكلية سردية يشكل فعل الامر (تعالي + تعالي+ تعالي تعالي) شذرة ايقاعية تجلي التأويل السابق ، وتفضح شبكة الافعال المضارعة (نحيا + نبني + نشرب + نزرع + نحيا + يرقصنا + يطربنا + نغنم + نحيا + نأسى +نحيا + يرقصنا + يطربنا + ينعشنا+ نقضي + نجعله + نحيا ) فضاءين احدهما كنائي يشي بنفور الانا من اغترابها ورغبتها في التوحد بالاخر المعشوقةوبدلالة ضمير النحن المحتجب خلف ستار الفعلية تارة والمصرح به من خلال الضمير المتصل (نا) فضلاً عن قدرة حرف النون على ان يتسلل الى البنية الايقاعية للنص محدثاً انيناً خافتا يفضح ذلك الحرمان بسبب من طبيعة الجرس الصوتي لهذا الحرف المتخم بالحسرة المكتومة ، واما الفضاء الاخر فمستجلب من طبيعة الفعل المضارع ومساحته الزمنية العريضة وهو يبوح ضمنا بالشغف في ان يتمدد حدث اللقاء باسترخاء على حاضر الذات ومستقبلها . ويوقد التوالي الايقاعي المنبثق من (ابنة الشلال / ربة الشلال / ابنة الشلال / ربة الشلال) في افق التلقي كل الاحتمالات ولعل ابرز ما تقتنصه الذخيرة المرجعية هو هذه الرؤية السامية ل(الانثى / الحلم) والمتحركة بين اقصى القداسة واقصى الانتماء الى زمن غض لايشيخ موصول بنسغ الحياة(الماء) . وبعد؛ فان قصائد الشاعر محمد عبد الله الفسيل ومن خلال ولعها باستلهام الطبيعة معنى ومبنى –بوصفها ركيزة رومانسية - قد غدت مرايا دلالية صقيلة تعكس ملامح الانا المرهفة ومكابداتها وتوقها الدائب الى تغيير الراهن المعاش وتكثيف لوحة حلمية جديدة تشقى بها الذات الثائرة ، زد على ذلك ان الشاعر الفسيل قد افلح في ان يجعل من الفضاء الرومانسي منطلقاً لرؤاه المترعة بالسعي باتجاه تفتيت سلطوية الاخر الطاغية ولكنه استطاع واعياً ان يخرق نسقية القولبة الرومانسية فصارت قصائده تنطلق من مهاد رومانسي الا انها تتوهج في فضاءات طريفة مغايرة ؛ فلم يكن اغتراب الأنا عن المدينة – بوصفها مكانا مدانا – بسبب من تخطيها جماليات الطبيعة وخضوع انسانها لسلطوية الالة ، وانما بسبب خضوعها لسلطة التهميش والاستلاب وعتمة الاخر المستبد ، فضج لذلك المسكوت عنه باتقادات التمرد والثورة على الاني الساكن استشرافا لزمن جديد يعيد للذات نشوتها بالمكان وانسانه . لذلك رفضت قصائد الشاعر الهندسة الايقاعية الكلاسيكية فشكلت- وبوقت مبكر جدا- مدونات نصية حرة تؤشر شغفا بالانعتاق من القيد الايقاعي المكرور والبنية الشعرية المستهلكة . الهوامش : (*) : ديوان الشاعر محمد عبدالله الفسيل ، مؤسسة العفيف الثقافية ، (د.ت) (1) : مجدي وهبة وكامل المهندس ، معجم المصطلحات العربية في اللغة والادب، مكتبة لبنان ، بيروت 1984، ص190 (2): محمد عبدالله الفسيل ، ص 99 (3): نفسه ، ص 179 (4): نفسه ، ص 113 (5): نفسه ، ص140 (6): مجدي وهبة وكامل المهندس ، ص154