إذا كان ما قبل التاريخ يسمى العصر الحجري الأول، والعصر الحجري الثاني، والعصر البرونزي، وإذا كانت عصور التاريخ تنقسم إلى قديم ووسيط وحديث، فإننا الآن نعيش عصراً له سمات جديدة تماماً، تجعل تسميات الفضاء أو عصر ما بعد الصناعة أو عصر المعلومات والتكنولوجيا قديمة بالية، إنما عصرنا هذا هو العصر المافياوي نسبة إلى المافيا، وهو ما أطلق عليه عصر احتكارات الجرائم التي عممت وشاعت واتخذت صفة العمومية والقدرة الفائقة على الصرف السريع بعيد المدى في عموم وطننا. واليمن اليوم في عصرها المافياوي الحديث أصبحت في قبضة سلطة فاسدة ومفسدة لا تعترف ولا تحترم حقوق الإنسان، فهي تتاجر بأحدث النظريات الديمقراطية الشكلية والاقتصادية والعلاقات العليا والسفلى، تتاجر في السياسة والوطن والأجساد والعقول والدم والمال الحرام وكل ما تتخيله، وإليك الأمثلة: مافيا السياسة: وتقوم هذه المافيا بتوظيف الدولة لخدمتها بعد أن أحكمت قبضتها على أمورها وعملت جاهدة وبكافة الوسائل والأساليب لتحويل هذه الدولة إلى شركة عائلية خاصة. مافيا البشر وتجار الحروب: تستخدم الحروب من أجل أن تكتسب شرعية القوة وتصنع الأزمات ومن ثم تستغل هذه الأزمات السياسية وتوظيفها دينياً ومذهبياً وطائفياً من أجل خدمة أغراض سياسية معينة ومن ثم تقوم بالخطف والقتل واستخدام كافة أشكال العنف السياسي واستعباد المستضعفين في الأرض اليمنية حتى وصل الأمر إلى الاتجار بالبشر. مافيا المال: وتقوم بتوظيف المال العام لخدمتها ومن ثم نهبه وإيداعه في البنوك الأجنبية. مافيا الأراضي: وتعمل على النهب والسطو للأرضي، ومصادرة حقوق وأملاك المواطنين قهراً، وما حدث في الجنوب خير دليل على ذلك. مافيا القروض والمساعدات والمنح: وتقوم بتحصيل القروض والمعونات ومساعدات الإغاثة والهبات الدولية لحسابها الخاص، وهذا ما يحدث في اليمن.. فكم من مساعدات وكم من معونات دولية أعطيت لليمن ولكنها ذهبت إلى جيوب المافيا، وإلا فأين المساعدات الداخلية والخارجية التي تم التبرع بها لمعالجة أضرار كارثة السيول التي لحقت بمحافظة حضرموت، وهنا يصدق المثل القائل: (القبقبة للولي.. والفائدة للقيوم). مافيا الوظائف العامة: وتقوم بحرمان ذوي الكفاءة والمؤهلات ممن تتوفر لديهم المعايير الوطنية والشروط اللازمة للتوظيف، فتحرمهم من حقهم في العمل والتوظيف، وتتاجر بالوظيفة لذوي الوجاهة والمحسوبية والقرابة. مافيا الإعلام: وتختص بتطبيع العيون والآذان البشرية عن طريق الإذاعة والتلفزيون الرسمي والصحافة الرسمية لكل هابط من القيم والعمل على إلهاء الشعب وتخديره بمواد المدح والتطبيل والتلميع لوجوه الاستبداد والفساد، حتى يتم غسيل المخ البشري من كل قيمة أو أخلاق أو هم وطني، والسعي إلى قتل الغيرة الوطنية واستهواء الأميين والجهلاء والمغفلين في أنحاء الوطن.