شعب تطحنه ويلات الفقر ورحى الفساد وسوء الإدارة واختفاء ملامح الوجود للدولة، بات هذا الشعب فريسة لكافة الأمراض الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ووقوداً سريع الاشتعال للفساد الأخلاقي.. إن الذي يجري على الساحة المحلية منذ فترة ليست بالهينة من ثبات للقيم الفاسدة في إدارة البلاد، وإبقاء إدارة البلاد رهينة للفساد والفوضى والعشوائية، قاد الجميع إلى مكبات التخلف الحضاري والإنساني الذي يكتسح كل ركن من أركان الحياة في اليمن، جارفاً معه كل أمل في التغيير أو حتى النهوض من ركام هذا التخلف الممسك بتلابيب الحياة على شتى الصُعد.. لاغرابة ألبتة حينما تشير التقارير والدراسات المحلية والخارجية عن حجم الكارثة الإنسانية التي يتعايش معها اليمنيون في شتى المرافق والصعد.. وأوضح مثال الجانب الاقتصادي لم يعد المرء يميز فيه ما إذا كانت اليمن تسير وفق نهج اقتصادي حقيقي أم أنها تسير على مبدأ "البركة"، فلا استثمار حقيقي تعيشه البلاد، ولا مشاريع استراتيجية اقتصادية تتبناها سياسة الدولة، ولا رقابة ومتابعة لآلية السوق، ولا سيطرة واضحة على منافذ البلاد، ولا وجود لبنية صناعية، والمسيطر الأوحد في هذا الجانب هو الاحتكار الذي يقوم به التجار القريبين من سلطة القرار، وعمليات التهريب والغش التجاري التي أغرق بها المهربون الأسواق المحلية ولها السيادة والكلمة الأولى، أما السياسات الحكومية في هذا المجال فتكاد تكون محصورة في الترويج للمعاناة لدى الدول المانحة التي يعيشها شعبها من فقر مدقع وعدمية الثروات وغياب الإمكانات لتأهيل الثروة البشرية والطبيعية وفجائع الجوع والجهل والعطش والمرض والعجز والشلل الاقتصادي الذي أفقد الحكومة قدرتها على السيطرة الكلية على مخلفات هذه النكبات الإنسانية، مما جعلها أسيرة بشكل كامل لسيطرة التجار والجرع الاقتصادية وغلاء الأسعار والفساد الإداري والمالي. وصعوبة السيطرة الحكومية على منافذ البلاد؛ لافتقارها للامكانات المادية والتكنولوجية الحديثة، والمحصلة غرق اليمن في طوفان البطالة والتهريب، والفساد المالي والإداري، وإهدار يومي للثروات المتبقية، وعبث فاضح بالمال العام، وتوسع يومي لدوائر الفقر والمجاعة، والانهيار الاقتصادي مع تفاقم هذا المحصلة ومع اشتداد وطأتها ومع الالحاح الحكومي بالمساعدات من الدول والمجتمعات الخارجية، وقف العالم المساند لليمن أمام مسببات هذه النكبات الإنسانية التي تعيشه الدولة اليمنية ورصدوا كافة العوامل والمتغيرات والسياسات المحلية، ووجدوا بأن الإشكالية ليست اقتصادية بقدر ما هي إشكالية سوء إدارة وفساد، وعدم شفافية ووضوح بالسياسات الاقتصادية، وكانت النتيجة توجيه أصابع الإتهام للحكومة وأدائها ومسئوليها، والتي لم تعتمد أية سياسة حقيقية لمكافحة الفقر والانهيار الاقتصادي والبطالة المتفاقمة، واكتفت بالنباح والبكاء والعويل أمام العالم على ما تقترفه يداها وتدعي براءتها منه، لتتوالي التحذيرات الدولية بفداحة الأخطاء وبفشل التوجه الاقتصادي وبفساد الإدارة التي تحرق كل ما تبقى من وجود اقتصادي، وتلتهم كل ما تقدمه الدول المانحة من مساعدات ومنح مالية وعينية، وعندما لم تجد نداءات التحذير آذاناً صاغية لها من قبل السلطة والحكومة اليمنية وبفعل الأزمة المالية العالمية التي يعيشها العالم، ألقت الدول والمنظمات باليمن خارج حساباتها وأجندتها، وتركتها أسيرة لحسابات ملوك الفساد الوطني، لتصل اليمن إلى أقصى درجات المعاناة المعيشية والضنك المعيشي والسقوط اليومي لشرائح عديدة من الشعب اليمني تحت خط الفقر والاقتراب من حافة المجاعة... ومع هذا الانهيار وأمام هذه التراكمات المرعبة للوضع الاقتصادي ما زال القائمون على هذه البلاد متشبثين بسياساتهم الرعناء، بل والمكابرة على صحة ما يقومون به، وإنكار كل أرقام الجوع والفقر والبطالة، واعتبار أن من يقول بأن اليمنيين هم أكبر رقم تسولي شحاتة- في الدول المجاورة أو أن50% من الشعب تحت خط الفقر بأنهم أعداء للوطن.