أمة تتعايش مع فجائع حكامها كل يوم، فلم يعد التفريط بحقوقها الإنسانية بتلك الجريمة التي تقضّ مضجع الشعوب العربية والإسلامية، فإذا كان كذلك فإن صفحات الانتهاكات لحقوق الإنسان اليومية تكاد تكون محصورة بالانتهاكات المعاشة في كافة الدول العربية والكثير من الدول الإسلامية. إلا أن ذلك لم ولن يحصل، فالشعوب مغلوبة على أمرها ومستسلمة منذ أمد بعيد لثقافة القمع السلطوي جيل بعد جيل، ساهم في ذلك التشجيع المعلن وغير المعلن من قبل القوى الدولية للحكومات والحكام الاستبداديين والديكتاتوريات ونخب الفساد الحاكمة على هذه الأمة، ومن النادر أن توقفت تلك القوى أمام معاناة تلك الشعوب مع حكامها أو شجعت بوادر الرفض الشعبي التي تظهر في الحين والحين، بقدر ما تغطي على جرائم القمع السلطوي لها، وكأن حلف الاستبداد الوطني وهذه القوى العالمية (الصهيوأمريكية) قد اتفقا على إجهاض قدرات هذه الأمة.. بالأمس القريب تعايش الشعب الفلسطيني مع إحدى هذه الجرائم وإن كانت أكثرها استفزازاً للإنسانية جمعاء، فلا أحد يصدق أن يصل بالطغيان الحاكم إلى الاستهانة بدماء الشهداء والضحايا التي سقطت بهمجية عدوه الذي استباح كافة المحرمات لحصد أكبر عدد من القتلى والضحايا كهدف أوحد واسمى لقوته العسكرية، فجرائم الحرب التي صنعتها الترسانة الهمجية الإسرائيلية ضد أبناء وأطفال ونساء غزة أدانها الجميع العدو والصديق حتى بعض اليهود والجنود الصهاينة وعندما دقّت ساعات الإدانة العالمية لهذه الجرائم في جنيف أثناء اجتماع المجلس العالمي لحقوق الإنسان للتصويت على تقرير غولدستون وكان الجميع متفقاً على الإدانة وكان المندوب الإسرائيلي يعيش أسوأ لحظات حياته حينها وأكثرها رعباً، إذ بالعالم يفاجأ بالمندوب الفلسطيني يلعب دور المنقذ للمندوب الإسرائيلي ولدولة العدو الصهيوني بطلبه إرجاء التصويت على التقرير إلى شهر مارس من العام القادم في طلب فاجأ الدنيا والعالم من أقصاه إلى أقصاه إلا سكان النخبة الحاكمة في السلطة الفلسطينية.. أهكذا وصل الحد بالاستهانة بالحقوق العربية حد بيع حقوق القتلى والضحايا والدماء واشلاء أجساد الأطفال الطاهرة والدمار والعبث العدواني للغطرسة القاتلة للعدو، مقابل صفقة تجارية يحظى خلالها أبناء هؤلاء الحكام لقاء الشراكة الاقتصادية لشركاتهم مع العدو، وهكذا وصلت حدود مزاد الجرائم اللاإنسانية للحكام والحكومات دون حياء أو خجل أو حتى خوف من الفضيحة، فكيف لأمثال هؤلاء أن يخافوا عتاب أو ملامة مواطنيهم وهم بالأصل لم يخافوا الله ولا عباده بالتفريط بحقوق الأمة ودماء الشهداء وصل بهم تقديم صكوك البراءة لعدو استباح بهمجية كل محرم ومقدس وطاهر في وطنهم وشعبهم، وهل مثل هؤلاء يوجد لديهم خطوط حمراء بالحق العربي والإسلامي؟ إنَّ من العبث القول بأن المقدسات العربية والإسلامية بأمان من البيع والشراء عند أمثال هؤلاء. إنها لعنة أصابت الأمة في مقتل اسمها لعنة الحكام.