"عماد القوة في الدنيا اثنان: السيف والقلم، فأما السيف فإلى حين وأما القلم فإلى كل حين، والسيف مع الأيام مكروه ومغلوب والقلم غالب ومحبوب" نابليون بونابرت. أن ما يجري اليوم على الساحة السياسية اليمنية من صراعات دموية واقتتال داخلي يعود إلى تغليب منطق القوة واستخدام العنف والقمع كثقافة رسميةً.. حيث تم تكريس هذا النهج المرفوض لمواجهة أي رأي مخالف أو احتجاج سلمي أو التعبير عن مطالب مشروعه.. أو أي مظهر من مظاهر النضال السلمي وما يحدث اليوم هو أكبر مؤشر على هذه السياسة العمياء والتصرفات التي تزيد الطين بلة وتعقد الأمور أكثر، وما نشاهده اليوم من إعلان حرب على الصحف والإصرار نحو تكميم الأفواه وحجب المعلومة ما هو إلا خير دليل على هذا الواقع المشين الذي نعيشه.. فالقلم يتم مواجهته بالبندقية، والفكرة بالرصاصة، والرأي الآخر بالاختطاف والاعتقال والسجن، لكن تبقى الإشكالية هي ما تقع منه ردود الفعل واستمرار الخطأ في بناء ذهنية العسكرة والمواجهة والقمع، ويكاد يصبح ذلك الزاد الثقافي للسلطة حتى باتت تقرأ الحكمة اليمنية بحاسة انتقائية من خلال معاناتنا وأزماتنا على أنها حكمة مغالبة ومجاهدة ومواجهه وقتال. اليوم يتطلب الأمر منا كقادة رأي عام أن نستمر بنضالنا السلمي، ونتمسك بمطالبنا الوطنية المشروعة، وأن نسعى ونناضل من أجل التغيير السياسي والتحصن "بالقوة المرنة"، واستخدام الأقلام بدلاً من الأسلحة، والحوار بدلاً من العنف والقتل، والتسامح بدلاً من التعصب والحقد والكراهية.. علينا أن نستخدم الوسائل الفاعلة في التغيير والتأسيس والتعاطي مع الواقع لترسيخ الحق والعدل والحرية.. فهل نعيد النظر بوسائلنا في الإصلاح والتغيير ونختبر جدواها ونقوِّم فاعليتها ونحاول تطويرها واستبدالها.. إذاً علينا أن نركن إلى القلم وأهله لا كما تفعل السلطة بركونها على أهل السبق والبندقية، ومهما كلف الأمر من تضحيات جسيمة مادمنا ننتهج السبل السلمية، وما يحدث اليوم للصحف وأرباب الأقلام ورجال الفكر والسياسة من ممارسات سلطوية، تتمثل بإغلاق بعض الصحف ومحاكمتها وممارسة الرقابة المسبقة عليها، والقيام باختطاف واعتقال العديد من الصحفيين والمعارضين والناشطين سياسياً، وقمع المحتجين من سوء الأوضاع، كل هذا يعد بمثابة ضريبة النشاط والنضال السياسي الذي يقوم به مثل هؤلاء ضد الظلم والاستبداد والقهر.. إن ما تقوم به السلطة اليوم يعد محاولة لسد الأبواب السلمية المشروعة التي تستطيع من خلالها الناس أن تُنفِّس عن معاناتها وتعبر عن قضاياها وهمومها الوطنية.. لكن الأمر كما يبدو أن السلطة عملت جاهدة على غلق مثل هذه الأبواب لتجبر الآخرين على اللجوء لأساليب عنفية وغير حضارية، وما يحصل اليوم هو نوع خطير من هذه السياسة الجهنمية، لكن يبقى الحل مرهوناً بمدى تمسكنا بوسائل النضال السلمي مهما أغاضتنا ممارسة السلطة وتهديدها وإجراءاتها الفاشلة مثل إعلان الحرب على الصحفيين، والإصرار على تكميم أفواههم، وحجب المعلومة، والتهديد بحل الأحزاب والتراجع عن الديمقراطية.. على الرغم من كل هذه التلويحات والممارسات فإن مثل هذه الإجراءات تزيدنا قوة وإيماناً بقضيتنا الوطنية والتضحية من أجلها.. والتاريخ يقدم من الشواهد والأمثلة الكثيرة: كيف أن الأقلام في كثير من المعارك أسقطت السيوف، واستطاع الإعلام بما يمتلكه من "قوة مرنة" أن يسقط كثيراً من أكبر الحكام وأعتاهم دون إراقة قطرة دم واحدة... إن وسائل السلم واللاعنف التي تشكل "القوة المرنة" كانت ولا تزال الأكثر فاعلية على المدى البعيد في تفكيك الظلم والجور من المواجهات المسلحة.