تحتفلُ سلطنة عُمان يوم غد الأربعاء بذكرى ال23 من يوليو 1970 التي لها مكانة عالية في نفوس العمانيين ، باعتباره يوم الانطلاقة لنهضتها المُباركة بقيادة السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان الذي يقود دفة النهضة العمانية بكل حكمةٍ واقتدارٍ تجلت فيها مظاهرُ التطورِ والتقدمِ والازدهار في كافة أنحاء البلاد. وليوم النهضة هذا العام أهمية بالغة إذ أنه يتوج إنجازات 44 سنة تمثل أهم مراحل التاريخ العمانى الحديث والتى بدأت أثر تولى السلطان قابوس مقاليد الحكم . ففي ال23 من يوليو من عام 1970 دخلت عمان مرحلة جديدة ومجيدة في تاريخها الحديث ، مرحلة البناء والتنمية والازدهار ، والانطلاق نحو غد أفضل يحلم به المواطن العماني على امتداد هذه الأرض الطيبة . إن قيمة وعظمة ما تحقق على امتداد الأعوام الماضية ، لا يكمن في حجم التغيرات التي شملت كل نواحي الحياة ، ولا في معدلات النمو التي تم إنجازها ، وهي الأكبر على المستوى العربي خلال نصف القرن الممتد من عام 1960م حتى عام 2010م ، ولكنه يكمن أيضا في الأسس التي أرساها السلطان قابوس بن سعيد والتي نمت وترعرعت مرتكزة على خبرة التاريخ العماني ، وعلى التقاليد العمانية الأصيلة ، وسجايا الشخصية العمانية . فالسلطان قابوس الذي امتلك رؤية واضحة لما يتمناه لعمان ، الوطن والشعب ،الدولة والمجتمع ، لم تتوقف طموحاته عند حدّ ، فالأهداف تتتابع ، وتتواصل للنهوض بعمان ، لإستعادة مكانتها اللائقة وإسهامها الحضاري البناء في محيطها الخليجي والإقليمي والدولي ، كما أنه انطلق من ركيزة أساسية هي الإيمان العميق بالمواطن العماني ،وبقدراته وطاقاته الخلاقة ، ومن ثقة تامة ايضاً في قدرته على تحقيق طموحاته ، وما يتطلع إليه .. صحيح أن الصعوبات كانت كبيرة ، خاصة في السنوات الأولى لانطلاق مسيرة النهضة العمانية ، ولكن قدرة القيادة وحنكتها ، وكذلك تجاوب أبناء الشعب العماني معها ، كان أيضا بلا حدود. لذا فإنه تم خلال بضع سنوات تدشين أول خطة تنمية خمسية ( 1976م – 1980م ) وبعدها تتابعت بشكل منتظم ومتواصل خطط التنمية الخمسية ، حيث يعتبر هذا العام 2014 م هو العام الثالث في خطة التنمية الخمسية الثامنة (2011م - 2015م) ويتم الآن الاعداد لخطة التنمية الخمسية التاسعة ( 2016م – 2020م ) وهي آخر خطط استراتيجية التنمية العمانية " عمان 2020 " التي بدأت من عام 1996 م وتمتد حتى عام 2020 م . ويتم الإعداد لاستراتيجية التنمية العمانية " عمان 2040 " في ضوء توجيهات السلطان قابوس. إن من أهم الأسس التي أرساها سلطان عمان خلال الأعوام الماضية أن بناء الدولة العصرية واستكمال مؤسساتها ، وتشييد بنيتها الأساسية ، إنما يقوم على أكتاف المواطن العماني ، وعبر مشاركة واسعة وعميقة ومتواصلة للمواطن في هذا الجهد التنموي المتواصل ، انطلاقا من أن " الأوطان لا تبنى الا بسواعد أبنائها "، واستنادًا في الوقت ذاته على مبدأ المواطنة والمساواة بين المواطنين ، وحشد كل الطاقات الوطنية لتحقيق مزيد من التقدم والرخاء في إطار دولة المؤسسات وحكم القانون واستناداً كذلك إلى النظام الأساسي للدولة وتعديلاته وما يتضمن من مبادئ وأسس وقواعد تكفل الحريات الأساسية ، وتتوازن وتتكامل فيها الحقوق والواجباب في ظل قضاء عادل ومستقل ، وفي ظل فصل للسلطات التنفيذية والتشريعية ، وتكامل فيما بينها في الوقت ذاته . جدير بالذكر أنه في الوقت الذي حظيت فيه عملية تشييد البنية الأساسية القوية في مختلف محافظات السلطنة باهتمام كبير، خاصة وأن خطط وبرامج التنمية، ترتكز عليها في مجالات التعليم والصحة والتدريب والتأهيل، فضلاً عن القطاعات الصناعية والسياحية والزراعية والسمكية وفي مجالات النقل والمواصلات والاتصالات والموانئ وغيرها، فإن الاهتمام بتحسين مستوى معيشة المواطن العماني، وتحقيق زيادة في الدخل الحقيقي له، وتنفيذ المشروعات والبرامج التنموية التي تسهم في تحقيق ذلك، قد سار في الواقع جنباً إلى جنب مع الجهود الأخرى لتحقيق سبل الحياة الكريمة للمواطن العماني ، حيث أكد السلطان قابوس دوماً على أنه "هدف التنمية وأداتها العاملة الفاعلة" . ومما له دلالة في هذا المجال أن الموازنة العامة للدولة لهذا العام 2014م وصل حجم الإنفاق العام فيها (5ر13) مليار ريال عماني، وهو حجم إنفاق يتجاوز ما كان مقدراً لبعض الخطط الخمسية السابقة، وهو ما يشير إلى حجم التوسع في الجهود التنموية في مختلف المجالات. وفي حين أنه تم اعتباراً من أول يناير 2014م العمل بالجدول الموحد للدرجات والرواتب بالنسبة للعاملين العمانيين المدنيين في الجهاز الإداري للدولة، والذي يكلف ما يتراوح بين 800 و 900 مليون ريال عماني، فإن البعد الاجتماعي يحظى باهتمام كبير، وذلك من خلال مخصصات التعليم والصحة والدعم والجوانب الاجتماعية الأخرى، حيث تتضافر أهداف الموازنة بجوانبها الستة الأساسية للدفع بالاقتصاد العماني، وبالتنمية الوطنية خطوة ملموسة إلى الأمام مع التطلع لأن يصل معدل النمو الحقيقي المستهدف إلى 5% . وفي هذا الإطار فإن حكومة السلطان قابوس تحرص على مواصلة العمل في المشروعات الكبيرة الجاري العمل فيها -إنتاجية وخدمية – في الدقم وصحار وصلالة ومسقط والبريمي ونزوى وصور وسمائل وغيرها، إلى جانب دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة ، ورفع إنتاجية الجهاز الإداري للدولة ورفع كفاءة الإستفادة من الادخار المحلي، والحفاظ على الدين العام في مستويات آمنة. وقد تم احتساب أسعار النفط في موازنة هذا العام على أساس 85 دولاراً لبرميل النفط، وذلك تحسباً لأي ذبذبات قد يتعرض لها سعر النفط في الأسواق العالمية، خاصة في الظروف التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط. وبالتوازي مع جهود تنفيذ خطط وبرامج التنمية الوطنية، اقتصادية واجتماعية وتعليمية وصحية وثقافية وسياحية، وفي مجالات الطرق والاتصالات والموانئ وغيرها، وكذلك في المجالات ذات الصلة بالتنمية البشرية المستدامة، والاستفادة من الطاقات البشرية العمانية الشابة والمؤهلة، سواء باستيعاب مزيد من الباحثين عن عمل، وتحفيز القطاع الخاص العماني للقيام بدوره في هذا المجال، أو من خلال تنفيذ قرارات ندوة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي عقدت في رحاب المخيم السلطاني في سيح الشامخات بولاية بهلا بمحافظة الداخلية في الفترة من 21 حتى 23 يناير 2013م، فإن إنشاء الهيئة العامة لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وموافقة مجلس الوزراء على الضوابط الخاصة بتفريغ موظفي الحكومة ، الراغبين في إنشاء وإدارة مؤسساتهم الخاصة، بالتفرغ لها ، مع الاستمرار في صرف رواتبهم لمدة سنة، وكذلك حصول المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، على نسبة محددة من المناقصات الحكومية ، ووضع الآليات الخاصة بذلك، يعطي دفعة كبيرة لهذا القطاع الحيوي، حيث تمثل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ركيزة مهمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة . ويحرص مجلس الوزراء على توفير كل ما يمكن من تسهيلات لهذه المؤسسات ، وبما يحقق التوازن بين قطاعات الاقتصاد العماني المختلفة. وهناك الكثير من الموضوعات التي تناولها مجلس الوزراء في اجتماعاته، والتي أشار إليها في البيانات التي تصدر عنه، بما فيها تسهيل وتيسير سبل التعامل مع المواطنين عبر مختلف الوزارات والهيئات المعنية وتحقيق متابعة مستمرة للأداء الحكومي على مختلف المستويات والسير نحو استكمال الحكومة الالكترونية لتيسير الخدمات بشكل أكبر للمواطنين على امتداد هذه الأرض الطيبة. وفي خطوة بالغة الأهمية على صعيد دعم الشباب والشابات من أبناء الشعب العماني أعلن السلطان قابوس إنشاء " صندوق الرفد" الذي تتجمع فيه مختلف مصادر دعم الشباب بما في ذلك مشروع سند وغيره لكي يكون "من أجل هؤلاء الشباب والشابات لكي يستطيعوا أن يطوروا مشروعاتهم الصغيرة والمتوسطة .. وإن صندوق الرفد سيكون له شأن كبير وأن يكون في هذا الصندوق الخير لأبنائنا وبناتنا" وبالفعل قام صندوق الرفد بتمويل أكثر من /500/ مشروع خلال الفترة الماضية كما قام بتطوير القروض التي يقدمها لمشروعات الشباب الصغيرة والمتوسطة لتمتد إلى قطاعات أكبر ولتزداد في بعض الحالات إلى مائة ألف ريال عماني ولتوفر مزيد من التيسيرات للشباب ليؤسسوا مشروعاتهم الخاصة. وجنباً إلى جنب مع العناية بمشروعات الشباب فإن حكومة السلطان قابوس تسير في خططها وبرامجها لتطوير المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم كركيزة للتنمية الوطنية في الحاضر والمستقبل وعلى نحو يتكامل مع المناطق الصناعية في صحار وصلالة وصور مع ربط وتكامل أنشطة الموانئ العمانية وإنشاء محطة لوجستية ضخمة في الدقم ومنطقة لوجستية اخرى في جنوب الباطنة، وذلك في إطار تحويل السلطنة إلى محطة لوجستية إقليمية كبيرة والاستفادة من الموقع الاستراتيجي للسلطنة والمناخ الاستثماري الطيب الذي توفره وبقدرتها على خدمة تجارة " الترانزيت " بين الخليج ومناطق العالم المختلفة . ويتم بالفعل تنفيذ العديد من المشروعات في مجالات النقل والموانئ وشبكة السكك الحديدية والطرق وغيرها. وكان ملتقى عمان الاقتصادي الرابع الذي عقد في مسقط في مارس الماضي علامة بارزة في هذا المجال وذلك في الوقت الذي يتم فيه الإعداد لخطة التنمية الخمسية التاسعة /2016م – 2020م/ ولاستراتيجية التنمية الوطنية عمان 2040. وبينما تنطلق مسيرة النهضة العمانية الحديثة بخطى ثابتة وبعزم ثابت نحو غاياتها التي يحددها السلطان قابوس فإن تشييد الدولة العصرية التي تقوم على المؤسسات وحكم القانون هو من أكثر الإنجازات أهمية على امتداد مسيرة النهضة المباركة . وبينما استمد ذلك قوته من إرادة السلطان قابوس وثقته في " قدرة العمانيين الواضحة على المشاركة بالفكر المستنير والرأي الناضج في صنع القرارات التي تخدم وطنهم وترقى به وتحقق له مكانة بارزة ومنزلة سامية بين الدول " . فإن التجاوب الكبير من جانب المواطنين العمانيين على كل المستويات ومن خلال كل الخطوات التي تم اتخاذها على امتداد السنوات الماضية، كان بمثابة قوة دفع أخرى ، سواء من خلال انتخابات أعضاء مجلس الشورى في الفترات المتتالية أو من خلال الإقبال الكبير على انتخابات المجالس البلدية للفترة الأولى في محافظات السلطنة والتي جرت في ديسمبر 2012م وتشكل حلقة هامة على صعيد الممارسة الديمقراطية أو على صعيد أداء مجلس عمان - بجناحيه مجلس الدولة ومجلس الشورى - لمهامه واختصاصاته خاصة بعد منحه مزيدا من الاختصاصات الرقابية والتشريعية من خلال التعديلات التي تم إدخالها على النظام الأساسي للدولة في عام 2011م. وفي ظل استقلال القضاء العماني، وقيام الحكومة بدورها ومهامها، فقد شهد هذا العام تفاعلاً رفيعا وبالغ الدلالة بين مؤسسات الدولة التنفيذية والبرلمانية وهو ما يسجل خطوات هامة على صعيد الممارسة الديمقراطية العمانية وفي هذا الإطار وعلى سبيل المثال عقد مجلس عمان بجناحيه، مجلس الدولة ومجلس الشورى، اجتماعا بكامل أعضائهما لبحث مشروع قانون حماية المستهلك وذلك في 26 مايو 2014م للتوصل إلى رؤية مشتركة للمجلسين حول مواد مشروع القانون الذي يهم قطاعا عريضا من المواطنين وتم رفع ما توصل إليه مجلس عمان إلى جلالة السلطان المعظم. وعندما أصدرت الهيئة العامة لحماية المستهلك قرارها في 15 يونيو 2014م المتضمن حظر رفع أسعار بعض السلع الأساسية، فإن السلطان قابوس استجاب بشكل فوري لنبض المواطن العماني ووافق في 25 يونيو الماضي على توصية مجلس الشورى التي رفعها المجلس إلى المقام السامي قبل ذلك بأقل من 24 ساعة بتعليق قرار خفض قائمة السلع الخاضعة للرقابة من قبل الهيئة العامة لحماية المستهلك حتى يتم اتخاذ عدد من الإجراءات التي تتلخص في إصدار القوانين ذات العلاقة . ويمثل ذلك في الواقع ترسيخاً للأداء المؤسسي للدولة وللتفاعل النشط بين المؤسسات التنفيذية والتشريعية والعمل على تحقيق كل ما يحقق مصلحة المواطن العماني واستقرار الاقتصاد الوطني في إطار مبادئ الاقتصاد الحر التي يعمل في إطارها. من جانب آخر فإن مجلس عمان قرر تمديد دور الانعقاد السنوي له حتى يتم إنجاز مشروع حماية المنافسة ومنع الاحتكار وهو شروع القانون الذي أحاله مجلس الوزراء إلى مجلس الشورى في يونيو الماضي وقد بحثه مجلس الشورى وأدخل تعديلات على عدد من مواده وأحاله إلى مجلس الدولة في أواخر يونيو لدراسته تمهيدا اًلإقراره وإحالته إلى مجلس الوزراء لاتخاذ إجراءات إصداره . وحرصا من مجلس عمان على الانتهاء من مشروع هذا القانون المهم بالنسبة للاقتصاد وللمواطن العماني، فإن المجلس قرر تمديد دور انعقاده السنوي الحالي حتى يتم الانتهاء من بحث ودراسة مشروع القانون وإدخال ما يراه من تعديلات عليه. وقد أقر مجلس الدولة مشروع القانون يوم 15 يوليو الجاري ثم إحالته إلى مجلس الوزراء . وهذه الأمثلة تشير على نحو واضح إلى أهمية وقيمة التفاعل والتكامل بين مختلف مؤسسات الدولة، لتحقيق مصلحة الوطن والمواطن في ظل القيادة الحكيمة للسلطان قابوس بن سعيد .