لا أجد مبررا واحدا للانزعاج من هتاف «يسقط حكم العسكر» الذى تردد بالأمس فى ميدان التحرير عندما بدأ التوتر بين النشطاء والشرطة العسكرية، وبدأ من قبل بحدة وعنف خلال موقعة العباسية، فلا السادة أعضاء المجلس العسكرى يجوز لهم الانزعاج، ولا غيرهم يجوز له اعتبار هتاف كذلك تجاوزا لما يسمونه بالخطوط الحمراء. أولا هذا هتاف سياسى ليس وليد اللحظة لكنه ربما يردد سرا وجهرا بتفاوتات مختلفة طوال 60 عاما، ثانيا أنه ربما يكون الهتاف السياسى الوحيد منذ قامت ثورة 25 يناير، الذى حاز على توافق كبير يقترب من الإجماع، وهو توافق المجلس العسكرى نفسه جزء منه. وربما تستطيع أن تقول إن المجلس العسكرى هو أول من أعلن سقوط حكم العسكر فى أول بيان له عقب توليه المسئولية فى 11 فبراير، حين أكد أنه ليس بديلا عن الشرعية، وأن وجوده مؤقت، وأن مآل الأمور إلى السلطة المدنية المنتخبة فور انتهاء الفترة الانتقالية. هؤلاء الغاضبون إذن لا يطالبون بشىء لا يريده العسكر، وهم أول من أعلن التزامه بتحقيقه خلال فترة محددة، فليس جرما أن تطالب بسقوط حكم العسكر لأن ذلك هو الطبيعى وهو المفترض، فالدولة المدنية التى ننشدها التوافق الوحيد على تعريفها أنها دولة غير عسكرية، وصندوق الإقتراع هو الآلية الوحيدة لإفراز حكامها، فلم يخرج حتى الآن من «يخترع» إطارا لها يمكن أن يستوعب أن تكون دولة مدنية بمرجعية عسكرية. من حقك إذن أن تتعامل مع هتاف «يسقط حكم العسكر» باعتباره محفزا للحكام المؤقتين على إنجاز خطوات الانتقال بكفاءة وقدر مناسب من السرعة، ورؤية وطنية فى التأسيس لا ترتمى فى حضن تيار، ولا تتخذ مواقفا من تيار، وتبنى إطارا يتسع للجميع دون تمييز، ومجرى سالك للنهر، يمنح كل من يملك قاربا على الحركة فيه وبين شاطئيه. إما إذا كان الهتاف يستهدف: «إسقاط حكم العسكر» الآن وقبل أن ينجز مهمته الانتقالية ويسلم السلطة إلى حكومة مستندة لبرلمان منتخب، ورئيس جمهورية جاءت به إرادة الناس، فذلك لا يعنى سوى الشطط فى الخصومة الذى قد يغيب الرؤية الراجحة، والرأى السديد، حتى لو كان كل ذلك مغلفا بطرح نظرى جدا حول تشكيل مجلس رئاسى لتولى مهام العسكر السياسية، لأنك تعرف أن التوافق على هذا المجلس من رابع المستحيلات فى مناخ سياسى انتهى فيه زمن التوافق حتى على أبسط الأشياء. لا بديل عن المجلس العسكرى لإدارة الانتقال، تلك معلومة مجردة وليس انحيازا، هو المؤسسة الوحيدة القادرة على التسليم الشرعى والآمن لمفتاح الوطن، وهى وهو مثل أى مؤسسة مصرية، يخطئ ويصيب، يملك الإخلاص الوطنى دائما، وتغيب عنه الرؤية الكاملة أحيانا، والمصلحة الوطنية ليست فى إسقاطه بقدر ما هى فى استعادته كلما خرج قطاره عن ما تم الاتفاق عليه من محددات لدوره ومهمته. ليسقط طبعا حكم العسكر، ولكن بمساعدة العسكر وبتعاون معهم، وفى دعمهم الواجب عبر مواجهتهم بالأخطاء، ومعاونتهم على إنجاز المهمة، والوثوق فى حسن النوايا طالما لم يثبت العكس، هى خطوات مطلوبة منك ومن العسكر على السواء.