من الواضح والجلي أن اليمن تمر هذه الأيام بأهم وأعقد مرحلة في تاريخها الحديث والمعاصر، حيث تواجه العديد من التحديات والصعوبات والاحتقانات التي صارت تلقي بظلالها وانعكاساتها السلبية على المسارات الاقتصادية والتنموية والسياسية والاجتماعية. واستمرار هذه الإشكاليات بدون معالجات وحلول مناسبة يلحق الضرر البالغ بكافة أطياف المجتمع اليمني، بل أنه يضع حاضر ومستقبل اليمن في كف عفريت وعلى طاولة المجهول، ما يعني أن إطالة أمد الأزمة وتأجيجها وتوسيع نطاق حرائقها ليس في مصلحة أحد. وإذا كان هناك مستفيد من وراء هذه الأزمة أو تفاقمها فلن يكون سوى أعداء اليمن والمتربصين بها والحاقدين عليها، ومن بعدهم تجار الأزمات ومشعلو الفتن وحفارو القبور، الذين يقتاتون من الصراعات والتوترات والمآسي والكوارث التي تحيق بالناس. وطالما أن الكل خاسر جراء استمرار الأزمة الراهنة فإن من الصواب أن يجنح الجميع - سلطة ومعارضة- لمنطق العقل وأن يتجهوا نحو الحوار لبحث السبل الكفيلة بالخروج من هذه الأزمة والشروع في الخطوات العملية التي من شأنها تجنيب الوطن السقوط في أتون الفوضى والعنف والخراب، وكل أسباب الصراع والاحتراب، خاصة وأنه لابديل عن الحوار لتجاوز هذه الأزمة. وبعيداً عن أي تجّنٍ فإن كل المؤشرات تؤكد أن الكرة اليوم صارت في ملعب أحزاب اللقاء المشترك، التي يتعين عليها أن تجعل مصلحة اليمن فوق كل الاعتبارات وفوق كل المصالح الذاتية والحزبية، وذلك انطلاقاً من الاستجابة لدعوة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية في خطابه بمناسبة عيد الفطر المبارك جميع الأطراف إلى العودة لطاولة الحوار، ومواصلة الخطوات التي تم البدء بها للوصول إلى كل ما هو مطلوب وفق برنامج زمني، لتنفيذ ما يتم التوافق عليه، سواء في ما يتعلق بتطلعات الشباب في التطوير والتغيير والإصلاح، أو في ما يتصل بإنجاز الاستحقاقات القانونية والدستورية المؤجلة في أقرب وقت ممكن، والإعداد لإجراء الانتخابات العامة الحرة والمباشرة لرئيس الجمهورية. ومثل هذه المهام الملحة التي تنتصب أمام الجميع يستدعي إنجازها التوافق على رؤية واضحة تستلهم أفكارها من روح المبادرة الخليجية وجهود وبيان مجلس الأمن الدولي والمصلحة العليا لليمن، والقواعد الدستورية التي يتعين احترامها وعدم الخروج عليها باعتبارها الضامن الحقيقي لجوهر وجود الدولة اليمنية الحديثة، والأداة الحامية للسلم الاجتماعي والحياة الديمقراطية التعددية، وقيم المواطنة. لقد جربت أحزاب اللقاء المشترك كل الوسائل، من قطع الألسن إلى ضرب الكهرباء وقطع الطرق وتدمير المنشآت العامة والاعتداء على النقاط الأمنية ومعسكرات الجيش والتحريض على العنف والتغرير على الشباب في ساحة الاعتصام، ولم تجن من ذلك شيئاً مفيداً لها، وما خرجت به هو أنها ضاعفت من حجم التمزق والتصدع في الصف الوطني، وضاعفت من معاناة الناس، وأسهمت من خلال خطابها المتشنج والمتهور في تصغير صورة اليمن وتحقيرها في وسائل الإعلام الخارجية وبصورة لم يجرؤ عليها أحد من قبل. وإذا كان هذا هو حصيلة الوسائل التي استخدمتها والممارسات التي قامت بها هذه الأحزاب خلال الفترة الماضية، وجربت فيها المشروع وغير المشروع والحلال والحرام، بما في ذلك أعمال العنف والتحريض والقتل والعدوان وسفك الدماء، فلماذا لا تجرب هذه الأحزاب منطق الحوار الذي يعد بكل المقاييس وسيلة حضارية للوصول إلى فعل جماعي واعٍ يخرج اليمن من عنق الزجاجة ويحفظ لها عزتها وكرامتها وتماسكها الوطني وسيادتها ووحدتها. وسيسأل الله قيادات هذه الأحزاب إن هي فرطت في فرصة الحوار، وظلت تتمترس وراء عنادها ومكابرتها واستخفافها بمسؤولياتها وواجباتها تجاه وطنها ومجتمعها، ولن يرحمها التاريخ إذا ما استمرت تراوح في مواقفها المتعنتة، وتعمل على إجهاض كل بارقة أمل للسلام والأمن والاستقرار.