مات الأستاذ شهيدا ..مات عبد العزيز عبد الغني ..وهكذا تكون الخسارة بهذا الحجم عندما تتربص المشاريع الإجرامية بالوطن . سياسيا لم تخدعه السياسة بأنانيتها ..اقتصاديا لم تستهويه التنظيرات الفارغة ..جمع بين السياسة والاقتصاد..سخرهما معا من أجل اليمن في أي كرسيا حل فيها ,ولذا كان الرجل الأقدر على إصلاح ما أفسده العطاس في زمانة. قرر توحيد العملة اليمنية فأوجد الوحدة الاقتصادية حين أوقف التعامل مع الدينار كابحا بذلك جماح تضخم أوشك على إهلاك الحرث والنسل وها نحن أمة تغتال عظمائها وتصفق للفئران ؟ بمن سنصنع التغيير اليوم إذا..وليس أمامنا سوى مجاميع تصطنع الأزمات..تداهن الفساد ..تؤلم للغدر وترقص على رؤس الجنائز في محاولات بائسة لاختلاس وهم الانتصار؟ لم يكن نبيا ..ولم يكن وليا .. لكنه كان رجلا حكيما في القيادة ..حصيفا في صنع القرار..محنكا في تلافي هيجان الانهيار فأبهر العالم أجمع حين أخرج اليمن من عنق الزجاجة عابرا بها أمواج عاتية من الأزمات التي خلفها صراع أحمق على الكراسي ذلك الصيف التسعيني فاستحق الدكتورة كتعبير عالميا بسيطا عن مشاعر الدهشة لمقدرته في إدارة شئون بلاد كانت تداري الانهيار بشق النفس . استشهد عبد العزيز عبد الغني ..ونحن أحوج ما نكون فيه إلى رجل بحجمه ..مات غدرا ولم يحوًل اليمن يوما إلى مشروع استثماري ،أوشركة وهمية من خلالها يتربص بالمستثمرين بحثا عن العمولات والسمسرات. مات عبد العزيز عبد الغني غدرا وهو رجل الدولة اليمنية المدنية الخالية من المرافقين المدججين بمختلف أنواع الأسلحة..عاش مسئولا أمينا ومات شهيدا كبيرا وليس في أمام منزله متمترسين تداعب أصابعهم أزندة الأسلحة الألية ،حتى حين كان القادة من حوله يتساقطون واحدا تلو أخر والمؤمرات تحاك جهارا أو في الأقبية المظلمة كان الرجل دون ذلك كله يعمل بسمط ..يمارس السياسة بسمط ،يسمو فوق الصغائر وليس في أجندته خصوما وأصدقاء بل مواطنين ووطن فما أحوجنا اليوم إلى رجل بحجمه. كان رجل خبر التعليم والاقتصاد فكان مدرسا وكان وزيرا للصحة وكان رئيسا للمكتب الفني للمجلس الأعلى للتخطيط وكان وزيرا للاقتصاد وكان محافظا للبنك المركزي اليمني وكان رئيسا للحكومة فوضع أول خطة خمسية للبلاد باقتدار وأشرف على تنفيذها بمهارة متناهية فأوجد التنمية وكان مهندسها الأول بحق. كان رجل خبر السياسة فكان أمينا عاما للمؤتمر الشعبي العام وكان نائبا لرئيس الجمهورية وكان عضوا في مجلس الرئاسة وكان رئيسا للحكومة ثم كان رئيسا لمجلس الشورى ،ولم يكن مع تقدم العمر به شيخا يسخر مرافقيه للاستيلاء على أملاك العامة أو يوجه مسئولا لتنفيذ رغبات أبنائه أو أقاربة وأبناء عمومته..وببساطة كان أينما حل الرجل المناسب في المكان المناسب. كان عظيما فاته القطار ولم يدر بخلده يوما أنه بات يعيش في أمة تغتال عظمائها وتصفق للفئران كان رجل الدولة اليمنية المدنية دون إدعاء أو مزايدة حتى حين كان فئران الدولة المدنية المطوقة خاصرتها بشيوخ ال (أر.بي .جي ) زمرة منتفعين في دهاليز الأمن الوطني قبل قيام الوحدة اليمنية ،وظل رجل الدولة اليمنية المدنية حتى حين تحولت تلك الفئران إلى ثعالب تؤذن فينا للتغيير وتتباكى على وطن جعلت منه أوكار لكل مطلوبا خارجا عن القانون .