اتُعَد الحيتان من بين أكثر الكائنات ذكاءً على وجه الأرض؛ إذ تملك ما يعرفه الخبراء بأنَّه «ثقافة«، فهي تتعلم المعرفة بوصفها أفراداً وتتشاركها مع آخرين، فحيتان العنبر تتكلم بلهجات محلية، وتبدو الحيتان القاتلة (الأوركا) كما لو كانت تحزن على ذريتها الميتة، ومن ذلك أنَّ إحدى الحيتان القاتلة (أوركا) الحزينة قبل بضعة أشهر حملت وليدها الميت على ظهرها لأكثر من أسبوعين. فالحيتان حيوانات مفكرة وعطوفة ومعقدة، بالتالي فإنَّ ما يُقال عن اعتزام اليابان الانسحاب من اللجنة الدولية لصيد الحيتان واستئناف الصيد التجاري للحيتان ينبغي أن يكون أمراً مروعاً لنا جميعاً. وكانت اللجنة الدولية لصيد الحيتان قد حظرت الصيد التجاري للحيتان قبل ثلاثة عقود، لكنَّ اليابان استغلت وجود استثناء لصيد الحيتان لأغراض «بحثية»، بما تضمَّن قتلها ل122 من الحيتان الحوامل الشتاء الماضي. وليس ثمة دليل على وجود هذه الأغراض «البحثية» المزعومة. وقد قُتِل أكثر من 30 ألف حوت منذ الحظر، وقبل الحظر على الصيد التجاري للحيتان ساعدت اليابان وبعض الدول الأخرى التي تصطاد الحيتان على دفع بعض من أنواعها إلى حافة الانقراض. ففي العقود الثمانية التي سبقت حظر اللجنة الدولية لصيد الحيتان، قُتِل ما يُقدَّر ب1.3 مليون حوت في المنطقة القطبية الجنوبية وحدها، بفعل الصيد التجاري. ومع أنَّ صيد الحيتان الزرقاء حُظِر في القطب الجنوبي منذ أكثر منذ نصف قرن، فإنَّ عددها لم يَعُد قط إلى سابق عهده: انخفضت أعدادها عالمياً من 220 ألف حوت إلى حوالي 3 آلاف فحسب. ينبغي أن يكون البشر حماة الأرض لا قصَّابيها، ثمة الكثير من الاهتمام –وإن لم يكن اهتماماً كافياً– بالخطر الوجودي الذي يُشكِّله التغيُّر المناخي. لكنَّ تدمير الإنسانية الشامل للحياة البرية على الأرض لا تجري مناقشته بالقدر الكافي، فنحن نشهد سادس حوادث الانقراض الجماعية الكبيرة، لا بسبب اصطدام كويكب بالأرض أو اندلاع انفجارات بركانية كارثية، وإنما بسبب الإنسان. فالحمام المهاجر، والعلجوم الذهبي، والببر القزويني، انقرضت جميعها، وثمة أنواع أخرى في وضعٍ خطر. وأفعالنا لا تقود الأنواع الأخرى وحدها إلى الانقراض، وإنما نهدد بقاءنا نحن أيضاً من خلال زعزعة استقرار الأنظمة البيئية وتدمير التنوع الحيوي. ينبغي أن تُقابَل تصرفات اليابان بإدانة عالمية، لكنَّ تجدُّد الاعتداء على الحيتان ينبغي أن يكون بمثابة تذكير أكبر بأنَّ البشر في حالة حرب مع كوكبهم. ودون حدوث تحوُّل جذري في هذا المسار، ربما يكون الأمر في حقيقته حرب إبادة قد تدمرنا جميعاً.