في ظل المتغيرات التي يعيشها العالم أصبح منطق القوة وامتلاك عناصرها هو مصدر الوجود الذي تتخاطب منه الدول وبعد مضي عقود من الصراع العربي الإسرائيلي تبدو إسرائيل اليوم قوة إقليمية مؤثرة ماسكة بخيوط اللعبة السياسية من مختلف الجوانب والأبعاد متفوقة بذلك على كل المنافسين لها في كل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية. ونعلم جميعاً بأن هذا التفوق الإسرائيلي لم يكن وليد الصدفة ولكنه نتيجة عمل دؤوب وتفكير استراتيجيا سأسهم في قاموسهم فهم العدو جيداً ومعرفة نقاط ضعفه وقوته واستغلالها جيداً وهذا هو ما تعاملت معه في صراعها مع الدول العربية الغارقة في نزاعاتها الداخلية والفوضى التي أدخلت نفسها فيها إضافة إلى التيهان الذي تعيشه معظم دول العالم العربي بين الاختيارات التنموية والصراعات الإيديولوجية . فبعد سنوات على فشل الدبلوماسية السياسية للكيان الاسرائيلي في كسر حالة العزلة الكبيرة التي تعيشها في العالم العربي وأفريقيا سعت إسرائيل لإتباع إستراتيجية جديدة وهي الدبلوماسية العسكرية وتقوم هذه السياسية من خلال استخدام صفقات السلاح من جهة ، والتدريب العسكري من جهة أخرى وذلك لتعزيز علاقاتها الدبلوماسية مع دول العالم مستفيدة من نقاط القوة التي تمتلكها تكنولوجيا وأمنياً . ومن خلال إتباع هذا الاسلوب عزز الكيان الصهيوني مكانته كأكبر دولة مصدرة للأسلحة لجميع أنحاء العالم ، وأصبح يحتل المرتبة السابعة عالمياً في تصدير الأسلحة وارتفعت صادرات شركاته لصناعات الأسلحة إلى حوالي 55% على مدار الخمس سنوات الماضية، وهذه الدبلوماسية العسكرية الجديدة بدأت تتوسع وتؤتي ثمارها في كل أنحاء العالم وخصوصاً في أفريقيا فبحسب ما نشرته الصحافة الإسرائيلية أن قوات كوماندوز تابعة للجيش الإسرائيلي تقوم بتدريب قوات محلية في أكثر من 12 بلدا أفريقياً كجزء من إستراتيجية إسرائيلية لتعزيز العلاقات الدبلوماسية ، ولا تقتصر هذه الدبلوماسية التي ينتهجها العدو الصهيوني في أفريقيا فقط ولكن توجد له علاقات من تحت الطاولة مع بعض الدول العربية والخليجية رغم محاولاتها التستر على مثل هذه العلاقات إلا أنه مؤخراً بدأت تتكشف الحقائق وتطفو على السطح نتائج التطبيع والتعاون العسكري الإسرائيلي إلى العلن غير آبهة بشعور شعوبها الرافضة التطبيع مع العدو المحتل وما مؤتمر وارسو إلا واحدا من صفقات إسرائيل التي كشف فيها الكثير ممن يتخفون وراء تلك الاقنعة . فعلى سبيل المثال السعي الحثيث للنظام السعودي للتطبيع مع الكيان الصهيوني في مختلف المجالات ومنها العسكرية حيث قامت مملكة الشر بشراء الكثير من صفقات الأسلحة وهي اليوم تستخدمها في عدوانها الهمجي على وطننا الغالي وشعبنا الوفي ، وقد كشفت هذه الحقيقة مصادر في الاستخبارات بالكونجرس الأمريكي من استخدام القوات السعودية أسلحة إسرائيلية الصنع في العدوان على اليمن ، ومن خسة هذا النظام وإدراكه بأنه أصبح مكروهاً على مستوى الداخل فقد أستخدم برامج مراقبة للتجسس على مواطنيه وخصوصا الناشطين والمعارضين لسياسة الحكم ومن أبرز ضحاياهم ( الصحفي جمال خاشقجي ) وغيرهم الكثير ممن هم في سجون هذا النظام القاتل . وفي نفس السياق وعلى نفس المنوال يسير النظام الإماراتي والذي يعتبر أحد أبرز المتعاونين مع بنى صهيون حيث وقعت العديد من الشركات الأمنية الإسرائيلية عقوداً مع النظام الإماراتي حول الأمن الالكتروني فاقت 6 مليارات بين أعوام 2007- 2015م وفق ما جاء في صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية . وكذلك الأردن ومصر التي تربطهما مع إسرائيل علاقات دبلوماسية عسكرية وقد وصل التطبيع العربي مع هذا العدو الى القيام بمناورات عسكرية مشتركة في سيناء تحت يافطة القضاء على الإرهاب. وهكذا وبهذه الإستراتيجية استطاعت إسرائيل بفضل تفكيرها المرتكز على طول النفس والتأني وبعد الأفق أن تجني النجاحات الديبلوماسية ليس على مستوى المنطقة بل على مستوى العالم كاسرة بذلك حالة الحصار والعزلة المفروضة عليها ، واتسعت مخططاتها أكثر حينما اخترقت الدول العربية والأفريقية وعملت على شق صف وحدتها وجرتها نحو ديمقراطية الفوضى وسلام بطعم الاستسلام . وللأسف الشديد أن كل زعماء العالم العربي يدركون هذه الاستراتيجية التي تنتهجها إسرائيل ولكن أغوتهم الاموال وكراسي السلطة والعرش فاستظلوا تحت عباءة هذا الكيان وجنحوا له وجلبوا لشعوبهم الذل والخنوع تحت مسمى محور الممانعة ولكن هذا لا يعنى انقطاع الامل فهناك من الشرفاء ومن الدول من ما زال يغلي بداخلهم النفس الشريف الرافض لهذا الكيان ووجوده وستأتي اللحظة التي يعي فيها البقية خطر هذا الكيان الغاصب المحتل ومن يدعمه ولعلها تكون قريب.