فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    أثناء حفل زفاف.. حريق يلتهم منزل مواطن في إب وسط غياب أي دور للدفاع المدني    منذ أكثر من 40 يوما.. سائقو النقل الثقيل يواصلون اعتصامهم بالحديدة رفضا لممارسات المليشيات    بينها مطار صنعاء .. اتفاقية لتفويج الحجاج اليمنيين عبر 5 مطارات    الاحتلال يواصل توغله برفح وجباليا والمقاومة تكبده خسائر فادحة    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    صعقة كهربائية تنهي حياة عامل وسط اليمن.. ووساطات تفضي للتنازل عن قضيته    حصانة القاضي عبد الوهاب قطران بين الانتهاك والتحليل    انهيار جنوني للريال اليمني وارتفاع خيالي لأسعار الدولار والريال السعودي وعمولة الحوالات من عدن إلى صنعاء    نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    انهيار وافلاس القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين    "استحملت اللى مفيش جبل يستحمله".. نجمة مسلسل جعفر العمدة "جورى بكر" تعلن انفصالها    باستوري يستعيد ذكرياته مع روما الايطالي    فودين .. لدينا مباراة مهمة أمام وست هام يونايتد    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    فضيحة تهز الحوثيين: قيادي يزوج أبنائه من أمريكيتين بينما يدعو الشباب للقتال في الجبهات    في اليوم ال224 لحرب الإبادة على غزة.. 35303 شهيدا و79261 جريحا ومعارك ضارية في شمال وجنوب القطاع المحاصر    الطرق اليمنية تبتلع 143 ضحية خلال 15 يومًا فقط ... من يوقف نزيف الموت؟    الدكتور محمد قاسم الثور يعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقه    الحوثيون يتكتمون على مصير عشرات الأطفال المصابين في مراكزهم الصيفية!    رسالة حاسمة من الحكومة الشرعية: توحيد المؤتمر الشعبي العام ضرورة وطنية ملحة    خلافات كبيرة تعصف بالمليشيات الحوثية...مقتل مشرف برصاص نجل قيادي كبير في صنعاء"    الدوري السعودي: النصر يفشل في الحاق الهزيمة الاولى بالهلال    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    بن مبارك يبحث مع المعهد الملكي البريطاني "تشاتم هاوس" التطورات المحلية والإقليمية    الحوثيون يعلنون إسقاط طائرة أمريكية MQ9 في سماء مأرب    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    السعودية تؤكد مواصلة تقديم المساعدات والدعم الاقتصادي لليمن    مسيرة حاشدة في تعز تندد بجرائم الاحتلال في رفح ومنع دخول المساعدات إلى غزة    المطر الغزير يحول الفرحة إلى فاجعة: وفاة ثلاثة أفراد من أسرة واحدة في جنوب صنعاء    بيان هام من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات من صنعاء فماذا قالت فيه ؟    ميسي الأعلى أجرا في الدوري الأميركي الشمالي.. كم يبلغ راتبه في إنتر ميامي؟؟    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاريخ اليمن .. مقبرة الغزاة :للباحث / عبدالله بن عامر( الحلقة الرابعة )
نشر في 26 سبتمبر يوم 03 - 08 - 2019

بحث مقارن لحملات الغزاة المتعاقبة على اليمن عبر التاريخ خلص إلى آن الغزاة لايستفيدون من التجارب
الصراع بين السبئيين والريدانيين هو ما اغرى الرومان وشجعهم على غزو اليمن قديماً بيد أن اليمن ظلت عتية على الغزو ومقبرة للغزاة
الأسكندر المقدوني «الأكبر» هو أول من فكر في غزو اليمن يدفعه الفضول لتسجيل أو اختراق في جدار سبأ العصية على الغزاة وكان ذلك في القرن الرابع قبل الميلاد
اليمن وروما قديماً كانا قطبي الهيمنة على العالم عسكرياً واقتصادياً وسياسياً وهو ما دفع الرومانيين لضرب مصالح السبئيين بصورة غير مباشرة بالعدوان على حلفائهم الفينيقيين
في العدد السابق تناولنا الجزء الأخير من المدخل المطول إلى هذا البحث والذي حمل ثلاثة عناوين أساسية هي قصة الشهداء السبعة الذين كسروا أسطورة البحرية البرتغالية في سواحل مدينة الشحر بحضرموت واستعرضنا كيف أجاب الباحث ابن عامر على سؤالين طرحهما وهما متى يحدث الغزو وكيف عمد المحتل إلى محاربة اليمنيين بأنفسهم ومن ثم تناولنا جزءاً من الفصل الأول الذي خصصه الباحث للحديث عن الغزو الروماني لليمن في الفترة 24-25ق.م.. ليكون موضوع عرضنا في هذه العدد لبقية الفصل حيث نستكمل الحديث عن النوايا العدوانية الرومانية تجاه اليمن باعتبار الرومان من أوائل من فكر بغزو اليمن مستعرضين حملتهم وأهدافها..
من هو القائد الروماني الذي اخضع كل البلدان عدا اليمن وما مصير الحملة الرومانية سندع ابن عامر يجيب عن ذلك من خلال العرض فإلى الكتاب والمتحدث باسمه.
عرض/ امين ابو حيدر
ويقول ديودور الصقلي الذي عاش في القرن الأول قبل الميلاد: إن السبئيين لا يتفوقون بما لديهم من ثروات ومنتجات ثمينة من شتى الأنواع على ما عداهم من جيرانهم العرب فحسب بل وعلى كافة شعوب العالم أيضا وتمنحهم مبادلة البضائع وبيعها وإن كانت في أدنى حجم ممكن ربحاً أوفر من ذلك الذي يجنيه من تجارته غيرهم من التجار الذين يبادلون بضائعهم بالمال في مختلف الأسواق وبالتالي فقد نتج عن ذلك وعن كون أنه لم يسبق أبدا فيما تعيه ذاكرة الإنسان أن خضعوا لسيطرة أي كان بسبب بعد أماكنهم أن أصبح الذهب والفضة يغرقان إذا جاز التعبير البلد الذي يعيشون فيه خاصة مدينة سبأ المشيد فيها قصر الملك (بلاد اليمن في المصادر الكلاسيكية القسم الثاني د. عبد اللطيف الأدهم)
أول من فكر في غزو اليمن :
تمكنت الإمبراطورية الرومانية من التهام البلدان المطلة على البحر المتوسط وكذلك التوسع باتجاه أوروبا الغربية وآسيا ، ولم يعد أمامها من البلدان المهمة في المنطقة سوى منطقة جنوب شبة الجزيرة العربية التي كانت تتمتع بموقع مهم وتمارس النشاطين التجاري والزراعي وفيها كل أنواع الطيوب التي تحتاج إليها الطقوس الدينية في تلك الفترة وهو ما دفع الرومان إلى التفكير في غزو اليمن خلال النصف الأول من القرن الأول قبل الميلاد وقد ربط الكثير من المؤرخين بين أطماع الرومان في عهد أغسطس وبين أطماع اليونان في عهد أول إمبراطور فكر في غزو اليمن وهو الإسكندر الأكبر أو المقدوني ونجد إنهما اتحدا في الأهداف والأسباب فقد أراد الإمبراطور الروماني في القرن الأول قبل الميلاد أن ينفذ ما لم يتمكن الإسكندر الأكبر اليوناني من تنفيذه خلال القرن الرابع قبل الميلاد وهو القرن الذي شهد تنافساً كبيراً بين اليمنيين وحلفائهم من جهة وبين اليونانيين من جهة أخرى فقد أدت العلاقة بين سبأ والفينيقيين إلى تشكيل تحالف تجاري أثار اهتمام اليونان والرومان وكان مبعث حسدهما وتذمرهما (الشماحي اليمن الإنسان والحضارة ص 52)ولهذا نجد أن لإسكندر المقدوني وعلى ضوء ذلك شن هجوما عسكريا كبيرا على المراكز التجارية التابعة للفينيقيين حلفاء السبئيين وتمكن من تدمير سور على ساحل البحر المتوسط واستمر في الحرب عليهم في مختلف المناطق بل وأخذ يفكر في احتلال اليمن وانتزاع زمام التجارة والملاحة من يديهما (الشماحي اليمن الإنسان والحضارة ص 52).
وكان من نتائج حروبه التوسعية أن احتل الكثير من البلدان في شمال إفريقيا وفي آسيا حتى وصلت حروبه التوسعية إلى الهند شرقاً (الشماحي اليمن الإنسان والحضارة ص 52)بعد أن واجه صعوبات كبيرة تمثلت بمقاومة العرب في منطقة غزة بفلسطين حتى كاد أن يتعرض جيشه لهزيمة كبيرة قبل أن تصل إليهم التعزيزات بقيادته واستمرت تلك الحروب خمسة أشهر في العام 332ق. م وبحسب المصادر اليونانية فإن القبائل العربية (اليمنية) قاومت حملات الإسكندر بقيادة رجل يدعى باطش فقد كانت غزة من ضمن مناطق نفوذ السبئيين كونها كانت أحد أهم مراكزهم التجارية وفيها الكثير من المهاجرين اليمنيين الذين استقروا بها لممارسة النشاط التجاري وعندما انتصر الإسكندر استولى على كافة المنتجات اليمنية من المواد العطرية والبخور بعد أن كان قد تعرض للإصابة في تلك الحروب مع اليمنيين (المفصل في تاريخ ج3 ص 9).
فقام بإعداد الجيش لغزو جنوب شبه الجزيرة العربية ( تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي د. شوقي ضيف ص 27- 28 ) وأرسل أحد أتباعه في رحله استطلاعية إلى اليمن أثناء تواجده في مصر إضافة إلى عدد من قادته وأعوانه للتعرف المبدئي على شبه الجزيرة (محاضرات في تاريخ العرب القديم أ. د عبد الله الشيبة ص 27) وأعاد الكثير من الدارسين والباحثين وفاة الإسكندر كسبب رئيس حالت دون إقدامه على غزو اليمن ثم تنازع قواده وانقسامهم فيما بينهم الأمر الذي أدى إلى صرف النظر عن الفكرة ، إضافة إلى أن رأي القائد البحري في قوات الإسكندر (تبارخرس) الذي كان قد أرسله إلى اليمن يشير إلى صعوبة تنفيذ الغزو ، وعلى ما يبدو أن وضع اليمن في القرن الرابع قبل الميلاد ومكانته الإقليمية والعالمية أثارت حسد الإسكندر الذي كان يرى أنه القائد الذي يجب أن تخضع له كل الشعوب والأمم ،فكما يشير أحد المؤرخين الرومان إلى أن من أسباب تفكير الإسكندر في الاستيلاء على جزيرة العرب وعلى بحارها أن معظم القبائل العربية ويقصد بذلك اليمن لم ترسل إليه رسلاً للترحيب به ولتكريمه فغاظه ذلك (المفصل في تاريخ العرب ج3 ص 5) وبحسب المؤرخ أريان فإن السبب الذي دفع الإسكندر لإرسال هذه الحملة، يكمن في رغبته في اكتساب أرض جدة 1.
وأورد «أريان» في كتابه قصة أخرى، خلاصتها: أن العرب كانوا يتعبدون لإلهين هما: «أورانوس» uranus، و»ديونيسوس» Dionysus وجميع الكواكب وخاصة الشمس، فلما سمع الإسكندر بذلك، أراد أن يجعل نفسه الإله الثالث للعرب2، وذكر أيضًا أنه سمع ببخور بلاد العرب وطيبها، وحاصلاتها الثمينة، وبسعة سواحلها التي لا تقل مساحتها كثيرًا عن سواحل الهند، وبالجزر الكثيرة المحدقة بها، وبالمرافئ الكثيرة فيها التي يستطيع أسطوله أن يرسو فيها، وببناء مدن يمكن أن تكون من المدن الغنية، وسمع بأشياء أخرى، فهاجت فيه هذه الأخبار الشوق إلى الاستيلاء عليها، فسير إليها حملة بحرية للطواف بسواحلها، إلى ملتقاها بخليج العقبة3. وبحسب المؤرخ جواد علي فإن التعليل الأخير هو التعليل المعقول الذي يستطيع أن يوضح لنا سر اهتمام «الإسكندر» بجزيرة العرب، وتفكيره في إرسال بعثات استكشافية للبحث عن أفضل السبل المؤدية إلى الاستيلاء عليها، ولم يكن «الإسكندر الأكبر» أول من فكر في ذلك، فقد سبقه إلى هذه الفكرة حكام كان منطقهم في الاستيلاء على بلاد العرب وعلى غير بلاد العرب من أرضين، هو سماعهم بغنى من يريدون الاستيلاء عليه، فهو إما أن يتصادق معهم، فيقدم ما عنده من ذهب وفضة وأحجار كريمة وأشياء ثمينة إليهم ويرضى بأن يكون تابعًا لهم، وإما أن يمتنع فيكون عدوًّا، ويتعرض للغزو وللسلب والنهب والقتل والإبادة. بهذا المنطق كتب ملوك آشور إلى ملك «دلمون» وغير دلمون، وبهذا المنطق كتب «أغسطس قيصر» إلى ملوك اليمن فيما بعد ، وأياً كانت الأسباب التي حالت دون تنفيذ طموح الإسكندر في احتلال اليمن إلا أن تلك الرغبة وذلك الطموح ظل يراود بقية الزعماء اليونان ومن بعدهم الرومان حتى قرر أغسطس الإعداد للحملة العسكرية محاولاً الحصول على المجد ، وذلك لمد السيطرة الرومانية من البحر المتوسط الذي أطلقت عليه بعض المراجع تسمية بحر الروم إلى البحر الأحمر الذي تشغل اليمن بوابته الجنوبية (العرب في العصور القديمة لطفي عبد الوهاب يحيى ص 409) ويرى البعض أن الأحوال الطبيعية في شبه الجزيرة العربية وقفت حائلاً دون تخطي جيوش الفاتحين لحدودها فلا فتوح الإسكندر المقدوني (333-323ق. م) ولاحملات الرومان على بلاد شرق البحر المتوسط (50- 20 ق. م ) وجدت منفذاً إلى بلاد العرب في شبه جزيرتهم (جايمس هنري براستد : العصور القديمة ،نقله إلى العربية داؤود قربان مؤسسة عز الدين بيروت 1983ص 567 ، للمزيد انظر د. صادق عبده علي» الهوية السياسية والحضارية لليمن» ص 122)
أهداف الحملة :
تكشف الكتابات الرومانية عن اليمن مدى أهمية جنوب الجزيرة العربية وكيف أن هذه الكتابات العائدة لمفكرين وباحثين ورحالة زاروا اليمن أو سمعوا عنها أثرت على الإمبراطور أغسطس فدفعته إلى اتخاذ قرار غزو اليمن والسيطرة عليه إضافة إلى أن ذلك حلم ظل يراود سابقيه من الملوك والزعماء ، ويشير المؤرخ سترابون إلى أن الإمبراطور أغسطس قرر الإعداد للحملة بعد أن أطلع على تقارير أعدت له تتحدث عن غنى بلاد اليمن وأنها تحتكر التجارة في عدد من السلع المهمة وهنا نجد أن الإمبراطور قد حدد هدف الحملة وهو إخضاع بلاد اليمن إما بسيطرة الجيش الروماني عليها أو أن تكون خاضعة وتعمل لمصلحته أو أن يقرر إقصاءها وإبعادها عن أي نشاط تجاري وبحيث تصبح التجارة كلها محتكرة للرومان ( سليمان الذيب .. الحملة الرومانية الأولى على جنوب شبه الجزيرة العربية دراسة 39)وبحسب سترابون فإن الإمبراطور أمر واليه على مصر بتجهيز حملة لتعرف شعوب تلك البلاد العربية والإثيوبية وأقاليمها وجعلها شعوباً صديقة وهكذا تتمكن روما من تكوين علاقات مع أصدقاء أثرياء عن طريق المحالفة أو السيطرة على أعداء أثرياء عن طريق الحرب ( سليمان الذيب .. الحملة الرومانية الأولى على جنوب شبه الجزيرة العربية دراسة ص 39 )
أسباب اقتصادية وسياسية :
كان اليمن وسيطا مهما جداً في العالم القديم بين الشرق والغرب ورأى الرومان عرب جنوبي الجزيرة منافساً قوياً إذ كانت تجارة الطريق البري في أيديهم يتحكمون فيها كما يريدون كما كانوا أيضا منافساً خطراً شديد الوطأة يعمل له الملاحون الرومان ألف حساب عند اجتيازهم باب المندب أو عندما يرسون على بعض الموانئ . ( الدكتور أحمد فخري اليمن ماضيها وحاضرها ص 115) ولهذا كان اليمنيون يحتكرون التجارة ولا يسمحون لغيرهم في نقل البضائع ولهم نفوذ واسع في البحرين الأحمر والعربي والمحيط الهندي ويسيطرون على باب المندب ولهذا كان من أهم أهداف الرومان انتزاع البحر الأحمر من أيدي اليمنيين ليصبح بحيرة رومانية وحتى يحل التجار الرومانين محل اليمنيين في تجارة السلع النفيسة التي كانت تأتي من الصين والهند (حوراني العرب والملاحة ص 63) ويقول استرابون في مطلع حديثه عن الحملة أنه سمع عن بلاد اليمن أنها غنية جداً لأنها تقايض التوابل بالذهب والفضة والأحجار الكريمة وأنها لا تحتاج إلى استيراد الأشياء من الخارج (المفصل ج3 ص 44) ، وإلى جوار موقع اليمن والنشاط التجاري الواسع لليمنيين واحتكارهم النشاط التجاري ونقل البضائع براً وبحراً كانت الثروات في البلاد اليمنية تثير شهية الرومان وهو ما نلاحظه في كتاباتهم المختلفة فقد كانوا يصفون بلاد سبأ بالقول : إن فيها قصوراً رائعة ذات أبواب وجدران وسقوف مرصعة بالعاج والذهب والفضة والأحجار الكريمة ، ويقول سترابون إن بلاد سبأ هي أخصب الأراضي على الإطلاق أما حال شعبها فوصفه بأنه أغنى الناس قاطبة ، ويقول اجاثارخيوس في القرن الثاني قبل الميلاد لا توجد أمة أكثر ثراء من السبئيين، ويشير بليني أن السبئيين في عمومهم أغنى أجناس العالم لأن ثروات واسعة تتجمع في أيديهم من روما وفارس لقاء ما يبيعونه لهذين البلدين من نتائج البحر أو من غاباتهم دون أن يشتروا شيئا مقابل ذلك ،وعن الذهب في اليمن يقول ديودروس الصقلي :إن الجزيرة غنية بالذهب الذي بلغت نقاوته حداً لم تكن هناك حاجة لصهرة .
وقال عن الشعب السبئي : إن السبئيين يتفوقون على الشعوب الأخرى بالثراء والمفاخر الأخرى ، وبحسب عدد من المؤرخين فإن تعاظم النشاط التجاري البحري للرومان أضر كثيراً باليمنيين الذين كانوا يعتمدون على هذه التجارة ويسيطرون عليها ولا ننسى الإشارة هنا إلى أن الهجرات اليمنية نحو الشمال وتحديداً تزايد عدد اليمنيين في مصر كان يثير مخاوف الرومان بشكل كبير ناهيك عن محاولة كسر تفوق اليمنيين من الناحية التجارية والتي أدت إلى نفوذ سياسي على كافة مناطق شبه الجزيرة العربية وكان ذلك النفوذ يمتد في بعض فترات ما قبل الميلاد حتى فلسطين ومصر وسوريا والعراق وقد ذكر سترابون وبليني أن العرب تكاثروا في مصر تحديداً في الجهة الغربية من البحر الأحمر حتى أنهم شغلوا ما بين البحر الأحمر ونهر النيل في أعالي الصعيد.
وسياسياً فإن التنافس مع فارس على التوسع في المنطقة شجع الإمبراطور أغسطس إلى التحرك العسكري لتحويل البحر الأحمر إلى بحيرة رومانية إضافة إلى تحقيق مجد شخصي لم يسبقه إليه أحد (الإرياني اليمن الخضراء ص 343) إضافة إلى ما كانت تمثله اليمن في تلك الفترة من ثقل في ميزان السياسة الدولية (حنان عيسى جاسم السياسة الرومانية تجاه جنوب الجزيرة العربية مجلة الدراسات التاريخية العدد 17 – يونيو 2013م ص 327)
القائد الذي أخضع كل البلدان عدا اليمن :
يتفق الكثير من المؤرخين على ما وصلت إليه الإمبراطورية الرومانية في عهد أغسطس من توسع وهيمنة وتقدم في كافة المجالات فقد أصبحت في القرن الأول قبل الميلاد قوة عسكرية واقتصادية لها نفوذ في كافة قارات العالم القديم (آسيا وإفريقيا وأوروبا) ويشير أولئك إلى أن أغسطس أعاد قوة الرومان وحقق إنجازات عدة أبرزها السيطرة على مصر في 31ق. م وهو الحدث الذي جعله في نظر المؤرخين الغربيين قديماً وحديثاً فوق غيره ممن مضى وأتى بعده (الشماحي ص 55)وينقل الشماحي ما قاله المؤرخ (مريفال) عن الإمبراطور أغسطس الذي تمكن من إخضاع الكثير من البلدان إلا اليمن : لقد خلق من الفوضى والاختلال الإمبراطورية الرومانية على أسس مكنها من الحياة خمسمائة سنة ، وان هذا أعظم الأعمال السياسية التي أتمها بشر ، فأعمال الإسكندر الأكبر وقيصر شارلمان ونابليون ليست شيئاً بالنسبة إليه ، هذا هو القيصر الروماني الذي بسط حكمه على العالم في وقته ولم يبق خارجاً عن سلطته في إفريقيا وأوروبا وغرب آسيا إلا الجرمان شرق أوروبا وإلا اليمن في أقصى الجنوب الغربي لآسيا.
وبحسب الشماحي فقد كان اليمن في نظر أغسطس أخطر من الجرمان فالجرمان هم من الجنس الآري ومجموعة من برابرة رُحَّل كلما يجيده القرصان واللصوصية ، ليس لهم نظرية يخاف منها أما اليمن فهي ذات الحضارة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهي بقية الدول العربية ومهدها وقلعتها فاليمن إذا هي العروبة والعرب هم العدو الطبيعي للإمبراطورية الرومانية وسلطانها القائم على حساب الحضارة العربية ودولها ، ثم أن اليمن هي الغنية بمواردها الاقتصادية إلى جانب موقعها الإستراتيجي الذي جعلها تتحكم على طرق المواصلات بين الشرق والغرب وتحتكر التجارة كما أنها دائمة الفيضان بالطاقات البشرية إلى ما حولها وإلى العالم (الشماحي ص 55) ولهذا فإن القضاء على اليمن وإخضاعه للنفوذ الروماني الآري تخلص من عدو طبيعي وتأمين لمستقبل العرب وتحصين للإمبراطورية الرومانية (الشماحي ص 55)
اليمن عشية الغزو :
يذهب بعض الباحثين إلى أن الرومان اختاروا وقتاً ملائماً جداً بالنسبة لهم لتنفيذ هدفهم المتمثل في غزو جنوب شبه الجزيرة العربية حيث كانت اليمن تشهد صراعاً بين السبئيين وذي ريدان الذين أصبحوا يعرفون بالحميريين (المفصل ج3 ص 55)ففي القرن الأول قبل الميلاد عصفت باليمن خلافات وصراعات على السلطة فقد كان الريدانيون الحميريون قد ظهروا بالمشهد وتمكنوا من بسط نفوذهم على الكثير من المناطق على حساب سبأ وأصبحت ظفار مقراً لهم ( تاريخ اليمن القديم محمد با فقيه ص 74) فيما مأرب ظلت مقراً للسبئيين التي بدأت تشهد مرحلة الضعف وتمكن الهمدانيون من السيطرة على الحكم فيها ، وشهدت تلك الفترة صراعات بين القوة الرئيسية الثلاث سبأ وذي ريدان وحضرموت غير أن تلك الصراعات لم تؤدِ إلى إضعاف الكيانات اليمنية فقد توسعت حمير ووصلت إلى السواحل وظلت حضرموت تارةً تتحالف مع الريدانيين الحميريين وتارة مع سبأ ،أما على الصعيد التجاري فقد شهدت تلك الفترة تحولاً في مسار الطريق التجاري البري الذي لم يعد يمر من الأراضي السبئية ما أدى إلى انتقال الثقل السياسي من الأودية الشرقية حيث تقع مأرب إلى الهضبة الغربية إلى جانب القيعان والحصون المنيعة والمدن التجارية المرتبطة مباشرة بالبحرين العربي والأحمر (( سليمان الذيب .. الحملة الرومانية الأولى على جنوب شبه الجزيرة العربية دراسة ص 50 )وقد توسع الحميريون في كل اتجاه حتى أصبحوا يسيطرون على مناطق ساحلية وهو ما أشار إليه (بليني) الذي قال إنه سمع من مرافقي حملة ايليوسجاليوس بأن الحميريين أكثر القبائل عدداً ( اليمن والحبشة د علي الاشبط ص 87) وفي تلك الفترة كان الرومان قد بسطوا سيطرتهم على أجزاء واسعة من الشام والعراق وشمال أفريقيا فيما اليمن تكاد تكون البلد الوحيد خارج دائرة النفوذ الروماني(الشماحي اليمن الإنسان والحضارة ص 53).
يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.