وفاة الفنان اليمني محمد مشعجل    خبير في الطقس يتوقع امطار غزيرة على أجزاء من المرتفعات    عدوان صهيوني على مواقع متفرقة تابعة للجيش السوري    منتخب اليمن الأولمبي أمام الإختبار الآسيوي المهم    خبير مالي يكشف عن نزاع بين البنك المركزي بعدن ووزارة المالية    سامحوا المتسبب بموت زوجها وأطفالها الأربعة دون علمها.. امرأة تستغيث بالقبائل    خطبة التسامح والخذلان..حين يوصي الواعظ بالصمود ويخذله الحاكم    10 عمليات يمنية تضربُ العمقَ الصهيونيّ بطائرات لم يُكشَف عنها    الزبيدي يعطي الاهتمام لمصفاة عدن كركيزة هامة للاقتصاد الوطني    حماية الجنوب.. رفض توظيف الدين لأجندات سياسية وحدوية يمنية    فريق القدس يتوج بطلا في ذكرى المولد النبوي الشريف    تفاعل شعبي مبكر.. اليمنيون يحتفلون بذكرى تأسيس الإصلاح وثورة 26 سبتمبر    شرطة تعز توضح بشأن اختفاء عدد من الأطفال والفتيات    مدريد تستدعي سفيرتها لدى إسرائيل وتعلن إجراءات لوقف "الإبادة في غزة"    62 تغريدة صنعائية في حب "التي حوت كل فن": من يبغض صنعاء فإن له معيشةً ضنكًا*    حين يقرأنا النص    اليمن الأولمبي يواجه فيتنام في "نهائي مبكر" لتحديد التأهل    سريع يعلن استهداف مطارين وهدف حساس في فلسطين المحتلة    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل 4 من جنوده شمالي غزة    أمن الضالع يكشف عن 11 جريمة مجهولة    اليمن يودع "سفير الأغنية المهرية" محمد مشعجل    الستر.. أعظم درس في التربية    برعاية وزير الزراعة والري والثروة السمكية كاك بنك يدشن خطتة الاستراتيجسة الخمسية 2029/2025.    رئيس انتقالي لحج يطلع على الأوضاع الاقتصادية والعسكرية في مديرية يافع الحد    اللجنة الاستشارية تناقش مشروع اللائحة التنظيمية للإطار الاستراتيجي للحماية الإجتماعية    تعز.. وكلاء تجاريون في "الحوبان" يهددون بمقاضاة مجموعة هائل سعيد بسبب خسائر بمليارات الريالات    "يوم أسود على إسرائيل".. مقتل 7 مستوطنين في القدس المحتلة    تهديدات تطال الصحافي بكران بسبب مواقفه من أتباع بن حبريش    روسيا تعلن عن لقاح جديد "جاهز للاستخدام" ضد السرطان    الوزير البكري يعزي في وفاة أمين عام ألعاب القوى عبيد عليان    فريق التوجيه والرقابة الرئاسي لشؤون المنسقيات يطلع على احتياجات جامعة أبين    تشييع جثمان الشهيد المقدم لطف الغرسي في صنعاء    خبير مالي يوضح حول اسباب شح السيولة من العملة الوطنية بعد الاجراءات الأخيرة للبنك المركزي بعدن    بهدفي البرواني وجراش على عُمان.. المنتخب اليمني للشباب يضرب موعداً في النهائي لملاقاة السعودية الخميس القادم في كأس الخليج العربي    الإسباني كارلوس ألكاراز يحرز بطولة أمريكا المفتوحة للتنس للمرة الثانية    طفل يقود مركبة يدهس طفة في مارب    تعز.. حملة ميدانية لإغلاق شركات الأدوية المخالفة للتسعيرة الجديدة    طنين الأذن .. متى يستدعي القلق؟    اكتشاف عجائب أثرية في تركيا    الذهب يستقرقرب أعلى مستوى قياسي    عدن .. قضاة وموظفون يرفعون الإضراب ويعلنون عن اتفاق يعالج مطالبهم    الجاوي: اليمن لن يُحكم بعقلية الغلبة ومنطق الإقصاء    ناشطة تحذر من توسع ظاهرة اختطاف الأطفال وتدعو الجهات المعنية لتحمل مسؤولياتها    العلامة مفتاح يزور وزارات العدل والخارجية والثقافة ويشيد بإسهامات وزرائها الشهداء    الحارس وضاح أنور يستحق الثناء والمديح    رئيس الوزراء يشيد بإنجاز منتخب الشباب ويؤكد: أنتم فخر اليمن وأملها المشرق    النعيمي يؤكد أهمية استكمال السياسات الزراعية ويشيد بإسهامات الشهيد الدكتور الرباعي    بحشود ايمانية محمدية غير مسبوقة لم تتسع لها الساحات ..يمن الايمان والحكمة يبهر العالم بمشاهد التعظيم والمحبة والمدد والنصرة    دائرة الشباب في الإصلاح تهنئ المنتخب الوطني للشباب بتأهله إلى نهائي كأس الخليج    يوم محمدي    كتاب قواعد الملازم.. وثائق عرفية وقبلية من برط اليمن " بول دريش جامعة أكسفورد" (12)    بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف 1447ه .. بريد منطقة الحديدة يكرم عدداً من كوادره المتميزين    وفيكم رسول الله    مرض الفشل الكلوي (20)    اكتشاف تأثير خطير لمرض السكري على القلب    للمعاندين: هل احتفل الصحابة بالمولد بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام    حلاوة المولد والافتراء على الله    مدينة الحب والسلام (تعز)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مرايا الوحي: المحاضرة الرمضانية (4) للسيد القائد 1446
نشر في 26 سبتمبر يوم 05 - 03 - 2025

نت : مراد شلي .. مرايا الوحي: حكايات المحاضرات الرمضانية للسيد القائد (تجسيد المحاضرات الرمضانية ك"مرايا" تعكس أنوار المعرفة الإلهية بطريقة السرد الروائي)
(المحاضرة الرمضانية الرابعة)
" استدراك "
ستظل شخصيات الدكتور أحمد ونجليه صلاح ومُنير تتواجد في جزئية محاضرات القصص القرآنية؛ لاتساقها مع موضوع المحاضرة وعدم تشتيت انتباه القارئ.
"الدكتور أحمد أستاذ الفقه المقارن في كلية العلوم الإسلامية بجامعة الجزائر.
أما نَجَلاه صلاح ومُنير، فيدرسان في كلية الطب بالجامعة ذاتها."
يفرغ مُنير من صلاة التراويح في مسجد الحي المجاور لمنزلهم، فيلتفت بيمينه تجاه شقيقه صلاح، ويتحدث معه مُستعجِلًا إيّاه للعودة إلى المنزل للاستماع إلى محاضرة السيد الرمضانية الرابعة.
يعودان إلى المنزل، فيجدان والدهما بانتظارهما في غرفة المعيشة يشاهد قناة المسيرة.
يُلقيان عليه التحية، ثم يسأل مُنير والده:
– تُرى، ما هي الاضاءات التنويرية التي سيقدمها السيد عبدالملك في محاضرة الليلة ضمن قصة سيدنا ابراهيم عليه السلام ؟
يبتسم والده ويُجيبه:
– لا تستعجل يا مُنير، ستبدأ المحاضرة الآن وسنعرف.
ومع نهاية إجابته، انطلقت محاضرة السيد القائد للتو :-
في بداية قصة نبي الله وخليله ورسوله إبراهيم عليه السلام، تحدثنا عن المسيرة البشرية، وما اعتراها من مخالفات وانحرافات كبيرة جداً، وصلت إلى مستوى الشرك بالله سبحانه وتعالى،
أبا البشر الذي هو آدم عليه السلام هو نبيٌ بنفسه، نبيٌ من أنبياء الله سبحانه وتعالى، حظي من الله بالهداية، وآتاه الوحي الإلهي، والتعليمات الإلهية، وبالتالي لم تكن المسألة في واقع البشر أن الأساس هو الانحراف،
الذي هو طارئٌ على حياة المجتمع البشري، وشاذٌ في مسيرة حياتهم، ومخالف للمسار الصحيح الطبيعي الفطري، هو: الانحراف عن نهج الله ورسالته
فهذه مسألة مهمة؛ لأن الكثير من الكُتَّاب، والأسلوب في المجتمع الغربي في الأبحاث والدراسات، يصوّر الحالة وكأن المجتمع البشري كان منذ البداية مجتمعاً بدائياً في دينه، بدائياً في مسألة الدين إلى درجة الجهل التام بالله، وإلى درجة التنكر التام لمبدأ التوحيد،
فهذه مسألة جوهرية في هذا الموضوع، وفي نفس الوقت يجب أن ندرك أن المجتمع البشري كانت كله خسارته، ناتجةً عن المخالفة للرسل والأنبياء، وعن الانحراف عن نهج الله سبحانه وتعالى، وهكذا هي المسألة على امتداد الزمن، كلما وجدنا حالة الانحراف في المجتمعات البشرية، والأفكار المِعْوَجَّة، والضلال بكل أشكاله، والاتِّباع للباطل، والتمسك بالخرافات
- يعقب الدكتور احمد محدثاً نجليه : بالفعل هذه النقطة التي اشار لها السيد عبدالملك في مستهل محاضرات نقطة غاية في الاهمية خاصة للكٌتاب والباحثين انهم صوروا المجتمع بدائياً في دينه
مسألة التوحيد، المبدأ العظيم، كذلك هو ليس مجرد مبدأ يتحول إلى معتقد يعبِّر عنه الإنسان بكلمة، مثلاً: (أشهد أنْ لا إله إلا الله) وانتهى الأمر، أو تلحق به كذلك شعائر دينية محدودة- مثلاً- في المساجد، أو شعائر متنوعة .
فالمسألة في مبدأ التوحيد لله هو مبدأٌ يبنى عليه نهجٌ عظيمٌ لمسيرة الحياة، ولذلك فالخطأ عندما يُجَمَّد هذا المبدأ، وتكون هناك تصورات أنه يكفي مع هذا المبدأ العظيم الإقرار به، التعبير عن هذا الإقرار بالشهادة، شعائر دينية محدودة؛ ثم يتَّجه الإنسان في مسيرة حياته بعيداً عن ذلك، ليُعَبِّد نفسه لغير الله، هذه حالة انحراف، وعدم استيعاب لهذا المبدأ العظيم: مبدأ التوحيد لله.
إيماننا بأنه لا إله إلا الله، وأنه وحده الإله، وأن علينا أن نتَّجه بالعبادة له وحده، هذا يعني العبادة بمفهومها الشامل، بمفهومها الكامل، في التزامنا في مسيرة الحياة بنهجه، بتعليماته، بالطاعة المطلقة له سبحانه وتعالى
ولهذا يقول الله جل شأنه عن هذه المسألة: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ}[النحل:2]، هكذا هي الثمرة: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ}، الله يخاطبنا هكذا، فييبنى على ذلك التقوى لله سبحانه وتعالى، في آيات أخرى يؤكِّد على العبادة كذلك، على الرهبة، على بقية ما يرتبط بهذا المبدأ المهم والعظيم.
- ايضاً يا ولديّ هذه نقطة غاية في الاهمية وهي توضيح السيد عبدالملك لمسألة التوحيد والخبر من وتحويلها لشعيرة دينية محدودة موضحاً ماهية التوحيد بالمفهوم الايماني
الإنسان إذا لم يتَّجه الاتِّجاه الصحيح، فهو ينحرف بهذه الفطرة في الاتِّجاه الخاطئ، يعني يُعبِّر عن عبوديته لغير الله تعالى، وهذا ما حصل في واقع المشركين،
ولكن مع إقرارهم بالله كانوا يعتقدون أن هناك شركاء، يشركونهم مع الله في الألوهية، يعتبرونهم آلهة مع الله، ثم يتَّجهون بعبادتهم إليهم، يطلبون منهم النصر، يطلبون منهم مطلب العبودية، يعني: يعتبرونهم آلهة، يقدرون على أن يمنحوهم ذلك، يتقرَّبون إليهم بالقرابين، يؤدُّون لهم طقوساً معينة وشعائر معينة، كما قال الله عنهم: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا}[مريم:81]، قال أيضاً: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ}[يس: 74-75]،
لأنهم يدركون في عمق فطرتهم أن كل أولئك الذين يعتقدونهم آلهة، ويتقربون إليهم كآلهة، لا يملكون لهم ضراً ولا نفعاً، ولا يتمكنون من أن يفعلوا لهم شيئاً، فيدعون الله وحده، هنا عادوا إلى الفطرة، عندما كانوا فيه حالة أزمة شديدة وخطر كبير، يقول الله عنهم: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[لقمان:32]، فهم كانوا يعودون إلى الفطرة.
- انها جزئية مهمة وهي حالة الانحراف التي تطغى على من اقروا بالله يعتقدون ان هنالك شركاء مع الله ومع تزايد هذه الحالة كما اوضحها السيد عبدالملك وعند اي ازمة سيدعون الله وحده .
فالانحراف في حالة الشرك، الانحراف عن نهج الله بكله، وصولاً إلى هذا المستوى، كما قلنا: الباطل يزداد، الظلال ينمو، فيصل الإنسان في معتقداته، في أفكاره، إلى مستوى فظيع جداً وسيء للغاية؛ لأنه ابتعد عن قنوات الهداية، وعن مصدر الهداة، فكلما ابتعد أكثر؛ ظل أكثر في تصوراته، معتقداته، أفكاره، يتحول إلى ظلاميٍ، ظلاميٍ بكل ما تعنيه الكلمة.
ما وراء هذا الانحراف الكبير في مسألة الشرك هو: عدم الإيمان، أو نسيان المبدأ المهم، الذي هو: الكمال المطلق، مبدأ الكمال المطلق أنه هو المبدأ الأساس في مسألة الألوهية، وإنما سوى الله سبحانه وتعالى ناقصٌ، عاجزٌ، مخلوقٌ، مُدبرٌ، في إطار تدبير الله سبحانه وتعالى، وأن الله وحده هو الخالق، هو رب العالمين،
هذه المسألة مسألة مهمة جداً، يعني كان تقبُّل المشركين لأن يعتقدوا في غير الله أنه آلهة، هو بغفلتهم عن هذا المبدأ، مع أنه مبدأٌ فطري؛ ولذلك وصل بهم الحال إلى أن يتَّجهوا في أن يؤلِّهوا من هو حتى دون مستواهم كبشر، من مثل حالة الأصنام؛ لأنهم نسوا هذا المبدأ، فاتَّجهوا إلى الكائنات، أو الجمادات، أو مخلوقات، حالها حالهم، في افتقارها إلى الله، في عجزها، في ضعفها، في عبوديتها لله سبحانه وتعالى، وهذه هي المسألة الخطيرة جداً، الإشكالية الكبيرة، التي كانت مؤثِّرةً في مستوى تقبّلهم وانحرافهم إلى هذه الدرجة.
- بالفعل يا ولدىّ هذه اشكالية خطيرة للغاية وقد اوضح السيد عبدالملك الانحراف في حالة الشرك واسباب هذا الانحراف .
عندما نعود إلى نبي الله إبراهيم عليه السلام، قلنا بالأمس: أن البيئة التي نشأ فيها، والمجتمع الذي نشأ فيه، كان قد سيطر عليه الضلال والانحراف والشرك إلى حدٍ كبير، إلى درجة محيطه الأسري، فيما يتعلق بأبيه (أبيه آزر)، سواءً على مستوى ما يقوله البعض من المفسرين والمؤرخين بأن المقصود عمه، أو غير ذلك، أو أنه الأب نفسه (والده).
وسعى مع أبيه آزر لإقناعه، لهدايته، لاستنقاذه من هذا الظلال الرهيب جداً، يقول الله تعالى في القرآن الكريم: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}
نلاحظ في هذا السؤال، الذي هو سؤال توبيخ واستنكار: {أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً}، مستوى الانحطاط والتخلف الفكري والثقافي، لدى المجتمعات والشعوب التي وصلت إلى هذه الحالة، إلى أن تتَّخذ من الأصنام، ما هي الأصنام؟ هي التماثيل المنحوتة بأشكال معينة، سواءً من الحجارة، البعض ينحتونها من الصخور، أو من الأخشاب،
وصل الحال ببعضهم أن كانوا يصنعونها من العجين والتمر، فيما إذا دهمتهم أزمة شديدة، وحصل لهم مجاعة، يقومون بأكلها بدلاً من عبادتها، هذه الحالة من التخلف والانحطاط الكبير انتشرت في مجتمعات كثيرة، وعلى مدى عصور كثيرة، ولا زالت في عصرنا هذا، بالرغم من كل التقدم في هذا العصر، عصر الفضاء، والتكنولوجيا، والأقمار الصناعية... وبقية الأشياء، من نفس تلك المجتمعات لا يزال هناك من هم في هذا المستوى من التخلف والانحطاط الفكري،
في الواقع العربي في الجاهلية، في حالة السفر، عندما يكونون مسافرين، وابتعدوا في أسفارهم عن أصنامهم التي هي في بلدانهم، فهم بحاجة إلى إله سفري، إلى صنم يعني مع حاجة السفر في ظروف السفر، يصلون إلى وادٍ معين، أو إلى منطقة مُقفرة، يبحثون عن أي صخرة تختلف عن بقية الصخور، صخرة ملساء مثلاً، أو لها شكل ملفت، ثم يقومون بالطواف عليها، والعبادة لها، والتقرب إليها،
أو يذبحون لها، ويقدمون لها القرابين، ثم يتضرعون إليها،
هذا التوبيخ الذي وجَّهه نبي الله إبراهيم، والاستنكار في خطابه لأبيه آزر: {أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً}؛ لأن المسألة في بطلانها في منتهى الوضوح، باطل واضح يعني، كيف تنحت صخرةً، أو خشبةً، أو عوداً، أو أي شيءٍ آخر، أو تصنع أنت، أنت تصنع من مواد معينة ما تعتقده إلهاً لك، وتعتقد نفسك عبداً له، ثم تطلب منه كل شيء: تريد أن ينصرك، أن يحفظك، أن يرزقك، أن يعينك، وقد يتغير الحال، وتستبدله بصنم آخر أو حالة أخرى.
- ها قد اوضح السيد عبدالملك البيئة التي نشأ فيها سيدنا ابراهيم عليه السلام مبيناً حالات الفكر الضال التي اوصلت المجتمعات لعبادة ما يصنعون منذ بداية الخلق وحتى المجتمعات الحالية وكذا عصر العرب الجاهلي .
الحالة التي تصل بالبعض من الناس، على مستوى أمم والشعوب، إلى هذا المستوى من الانحطاط والتخلف الفكري هي ماذا؟ هي الضلال والمضلون، والابتعاد عن الهدى والهداة، فهذه نتيجة لهذا، ولهذا قال نبي الله إبراهيم عليه السلام: {إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}،
الضلال هو الذي يصل بالناس إلى أن يتقبلوا أي باطل، مهما كان سخيفاً وسيئاً، ومهما كان فظيعاً، فظيعاً جداً، يعني: فيه تَنَكُّر لحق عظيم، لحق مهم، لمبادئ عظيمة ومقدسة؛ لأن هذا الظلال الذي يصل بالناس إلى الشرك بالله، هو مع سخافته، ومع وضوح بطلانه، هو تنكر لأعظم مبدأ، وهو مبدأ: أن الله وحده الذي هو ربُّ العالمين، وخالق السماوات والأراضين، والمالك كل شيء
حالة الضلال هي التي تهيئ الإنسان لتقبّل الباطل، لتقبّل السخافات، لتقبّل أي شيء مهما كان سيئًا جدًا؛ ولهذا يأتي في القرآن الكريم التحذير الواسع من الضلال والمضلين، الذين ينحرفون بالناس، ويجعلونهم يتقبلون أفكاراً خاطئة، تصورات خاطئة، مفاهيم خاطئة وسخيفة، وتتحول إلى دين يتدينون به، ولهذا عندما نتأمل في هذه المسألة، وهي مسألة مهمة؛ لأن تأثيرها في واقع البشر كبيرٌ جداً، فهناك فئة المضلين، الذين لهم الدور.
- يعقب صلاح قائلاً بالفعل هذه مسألة مهمة للغاية التي اوضحها السيد عبدالملك وهي حالة الضلال وكيف تحول الناس لتقبل الباطل.
في مجتمع نبي الله إبراهيم عليه السلام، كان هناك سلطة ظالمة، على رأسها طاغٍ متكبر، وصل به الطغيان إلى أن يدَّعي لنفسه الربوبية، هذه واحدة.
ثم هناك أيضاً معه فئة نافذة في المجتمع، أصبح لها تأثير في المجتمع، وأصبح المجتمع مرتبطاً بها، وبناء على هذه الروابط تريد أن تحافظ على ذلك الوضع؛ لأنها تستغله هو في التأثير على البقية.
هناك فئة مستفيدة على المستوى المعنوي والمادي، مثل: منتجي الأصنام، الذين يصنعونها، ويبيعونها بأثمان غالية، سعر الإله حقهم سعر غالي يعني، وإذا كان بشكل معيَّن ي يرفعون السعر، فئة مستفيدة.
كهنة المعابد أيضاً، كهنة المعابد الذين هم من يستفيد مما يقدَّم من نذورات، وقرابين، ومأكولات، لتلك التي يسمونها بالآلهة... وهكذا.
تلك الفئة لأنها مستفيدة؛ تُصِرّ على ترسيخ ذلك، ثم في واقع الناس يرسخون هالة من الأساطير المعينة عنها، [أنها فعلاً فلان قدَّم لها قرابين وشفي مريضه، وفلان قدَّم قرابين وعاد قريبه الذي كان مسافراً بسلام، وفلان كذا...]، أساطير تحاكي حولها، [وفلان لم يُقدِّم لها القرابين الجيدة فحصل له مصيبة...]
- يتحدث الدكتور احمد كيف لخص السيد عبدالملك مجتمع نبي الله ابراهيم عليه السلام من سلطة ظالمة على رأسها طاغٍ متكبر وقسم المجتمع لثلاث فئات .
من أخطر أنواع الظلال: ما يُقدَّم ديناً، يعني: الضلال واسع: ضلال في أفكار الناس، في تصوراتهم، في مفاهيمهم، التي هي بعيدة عن الهدى، وعن قنوات الهداية ومصدر الهداية، ولكن عندما يكون هناك- مثلاً- ما هو باسم معتقدات دينية، ما هو باسم دين، وهو من الضلال، ليس من دين الله الحق، فالمسألة خطيرة جداً، أكثر خطورة؛ لأن الناس في مسألة التدين والالتزام الديني، ولاسيَّما البعض منهم، يعني التدين عندهم قويٌ جداً، إن تدين بالباطل، كان شديداً؛ وإن تدين بالحق، كان قوي الالتزام ومتمسكاً، ما يتحول إلى معتقدات دينية، وهو من الضلال، يصبح الكثير من الذين يؤمنون به، يعتنقونه، يتقبلونه، يقتنعون به، أكثر التزاماً وتمسكاً، وأشد تشبثاً به، ويصعب إقناعهم عن تركه، ويتعصبون له بشدة، وهذا ما حصل في معتقدات المشركين، كانوا يتعصبون جداً لأصنامهم، إلى درجة أن يقاتلوا من أجلها، وأن يعادوا من يعترض على عبادتهم لها،
حتى العرب في جاهليتهم، مع اهتمامهم بمسألة الأبناء الذكور، في صراعاتهم وموقفهم في الجاهلية المعروف من الإناث، معروفٌ جداً، {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ}[النحل:58]، قد يكون له ابن عزيزٌ عليه جداً، من شدة معزة ابنه عليه، يرى أنه أحسن قربان يقدِّمه لتلك الخشبة التي يعتقدها إلهاً، ذلك الصنم الذي هو إمَّا من صخر، أو من عود... أو غير ذلك، يذهب بابنه، يأخذ السكين ويذبح، قرباناً لذلك الصنم؛ لهذا قال الله: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}[الأنعام:140]، يصل بهم الحال إلى هذا المستوى، {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ}[الأنعام:137]،
يحكي لنا القرآن الكريم عن مدى تشبثهم، عصبيتهم، في قوله تعالى: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ}[ص:6]، يقولون على رسول الله: {إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا}[الفرقان:42]، يعني: يصل بهم الحال إلى أنه يغضب لصنمي أكثر مما تغضب أنت كمسلم من أجل الله، من أجل دينك، من أجل مقدساتك، إذا لم يكن انتماؤك الإيماني قوياً، هذا هو بسبب الضلال؛ ولهذا قال إبراهيم "عليه السلام": {إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.
- انتهت المحاضرة وبدا على محيا ثلاثتهم الارتياح والاعجاب لما سمعوه من اضاءات تنويرية في محاضرة اليوم .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.