يبدو أن علماءنا ومثقفينا الأجلاء قد نسوا أو تناسوا في زخم الأحداث الراهنة، وما يحدث في دول المنطقة من تشظٍ وصراعاتٍ وخلافاتٍ أدت الى بروز قضايا متشابكة قد تنعكس آثارها الكارثية على كافة دول المنطقة، بل على العالم في حالة عدم معالجتها ومناقشتها برؤى فاحصة، وعقلانية حصيفة بعيداً عن الصراعات المذهبية والجهوية والحزبية والأيديولوجية.. فالمشهد السياسي العربية والإسلامي يمر بمرحلة حساسة، وغاية في الخطورة، عربياً وإقليمياً ودولياً.. هذا التجاهل أو الصمت قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، ونتائج كارثية قد تحرق الأخضر واليابس، وقد يفرض واقعاً مؤلماً وفادحاً قد يمتد من المحيط إلى الخليج، وما وراء المحيط.. وفي ظل غياب ودور العلماء والنخب المثقفة عما يحدث في بلدانهم، وبلاد غيرهم، إيماناً منهم والتزاماً بمسؤوليتهم الأخلاقية والوطنية والإنسانية تجاه إخوانهم في تلك الدول التي ترفع شعار العقيدة الإسلامية، وتذود عن أرضها وعرضها وشرفها وكرامتها، وقد تابعنا في غضون الأيام الماضية ما قام به المثقفون والنخب المثقفة غير العرب في كثيرٍ من دول العالم بالرغم عن اختلاف معتقداتهم وأفكارهم ومشاربهم بالتنديد ضد الكيان الصهيوني، والأمريكي في فلسطينوغزة، والعدوان الأمريكي على اليمن دون مبرر، وتحت ذرائع واهية، وإدعاءات مفبركة، لكسر ذراع اليمن عما يحدث في غزة، غير مبالين بمواثيق دولية وقوانين أممية، ومبادئ وشرائع إنسانية، ضاربين بها عرض الحائط.. والشيء المؤسف أن معظم علمائنا ومثقفينا في سبات عميق، وكأن الأمر لا يعنيهم، في حين أن دول المنطقة مهددة بالسقوط والانهيار بسبب السياسة الصهيوأمريكية الرعناء، والهيمنة الأحادية التي تفرضها سياسة ترمب المأفونة.. فالعالم العربي والإسلامي اليوم مهدد بالتمزق والانقسام والانكماش إن لم يتفاعل ويقف معه كل علمائه ومثقفيه ونخبه السياسية وأحرار العالم، لابد من التفاعل والحراك الفكري والسياسي والثقافي مع تلك القضايا والأزمات قبل فوات الأوان، فالانكفاء والتقوقع على الذات قد يؤدي إلى نتائج كارثية، ويفتح باباً من الصراعات الدموية يهلك الحرث والنسل.. المؤسف المشين أن معظم علمائنا ومثقفينا في عالمنا العربي والإسلامي لا يحركون ساكناً تجاه قضايا أمتهم وشعوبهم، بل كأنهم يعيشون في عالم آخر، وفي زمنٍ غير زمنهم، وهذا يعتبر نوعاً من الهروب أو التجاهل المتعمد بسبب الانتماءات الفكرية والمذهبية والسياسية والأيديولوجية، وهذا قمة السقوط الأخلاقي والإنساني والثقافي والحضاري، ومدى فهمهم القاصر تجاه الهوية والعلاقة العقدية، والمبادئ الأخلاقية والإنسانية بالآخر.. صفوة القول: تمر الأمة اليوم من أقصاها إلى أدناها بمرحلة تاريخية مهمة تكون أو لا تكون، بالرغم أن مثقفيها ونخبها السياسية مصابون بالنرجسية والانفصام والشعور بالاغتراب، وهذا هو ما عطل مسيرة النهضة الثقافية والحضارية في كثيرٍ من دول المنطقة.. ومن هنا نشأت ثقافة الإقصاء وسياسة "خليك في البيت".. وإلغاء الآخر أياً كان انتماؤه أو فكره.. المعضلة الكبرى أن تاريخنا السياسي مليء بالمشاحنات والمناكفات الفكرية والمذهبية والسياسية والعرقية، ومازالت للأسف جاثمةً على عقولنا ومعتقداتنا حتى تاه وسط بحارها معظم مثقفينا وسياسيينا وأكاديميينا حتى حدث انفصام قاد الأمة إلى ثورات وصراعات تدفع ثمنها الأجيال القادمة.. لكن ما أقصده هنا هو تلك اللحظة التي ينسلخ فيها المثقفون عن محيطهم المجتمعي والعائلي الكابح، ويغوص في بحار الأمواج المتلاطمة دون جدوى.. يبدو أن معظم شعوبنا العربية والإسلامية فاقدة لروح السلام الداخلي، وهذا نتاج الضغوطات النفسية والاجتماعية التي تعيشها تلك المجتمعات.. من هنا ندرك أن هناك عقولاً مازالت تحمل أفكاراً مناهضة، وثقافة إقصاء الآخر، بأنهم هم المبدعون الموهوبون وسواهم ما دون ذلك، وهذا ما تعيشه معظم المجتمعات الإرستقراطية المرفهة، ولعل هذا هو سبب سقوط الكثير من المجتمعات في مستنقع "الأنا" الذي يقود إلى مشارف الانزلاق نحو الذات المستلبة المقهورة.. قرأنا الكثير من مثقفي وأكاديميي وسياسيي غير عرب، وغير مسلمين ينددون بالعدوان الإسرائيلي الهمجي على غزة، ولم نسمع بياناً واحداً من مثقفي أو أكاديميي العالم العربي والإسلامي إلا ما ندر، والنادر لا حكم له.. أين المتاجرون بالدين لم نسمع لهم إلا همسا.. يا عيباه.. يا عيباه..!!. ومضات شعرية: الحبر العربي اليوم.. مسكون بشياطين العمالة.. هل لي أن أسألك أيتها الشياطين: من يسكنك من؟!.. الطوفان قادم شئنا أم أبينا.. لابد من غسل درن الأرض.. في زمن الصمت العربي المخزي.. في مرايا الزمن وحيوات الماضي.. تفوق الشعوب والأمم.. وقد تتوقف عن الدوران.. رغم الوهم القديم للسراب.. نتقاسم الأحلام.. ولكن عن عبور العابرين.. تفترش الأرض بالقتلى والأنين.. ويبقى حلم الشعوب.. كسرة خبز ولحاف..!!.