يصادف اليوم الخميس الحادي عشر من سبتمبر 2008 مرور نحو 2000 يوم على الاحتلال الأمريكي للعراق ، والذي شهد أعمال قتل وتدمير وعنف لم يعرف التاريخ المعاصر لها مثل وتكبد العراق منذ التاسع من أبريل 2003 حتّى اليوم، وعلى امتداد 65 شهراً و20 يوماً بالتحديد، ما لا يقل عن مليون قتيل ، فيما هُجّر نحو 4 ملايين آخرين، وعاش العراقيون حياة مليئة بالرعب والفقر والظلام وتدني مستوى الخدمات والقتل على الهوية الطائفية. واستطاع الغزو الأمريكي الذي شنته الإدارة الأمريكية بزعم تحرير العراق من نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ، تحطيم بلداً كان يتمتع بامكانات مادية وبشرية هائلة ، كما تدمرت بناه التحتية , وبات العراق ايضا على شفاة حرب أهلية بسبب الانقسامات السياسية والطائفية والعرقية ، نتيجة تنصيب حاكم أمريكي عليه هو بول بريمر الذي أصدر أو نفّذ حسب بعض المحللين قرارات خطيرة أدخلت العراق في دوامة الانقسامات , وأدّت الأحداث التي تلت تفجير قبة الإمامين العسكرييّن في سامراء في فبراير/ شباط 2006 إلى عمليات تهجير للعراقيين تُعدّ الأكبر منذ أزمة اللاجئين الفلسطينيين التي أعقبت قيام دولة إسرائيل عام 1948، بحسب تقارير الأممالمتحدة. ويعاني نحو 4 ملايين عراقي نازح ومهجّر من ظروف معيشية صعبة، وسط عجز واضح لأجهزة الدولة عن وضع حلول جذرية للمشكلة في ظل فساد إداري ومالي لم يسبق أن عرفته البلاد. ولم تكن الخدمات في العراق احسن حالا ، فقد ادى الغزو إلى هجرة وهروب الكفاءات العلمية والإدارية وغيرها الى خارج العراق، فتدهورت الخدمات حتى إشعار آخر , فالمواطن العراقي يعاني أزمات الكهرباء ، حيث لم يتم إنشاء محطة كهرباء رئيسية واحدة منذ عام 2003 بدعوى عدم استقرار الوضع الأمني ، فضلا عن أزمة مياة الشرب والوقود والمجاري والبطالة والسكن وغيرها , وينطبق هذا الوضع على مصافي النفط، إذ أصبح العراق، وللمرة الاولى في تاريخه، يستورد المشتقات النفطية بمليارات الدولارات سنوياً، بدل إنشاء مصافٍ، وهو الذي يقبع على ثاني احتياطي للنفط (بعد السعودية) على وجه الارض. وكانت العراق استطاع خلال حقبة صدام التعافي من من الأمراض والأوبئة التي كانت مستوطنة فيه في تاريخه القديم، إلا إنها عادت وبقوة، وخصوصاً وباء الكوليرا الذي اجتاحه من الشمال وحتى الجنوب مروراً بعاصمة الرشيد، بسبب مياه الشفة الملوثة وضعف الخدمات والفقر، إضافة إلى أمراض أخرى ظنّ العراقيون أنّها ذهبت إلى غير رجعة، كالسل و"حبة بغداد". ويقول تقرير أصدرته اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن العديد من العراقيين يفتقرون إلى أبسط مقومات الحياة، من مياه وخدمات صحية وصرف صحي، وأن الوضع الإنساني في العراق يعدّ من بين الأسوأ في العالم. وعلى الصعيد السياسي، فإن العملية السياسية التي وضع الأمريكيون أسسها وأداروها على قاعدة المحاصصة الطائفية والعرقية، دخلت مرحلة تضارب المصالح الحزبية والقومية واستغلال ما يعتقده البعض ضعف الحكومة المركزية. وأثارت مطالبة قيادات الأحزاب الكردية بضم مناطق في محافظات ديالى ونينوى وصلاح الدين ومن ضمنها خانقين، إلى إقليم كردستان، حفيظة الأطراف السياسية الأخرى. ووصل الأمر بتلك القيادات إلى الاعتراض على دخول الجيش العراقي إلى مناطق خارج الإقليم تقع تحت سيطرة قوات "البشمركة" وقوات الأمن الكردية "الأسايش"، بحجة عدم أخذ الإذن من حكومة الإقليم. وأمام هذا الوضع المتردي تلهث إدارة بوش لفرض اتفاقية يقول الكثير من السياسيين إنّ ظاهرها تنظيم الوجود العسكري الأمريكي في البلاد، أما باطنها فهو استمرار السيطرة الفعلية على العراق عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، ولكن بعنوان جديد.