تقف فاتورة النفط الذي ارتفع سعر برميله إلى ستين دولاراً‚ شاهدا متهكماً على عالم يدعي أنه يريد أن ينقذ إفريقيا من الفقر‚ بينما يقف عاجزا عن احتواء الضرر الكبير الذي تلحقه تلك الأسعار بالدول الغنية المدعوة لتصدّر قائمة «المنقذين»‚ لكن الصدارة ليست للدول الغنية‚ وليست بالتأكيد لدول «الصفوة» المعروفة باسم «الثماني الصناعية» التي سيلتقي قادتها في أدنبرة باسكتلندا يوم الأربعاء وراء سياج من الصلب طوله «8» كيلومترات يحيط بفندق ضخم‚ لمناقشة التدني المذهل في مداخيل الفقراء والارتفاع المرعب في حرارة الأرض‚ هم ليسوا المتصدرين بل المتهمون‚ ولذلك يلتقون خلف ذلك الجدار العنصري لا لإرادة صادقة وجادة في إنقاذ افريقيا‚ ولا لإجبار الولاياتالمتحدة على احترام الرغبة العالمية الجماعية بوقف تلويثها المدمر لطبقة الأوزون‚ ولكن لأن أنياب الفقر تلامس لحومهم‚ ولأن طبول وأبواق «160» فرقة فنية وأصوات مئات من مشاهير الموسيقى والغناء تلاحقهم كما تلاحق الكوابيس المذنبين والخطائين‚ تكمن المفارقة الأكثر مدعاة للألم في أن المليارات الثلاثة من البشر الذين شاهدوا أو سمعوا «أناشيد الفقراء» وهي تخترق الفضاءات‚ ليس بينهم كثير من الأفارقة‚ ذلك أن السمفونيات الراقية لن تجد لها صدى في الصحارى القاحلة‚ حيث يختلط الدم بالعرق‚‚ والجوع برجفات الموت‚ وحتى عندما فاجأ المنظمون جمهرة في «هايدبارك» بلندن بفيلم لطفلة قذف بها الجوع إلى النزعات الأخيرة‚ فإن صوت حشرجاتها وحشرجات الملايين ممن قضوا على مر العقود في القارة السوداء‚ لن تفلح في محو آثار استغلال بشع لشعوب تلك القارة مارسه بلا هوادة آباء واجداد الذين يزعمون اليوم أنهم سيردون الدين‚ ولكن هل هذا دين يمكن سداده‚ وهل الصفقة التاريخية التي يدعون أنهم يسعون من خلالها إلى إنقاذ القارة قابلة للتنفيذ؟ ومن هم المستعدون من أحفاد المستعمرين‚ لإعادة ولو جزء يسير مما نهبوه من خيرات إفريقيا ونعمت به أجيالهم قرناً وراء قرن؟ تقول الأرقام إن ديون إفريقيا تبلغ «272» مليار دولار منها «90» مليارا للبنك الدولي وصندوق النقد‚ وأكثر الناس تفاؤلا لا يحلمون بحل جذري وإنما بمجرد ترقيعات أو مسكنات‚ كل شيء يُسَكِّنونه على قاعدة «سكِّنْ تسلم»‚ لكن الجياع يتكاثرون‚‚ وقد يأكلون كل شيء‚‚ وأي شيء‚ والأطفال الأفارقة الذين يموت واحد منهم كل ثلاث ثوان لانعدام الطعام والدواء‚ له أهل يحزنون ويحقدون‚ ولا يفيدهم الكلام المتعاطف مع قضيتهم حتى النافد منه إلى الأعماق‚ «لا نريد مالكم‚ لا نريد أنصاف الحلول‚ بل إجراءات فعلية تنهي الفقر وتسمح للعالم بأكمله باقتسام خيرات الأرض»‚ كانت هذه رسالة منظمي الاحتجاج على الفقر‚ إلى قمة أدنبرة‚ فالعالم المقسم بين أغنياء يَستغلون وفقراء يُستغلون لا يمكن أن يكون عالما تسوده العدالة‚ المصدر"الوطن - قطر"