في ظل الانهيار المتسارع الذي تعيشه العاصمة المؤقتة عدن، لا يبدو أن هناك أفقًا قريبًا للحل، بل إن المشهد يزداد تعقيدًا يوماً بعد يوم، وسط صمت دولي مريب، وحكومة شرعية مفرغة من مضمونها، تُدار من الخارج لصالح أجندات لا علاقة لها بالشعب اليمني ولا بمطالبه المشروعة. معلومات خاصة حصلت عليها من مسؤول رفيع في عدن كشفت عن وجود عناصر قيادية تنتمي لتنظيمات إخوانية وأخرى مرتبطة بالحوثيين داخل عدن، وهي عناصر تُحرك المشهد من خلف الستار، ضمن مخطط خطير يُدار من جهات عليا، يُراد من خلاله إبقاء الجنوب في حالة إنهاك دائم، اقتصاديًا وخدماتيًا، تمهيدًا لتركيعه أو تفكيكه من الداخل.
العملة تواصل السقوط، والأسعار تحلق بشكل غير مسبوق، والمرتبات متوقفة، والخدمات تكاد تكون معدومة... ومع ذلك، يخرج علينا رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي بتصريحات "مكررة ومفرغة"، وكأنه ينفذ توجيهات خارجية تحت مظلة الشرعية الدولية، لا تهمها معاناة المواطن بقدر ما يهمها بقاء الورقة اليمنية بيد اللاعبين الإقليميين والدوليين.
المؤامرة ليست فقط داخلية، بل جزء من لعبة إقليمية كبرى. فالوضع في المنطقة لا يمكن فصله عن مشهد اليمن. الحرب المتصاعدة بين إيران وإسرائيل، والتصريحات الحوثية الأخيرة عن استئناف استهداف السفن في البحر الأحمر، كلها تُظهر أن الملف اليمني، وخصوصًا الجنوبي، أصبح أداة تُستخدم لابتزاز المجتمع الدولي، وتمرير مصالح دول نافذة، سواء عبر التحكم بالممرات البحرية أو عبر إشغال القوى المحلية بمعارك جانبية تعيق أي مشروع وطني.
عدن ليست مدينة هامشية في هذا الصراع، بل هي النقطة المحورية التي يتم العبث بها كلما احتدمت المعركة الإقليمية. وما يجري اليوم في الجنوب ليس إلا تطبيقًا عمليًا لخارطة صراع تتجاوز حدود اليمن، تُنفذ فيها أيادي يمنية مأجورة، وأخرى مرتبطة بأجندات دولية تسعى لضمان مصالحها بأي ثمن.
إن استمرار هذا الوضع دون تدخل حقيقي من القوى الوطنية والمجتمعية سيؤدي لا محالة إلى انفجار شعبي قد لا يكون في صالح أحد. فالشعوب التي تُدفع إلى الحافة لن تموت، بل تثور.
في النهاية، يبقى السؤال الأهم: إلى متى سيظل الجنوب يُستخدم كأداة تفاوض على طاولات الآخرين، بدل أن يكون شريكًا حقيقًا في تقرير مصيره؟