مفتاح يناقش آليات دعم وتطوير أداء مصلحة الدفاع المدني    اليدومي يعزي في استشهاد الشيخ حنتوس ويصف الجريمة بأنها وصمة عار في جبين المشروع السلالي    تقارب الجنوب ومجلس التعاون.. شراكة تعزز مسارات الاستقرار    إعلام العدو: حماس فكّت شيفرة تحرك جيش الاحتلال وتصطادهم ك "البط"    مليشيا الحوثي تنهب منزل الشيخ حنتوس بعد اغتياله وتختطف عدداً من أقاربه    أول شهداء الواجب الذي استهدفته عصابة حنتوس "صورة"    سرايا القدس تعلن قصف مدينة "سديروت" الصهيونية بالصواريخ    صنعاء: مناقشة سلاسل القيمة لمنتجات "الألبان والطماطم والمانجو واللحوم"    افتتاح مركز الغسيل الكلوي في مستشفى يريم العام    #شهيد_القران_الشيخ_صالح_حنتوس.. معلم القرآن الذي دوّى صموده في وجه السلالة    قضية الجنوب بين الرياض وأبوظبي: صراع المصالح والسياسات    محافظ لحج يوجه بتشكيل لجنة تحضيرية لمهرجان القمندان الثقافي الفني التراثي    استشهاد مدير المستشفى الإندونيسي بغزة جرّاء استهداف صهيوني لمنزله    هيئة المواصفات تصدر تعميمًا بشأن الإعفاء الجمركي لمدخلات منظومة الطاقة المتجددة    ترتيب هدافي كأس العالم للأندية 2025    الجنوب يواجه حرب باردة.. تداركوا أنفسكم قبل السقوط بالصوملة والحرب الاهلية بلبنان    السلفيين في الضالع يكررون جرائم القاعدة بالمكلا بهدم القبور والقباب    وكيل وزارة الشباب يتفقَّد سير العمل بمركز الشباب للتدريب والتنمية    الشعيب: جمعية الحاجة قدرية توزع سبعون سلة غذائية لخمس مدارس في المديرية    صنعاء .. البنك المركزي يوقف التعامل مع شركتي صرافة    قرار منع التطبيل    الغرفة التجارية بأمانة العاصمة تعلن رفضها القاطع لقرار مشترك للمالية والصناعة بشأن حظر استيراد بعض السلع    20 ساعة يوميا تحول حياة أهالي عدن إلى جحيم    عضو مجلس القيادة عبدالله العليمي يدين جريمة الحوثيين بحق الشيخ صالح حنتوس    التعليم في جحيم الصيف وعبء الجوع    مخيم طبي مجاني في صنعاء    حملة المرور في صنعاء اليوم تبدأ لمنع بيع الأدوات التي تتسبب بعدم الرؤيا    دورتموند ينهي مغامرة مونتيري.. ويصطدم بريال مدريد    الذرة الرفيعة الحمراء .. معجزة لا تقل عن سور الصين العظيم    إيطاليا.. العثور على مدفن إتروسكي سليم عمره 3000 عام    الفوز ال 15.. الريال يزيح يوفنتوس ويبلغ ربع نهائي المونديال    إقصاء بطلة «رولان جاروس» من ويمبلدون    فيفا: فوز الهلال السعودي على مانشستر سيتي الإنجليزي تاريخي ومذهل    في عاصمة الخلافة والاخوان المسلمين.. صدامات بسبب رسوم مسيئة للنبي محمد    لم تعد اللحظة لحظة "إخوان اليمن"    أركان دفاع شبوة يتفقد الجانب الأمني لمشروع الطاقة الشمسية بعتق ويؤكد توفير الحماية    إسرائيل تتوعد الحوثيين.. والسفير الأميركي في تل أبيب يهددهم بقاذفات B-2    ريال مدريد يهزم يوفنتوس ويتأهل لربع نهائي مونديال الأندية    اليمنية توضح حول جاهزية طائرة ايرباص تعرضت لحادث في مطار عدن وموعد استئناف رحلات عدن الأردن    مونديال الاندية : ريال مدريد يتخطى يوفنتوس الايطالي بصعوبة ويتأهل للدور المقبل    لماذا فضل الشيخ صالح حنتوس الكرامة على السلامة؟    الأمل لايموت .. والعزيمةً لن تنكسر    مارك زوكربيرك (شيطان الشعر الجديد) في عصر التواصل الاجتماعي    اليمنية تعلن إعادة الطائرة المتضررة للخدمة بعد فحص جوي للتأكد من جاهزيتها    الجوبة وماهلية ورحبة في مأرب تحيي ذكرى الهجرة النبوية    الكثيري يشيد بجهود وزارة الاوقاف والإرشاد في تنظيم موسم الحج ويؤكد أهمية ترشيد الخطاب الدعوي الديني    انطلاق النسخة الخامسة من بطولة الولايات المتحدة للجاليات اليمنية في نيويورك    العثور على معبد ضخم يكشف أسرار حضارة انقرضت قبل ألف عام    بيع أربع قطع أثرية يمنية في مزاد بلاكاس    تصورات خاطئة عن الآيس كريم    استخراج 117 مسمارا من بطن مريض في لحج (صور)    - والد زينب الماوري التي تحمل الجنسية الأمريكية ينفي صحة اتهامها لابن عمها؟    الحديدة: صرف 70 مليون ريال مساعدات للنازحين    شركة النفط والغاز تنظم فالية بذكرى الهجرة النبوية    فوائد الخضروات الورقية على صحة القلب    سقطرى اليمنية.. كنز بيئي فريد يواجه خطر التغير المناخي والسياحة الجائرة    7 وفيات بكحول مغشوشة في الاردن    فوضى أئمة المساجد والمعاهد الدينية تؤسس لإقتتال جنوبي - جنوبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صناعة العملاء: أدوات الاستعمار في العصر الحديث
نشر في شبوه برس يوم 02 - 07 - 2025

لطالما ارتبط مفهوم الاستعمار في الذاكرة الجمعية للشعوب بصور الجيوش الغازية، والموانئ المحتلة، ونهب الثروات الطبيعية بشكل مباشر فقد كان استعمارًا عسكريًّا واقتصاديًّا بامتياز، يفرض وجوده بقوة السلاح ويستنزف الموارد بوضوح. لكن صفحات التاريخ الحديث، خاصة في منطقتنا العربية والإسلامية، تكشف عن تحول جذري في طبيعة هذا الوباء السياسي. حيث تخلّى الاستعمار عن ثوبه العسكري الصارخ، وتوارى خلف أقنعة جديدة، ليصبح استعماراً سياسياً في جوهره، ومن خلاله فقط يتحقق الاستعمار الاقتصادي، الذي لم يعد غاية في حد ذاته بقدر ما هو وسيلة لترسيخ الهيمنة المطلقة والسيطرة الشاملة على الشعوب.

إن جوهر هذا الاستعمار السياسي يكمن في براعة القوى الاستعمارية بتغيير أدواتها من الاحتلال العسكري المباشر إلى التغلغل العميق في بنية الدول والمجتمعات ولم تعد القوى الخارجية بحاجة إلى إرسال جنودها أو فرض حكامها بشكل مباشر، بل أصبحت تعتمد كلياً على "عملائها" من داخل النسيج الاجتماعي والسياسي للشعوب المستهدفة ذاتها على نحو يضمن استمرار الهيمنة بتكلفة أقل ومخاطر أدنى، فيما توفر غطاءً من "الشرعية المحلية" التي تضلل الرأي العام وتصعب من مهمة المقاومة.

ليس اختيار هؤلاء العملاء عشوائياً، بل هو عملية دقيقة ومحسوبة. فالقوى الاستعمارية لا تبحث عن الكفاءات أو الوطنيين الأكفاء، بل على العكس تماماً، تتوجه بوصلتها نحو الفئات الأكثر ضعفاً وهشاشة في المجتمعات. إنهم "المنبوذون" الذين لم يجدوا لأنفسهم موطئ قدم طبيعي في سُلّم الارتقاء الاجتماعي أو السياسي، "والأدنياء" الذين تفتقر شخصياتهم للاستقلالية والنزاهة، و"الأغبياء" الذين ليس لهم اثر في المجتمع ولا يفكرون خارج إطار المصالح الضيقة. هؤلاء هم من لم يكونوا يحلموا يوماً بالوصول إلى مراكز السلطة العليا، بل ربما لم يتجاوز سقف طموحهم منصب رئيس قسم في مرفق حكومي بسيط. هذا الاختيار ليس انتقاصاً منهم بقدر ما هو إدراك لقابليتهم المطلقة للتحكم، فهم بلا قاعدة شعبية حقيقية أو عمق وطني أو رؤية سياسية، وبالتالي يصبح ولاؤهم المطلق للقوى التي رفعتهم هو السبيل الوحيد لبقائهم.

وبمجرد تحديد هؤلاء الأفراد، تبدأ آلة الدعم الاستعماري بالعمل بكامل طاقتها. حيث يُغدق عليهم الدعم المادي السخي الذي يحولهم إلى قوى اقتصادية لا تُقهر محلياً، ويُقدم لهم الدعم العسكري لتعزيز قبضتهم الأمنية والعسكرية على الدولة، ويُمنحون الغطاء السياسي الذي يضفي عليهم شرعية زائفة أمام شعوبهم، ويُسخر لهم الإعلام بكل أشكاله لتلميع صورتهم وتضخيم إنجازاتهم المزعومة، وتحويلهم في وعي الجماهير المغيبة إلى "زعماء وقادة عظماء". هذا الدعم الشامل يُمكنهم من الوصول إلى سدة الحكم، ويضمن لهم الحماية من أي محاولة لخلعهم أو محاسبتهم، ويُكرسهم كأدوات طيعة تنفذ الأجندات الخارجية بحذافيرها.

المقابل لهذا الدعم غير المحدود هو ولاء مطلق وطاعة عمياء. لا مجال للاعتراض أو النقاش أو حتى إبداء الرأي فيها فالأوامر تُنفذ "حرفياً" ودون أي تردد، حتى لو تعارضت مع مصالح الأمة العليا أو أدت إلى تدمير مقدراتها. هذا الارتهان لا يقتصر على رؤساء الدول فحسب، بل يمتد ليشمل قادة الأحزاب السياسية، والمكونات الاجتماعية، ومنظمات المجتمع المدني فهؤلاء أيضاً يُتم اختيارهم ودعمهم بنفس الطريقة، ويصلون إلى مستويات التأثير بفضل القوى الخارجية. ويلعبون أدواراً مختلفة أمام الشعوب – أحياناً كمعارضة، وأحياناً كموالاة واحيانا كخصوم – لكنهم في حقيقة الأمر جميعًا يخدمون نفس الأجندة الخارجية، ويساهمون في إحكام قبضة الهيمنة على مقدرات الشعوب والسيطرة على الجماهير وتوجيهها.

وفي مقابل هذا المشهد المظلم، يقف "الرجال الوطنيون والمخلصون المستقلون" الذين يرفضون التبعية والارتهان. باعتبارهم النقيض التام للعملاء، فهم يمتلكون النزاهة والكفاءة والولاء الأصيل لأوطانهم. لكن هؤلاء يُصبحون العقبة الكبرى أمام المخططات الاستعمارية، وبالتالي يتم تهميشهم بكل الطرق، ومحاربتهم إعلامياً وسياسياً واقتصادياً، أو حتى التخلص منهم جسديًّا عبر أولئك العملاء الذين يُستخدمون كأدوات لتصفية الحسابات الداخلية لصالح القوى الخارجية.

هذا هو المشهد الذي يتجلى بوضوح في العديد من بلداننا العربية والإسلامية. حيث أصبح الاستعمار كياناً خفياً، لا يحتل الأرض بالدبابات، بل يحتل العقول والقرار من خلال وكلاء محليين. إنه استعمار يفتت النسيج الاجتماعي، ويُفسد الحياة السياسية، ويُشوه مفهوم القيادة، ويُضعف الدول من الداخل، ويُبقيها رهينة لأجندات لا تخدم إلا مصالح القوى المهيمنة.

إن فهم هذه الحقيقة العارية، دون مواربة أو تضليل، هو الخطوة الأولى نحو التحرر الحقيقي من هذا النمط الجديد والأكثر خطورة من الاستعمار العسكري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.