عندما انطلق الحراك الجنوبي (المنظم) في 7 يوليو 2007م كان رواده الأوائل من جيل الآباء الذين تم استبعادهم بعد غزو الجنوب في 1994م، وكان هذا الانطلاق هو الشرارة الأولى التي أوقدت الحراك السلمي الجنوبي في طول وعرض الجنوب العربي. يوم ذاك لم تصل الرسالة إلى المتربعون على كراسي السلطة في صنعاء كما لم تصلها الرسائل السابقة ليوم 7 يوليو 2007م وكان القمع هو الحل الذي رأته السلطة في ذلكم الحين، كانوا يستخدمون الآلة العسكرية لجيش وأمن تقوم عقيدته العسكرية على أن المواطن هو العدو، وكان الحراك السلمي يتصاعد والقمع يتصاعد وصل حد قتل المعتصمين والمتظاهرين.
ما كان يميز حراك تلك الأيام هو أن جله من كبار السن ممن تكثر محاذيرهم ويقل اندفاعهم، ويقال ان من لا يعلم وكثير المحاذير يلتقيان في (نقطة الجمود) فمن لا يعلم يتجمد لأنه لا يعلم، وكثير المحاذير تضعه محاذيره الكثيرة، هو الآخر، في حالة الجمود.
كان هناك عدد قليل من صغار السن (الشباب) في الحراك في سنواته الأولى ممن يندفعون بشكل أعنف من كبار السن ولهذا كان معظم شهداء الحراك السلمي من الشباب ممن كان يراهن عليهم نظام صنعاء بوصفهم جيل الوحدة.
اليوم تغير المشهد تمامًا وأصبح الشباب هم من يتصدرون المشهد وأبلغ شاهد على ذلك هي ساحات الاعتصام اليوم في عدن وعواصم محافظات الجنوب العربي فالصورة تحكي عن جيل آخر يتخلله بعض الكبار، ومن وسط هذا الجيل سيولد جيل آخر أكثر عنفوانا إذا لم تصل الرسالة، غصبا عنا وعن غيرنا، فهذه من سنن الحياة.
جيل الأبناء هم من استعادوا الجنوب الذي خسره الآباء وهم من قرروا التخلص من آخر ارث لغزو 1994م المسمى المنطقة العسكرية الأولى في وادي حضرموت، تلك القوة الجامدة التي لم تحرك ساكنا في مواجهة الإرهاب ولم تؤمن طريق السفر من والى المملكة العربية السعودية من التقطعات التي طالت الأبرياء من الجنوب ومن الشمال وحتى من الأشقاء الذين جاءوا لمساعدتنا، هذا بخلاف كون هذه المنطقة كانت تمثل ممر عبور للتهريب بكل أنواعه.
عندما دخلت القوات الجنوبية إلى مخازن السلاح في المنطقة العسكرية الأولى كان يصاحبهم بعضًا من كبار السن من أفراد الجيش الجنوبي قبل أن يتم حله بعد غزو 1994م، وعندما دخلوا (هنجر الدبابات) هرول أحد أولئك الكبار باتجاه إحدى الدبابات هرولة الحبيب لمحبوبته ومسح ماسورة مدفعها بكم قميصه، والشباب يلتفون حوله، ثم قال وعيناه تذرف دمعة (في حرب 1994م كانت هذه دبابتي).