شن ناشطون هجوماً حاداً على اللواء غالب القمش رئيس جهاز الامن السياسي بعد اشادته بما اسماها ب"التضحيات التي قدمها الشيخ صادق الاحمر وقبيلة حاشد - التي ينتمي اليها القمش - في أحداث الثورة الشعبية السلمية". ودافع القمش عن الاحمر الذي تعرض لحملة انتقادات واسعة نتيجه هجومه على الوسائل الاعلامية, داعيا الى البحث عن أعداء اليمن للحذر منهم، مؤكداً أن أعداء الوطن معروفون قبل وبعد الثورة". تصريحات القمش ودافعه عن صادق الاحمر, لقيت صداها بحسب "يمن لايف" حيث علق الكاتب الصحفي اليمني نبيل سبيع على حديث غالب القمش قائلا أن ثورة الشباب السلمية لن تكف عن مداهمتنا بالمفاجآت، الواحدة تلو الأخرى. وثمة الكثير مما يتوجب التعليق به على مثل هذه الإطلالة التي لا يمكنها أن تحدث في أي بلد محترم فرغ لتوه من ثورة شعبية كبرى كثورة الشباب السلمية في اليمن. لكني سأكتفي في هذا التعليق السريع بإبداء إعجابي بهذه الثقة التي يتحدث بها رئيس جهاز الأمن السياسي، باسم الثورة وعنها، كما بإبداء إعجابي ببعض التفاصيل التي وردت في النص. شوفوا هذه مثلا: "داعياً الى البحث عن أعداء اليمن للحذر منهم". حلوة هذي "داعياً الى البحث عن أعداء اليمن"، ولا أحلى منها إلا التكملة. عشان أيش دعا للبحث عن أعداء الوطن يا ترى؟ ركزوا! قال: "للحذر منهم"! هذه الدعوة مش حلوة بس، بل حلوة جدا، وذات هدف وطني نبيل. بس مشكلتها إن الواحد أول ما يسمعها "يِقَشْبِب" (يقشعر جلده) 6 ساعات متواصلة على الأقل. ومش "يِقَشْبِب" وحده بس، وإنما "يِقَشْبِب" هو واللابتوب وكل شيء يحيط به، بما في ذلك جدران البيت، وإلا أنا غلطان؟ أصلا، غالب القمش ليس محرك البحث العالمي (Google) عشان ينتهي بحثه عن أعداء الوطن بسلام أو بمجرد الحذر. فالحذر في قاموس هذا الرجل يعني كل شيء آخر إلا الحذر. إنه يعني السجون والقتل وجرائم الإخفاء القسري والتعذيب، وكل شيء يحيل إلى إهانة الإنسان اليمني وسحقه. وكذلك البحث في قاموسه. إنه يعني كل شيء آخر إلا البحث، لأن هذا الرجل كما ذكرت ليس موقع "Google"، مثلما أنه لم يطلق دعوته للبحث عن أعداء مجهولين للوطن، بل للبحث عن أعداء معروفين لديه سلفا. ومعروفين منذ متى؟ منذ قبل الثورة، طبعا. فغالب القمش بعد الثورة هو غالب القمش قبل الثورة، ولهذا سيظل أعداؤه قبل الثورة هم أعداءه بعد الثورة. وهذا كله مؤشر آخر على أن القمع والجرائم الأمنية التي عرفتها اليمن قبل الثورة، ستحكم واقع اليمن بعد الثورة. وإلا، بالله عليكم، ما الذي تفعله هذه العبارة في نهاية الفقرة المقتبسة: "مؤكداً أن أعداء الوطن معروفون قبل وبعد الثورة"؟ الفارق الوحيد أنه بعد الثورة أصبح يوزع صكوك الشرعية الثورية والوطنية باسم ثورة الشعب اليمني التي خرجت في الأساس ضده وضد من على شاكلته من القتلة والمفسدين. لكنها بدلا من الإطاحة بهم، منحتهم شرعية جديدة للاستمرار بشرعية جديدة، ومنحت عهدهم الموحل عمرا جديدا. من جهته علق الكاتب الصحفي محمود ياسين على كلمة غالب القمش بالقول " لو كانت ثورة حقاً، لكان غالب القمش في السجن الآن، بدلاً من هذه البجاحة التي يتجول بها رئيس جهاز الاستخبارات، متحدثاً في مقيل شيخه صادق الأحمر، عن أولويات المرحلة، وكيف أنه يعرف أعداء اليمن قبل الثورة وبعدها. على مدى 3 عقود وهذا الرجل يدير عملية ممنهجة لتصفية العناصر الوطنية، وتجفيف منابع تحديث البلد، من خلال عمليات إعطاب الأدمغة الوطنية الرافضة لمنهج الحكم المتخلف، وهو يرهن الدولة لتحالف العسكر والقبائل وتبعية المملكة. والآن، غالب لا يزال يعرف أعداء اليمن، بل أصبح يعرفهم الآن أكثر، وكل الذي قامت به الثورة إذن هو منح غالب غطاءً ثورياً لتصفية ما تبقى من عافية اليمن الذهنية، فهو من الآن يقوم بدور ثوري في واحدة من أكثر مزحات التاريخ مأساوية عن ثورة تنجز اتفاقاً خسيساً مع جهاز المخابرات. هذه الثورة تشبه مؤسسات غسيل الأموال القذرة، فقد نقلت كل رصيد الفساد وموارده البشرية إلى الحساب الجديد لبلاد حظها عاثر. منذ الأيام الأولى للثورة والإصلاح يحمي جهاز الأمن السياسي من الموقف الثوري الأخلاقي، ويفرض وجود هذا الجهاز في الساحات عبر الاستعانة بعناصره، وتحديداً من المنتمين للإخوان، ومن ثم التجول بفأس الرعب الملوح بتهمة علاقة الرافضين بالأمن القومي باعتباره النقيض الأخلاقي للأمن السياسي. وعلى أساس من أن الأمن القومي هو (أمن العائلة)، بينما تم تعريف أمن القمش على أنه الأمن الوطني. كان التعريف الأخير (الأمن الوطني) في الماضي هو الشناعة عينها على مدى عقود من تعذيب اليساريين تحديداً، وتشويه أجسادهم وسمعتهم، انتهاءً بتشويههم نفسياً، وإقعادهم في بيوتهم يلعبون "الضمنة". ولقد كان الأمن القومي بدرجة كبيرة أمن العائلة حقاً حينما حاول علي عبدالله صالح في أيامه الأخيرة تعزيز حكمه من خلال بناء مؤسسات أمنية ورجال مفارقين لحالة الشراكة العائمة، التي لم تعد مأمونة. فأصبح على اليمن تحويل كل ما لم يعد صالح في أيامه الأخيرة منسجماً معه تماماً إلى أبطال ورموز، من بينهم السيد غالب الذي لم يكلف نفسه عناء إعلان الانضمام للثورة، ذلك أنه كان بخبرته الأمنية وموارده اللامحدودة، يجلس في مكتبه مسترخياً بثقة من يدرك أن الثورة في طريقها إليه، ليس من أجل اقتياده للمحاكمة ونعث سجلاته ووثائقه الأمنية، كما فعلت الثورة المصرية بمكاتب جهاز أمن الدولة، ولكنها في طريقها إليه لتمنحه أوراق اعتماده، وتعميده كحارس موثوق به للمغارة الجديدة التي شيدها اللصوص الكبار. ذلك أن لا أحد منهم يجهل كفاءته ودرجة إخلاصه للسيستم. يردد أحدنا الآن بلا تكلف ولا تزيد مقولة الزبيري بعد ثورة 48: "ما كانت أحسب أني سوف أرثيه". ولو لم يكن القمش قد تفوّه بترهاته الأمنية في مقيل شيخه الذي حضره بصفة شيخ حاشدي مصغر يعمل رئيساً لجهاز أمن الدولة، ويثني على دور شيخه في الثورة السلمية، وكأن غالب هو الشاب المثقف خريج جامعة صنعاء الذي يحفظ البردوني عن ظهر قلب، وبقي عاطلاً عن العمل 5 سنوات بعد التخرج، قضاها في الأنشطة الحقوقية والحلم بحياة أفضل لليمنيين وعدالة لأجل المقهورين، وقام شيخه في لحظة تاريخية بدعم ثورة البرعم الأخضر النابت على جذع حاشد العظيم. لو كان حصيفاً قليلاً ما قال "نعرف أعداء اليمن قبل الثورة وبعدها"، أو أنه لم يحضر اجتماع حاشد لما انكشف حتى للحظة للوعي اليمني ضمن انكشاف أحد مفاصل خدعة كبيرة. ذلك أنه من البداية ونحن نسقط أبجديات التجارب الإنسانية من حياتنا ومحاولتنا الثورية، معتمدين بدرجة ما على جهاز المخابرات في ثورة لم تعد تدري ضد من! وكأن مقولة إبراهيم الحمدي "التصحيح بالملوثين جريمة"، قد دفنت مع آخر ناصري دفنه القمش في أحد أقبية جهازه العتيد. الجهاز الذي انبجس من صخرة الجلافة التاريخية الحاكمة والناظمة لحركة اليمنيين في مربع مرسوم سلفاً لا يمكن تجاوز خطوطه، وتعمل فيه حركة الناس على إنعاش ماكينة التخلف وتهويتها. ينبغي لجيلنا الآن الاستعداد لمجابهة غالب وقد زودوه بثورة. وبينما هلك الوطنيون على يدي غالب، واليمن تحدق إليهم بإجلال، سنهلك وقد وسم غالب وجوهنا بالخيانة.