قبل بدء غارات العدوان السعودي وحلفائه كان هناك مثلاً يتداول بها أبناء محافظة حجة يقول: (الغني غني من الله والفقير ينزل حرض) أما اليوم ما إن تطأ قدمك حرض حتى ينتابك الخوف والهلع.. كانت حرض تلقب بالمدينة التي لا تنام، هكذا كان يلقبها نازليها.. هنا لا أتحدث عن( شنقهاي الصينية) .. أنا اتحدث عن بوابة اليمن الشمالية مديرية حرض.. هذه المديرية التي كانت ولازالت تمثل نقطة عبور لكل العابرين القادمين والمتجهين برا إلى السعودية .. ينزلون في فنادقها و يأكلون في مطاعمها .. يمكثون فيها و لو لبعض الوقت ومن ثم يغادرها. حرض تمثل للمسافرين اليمنيين المتجهين الى السعودية معلم وموقع .. تجد فيه كل مالذ وطاب .. لها طقوسها الخاصة، يستمتعوا بها قبل ان يغادروا الوطن وهم ينظرون اليها ولسان حالهم يقول: (استودعك الله يا وطني .. سأغادر لكن عهد علي لن انساك). هذا كان قبل بداية العدوان السعودي وحلفائه، أما اليوم فأضحت حرض أشبه بمدينه اشباح بعد ان نزح معظم أهلها تاركين من خلفهم ديارهم والحزن يخيم على وجوه الاطفال قبل الرجال.. معاناة حرض زرنا حرض والتقينا بعدد من ابنائها ناشطين وتربويين ومسؤولين وخرجت بهذه الحصيلة.. يقول سامي - طالب جامعي وناشط: منذ ان دقت طبول الحرب ونحن نشاهد السيارات وهي تغادر المدينة في موكب حزين لم تشهده حرض من قبل .. استمر النزوح لمده ثلاثة ايام ليل ونهارا حتى اجلت حرض معظم رعاياها .. حتى الطيور يبدو انها نزحت مع اصحابها .. زقزقة العصافير و دوام الطلاب المدارس اختفى من المدينة التي لا تنام.. هي الان نائمة والشمس في كبد السماء ويضيف سامي: اما عن حالة من نزحوا فهي تفتقد لأبسط معاني العيش الكريم، فمجتمع تهامة لديه مقولة شعبيه يتبعونها تقول: (عيدي يومي) كناية عن انفاق ما جمعوه في اليوم الواحد. اما اليوم فأصبح عيدهم المتواصل مأتم لا يحسدون عليه .. ولكل عائلة قصة الم وحزن وفراق مختلفة عن الاخرى لكن يجتمعون في احساس واحد.. هي مأساة الحرب بكل صورها المتعددة وتابع سامي: غير ان هناك من رفض النزوح واستبسل في عقر داره رافضا ان ينزح ويترك ارضه وبيته. سويد حاتم مواطن لايزال قاطن حرض، سألته عن سبب عدم نزوحه، فقال: صحيح ان الحرب (كافرة) كناية عن القسوة على حد تعبيره، ولا تبقي و لا تذر لكن مع ذلك لن انزح ولن ارحل عن دياري، فالتاريخ سيكتب ان بيت سويد قبره، لا قدر الله. حيدر عبده شيخين تربوي، هو الآخر تحدث قائلاً: شلت عجلة الحركة في مديرية حرض، وكأن قابعة في كوكب غير مألوف تماماً خارج المجموعة الشمسية.. واضاف شيخين: من يبصر حرض بالأمس القريب ويبصرها الآن لا يصدق أن هذه حرض تلك المدينة التي كانت تظل ساهرة لا تنام تراقب مرتاديها من شتى محافظات الوطن لتمنحهم دفء مشاعرها وتحتضنهم بين جنباتها إن ألمّ بهم شعور بالخوف.. اصبحت الآن هي من تبحث عمن يمنحها الدفء و الشعور بالأمان. "حرض اليوم ليست حرض قبل بداية العدوان اصبحت في حالة يرثى لها، تبحث عمن يمسح دموعها ويعيد الابتسامة إلى شفتيها الذابلتين." .. هكذا اختتم حيد شيخين حديثه عن حرض. يحي مسلم نائب مدير المياه بحرض: في البداية ارسلي صور لأحداث المزرق، ومقطع لتفجير شاحنات الجمارك وصور لأضرار كوبري حرض. وقال لي باختصار: هذا هو حال مديرية حرض.. يقول مسلم: يعيش الجميع في رعب يومي ننام ونصحو على اصوات الطائرات والضرب من هنا وهناك ناهيك عن اصوات المدفعية. وتابع مسلم: في حرض توقفت الدراسة و اغلقت العديد من المحلات التجارية (فنادق، مطاعم، بقالات)، هناك عزوف للناس عن السوق الشعبي للأسبوع الثاني على التوالي خوفا من اي ضربة في ظل القصف العشوائي. و أكد مُسلم، أنه بالرغم من ذلك لازالت حرض تستقبل كل يوم العديد من النازحين من محافظة صعدة في الوقت الذي تودع العديد من اهلها كنازحين الى مديريات أخرى. الشيخ حمد بتري احد اهالي حرض تحدث بنبرة حزينة عن حرض حيث قال: مدينة حرض أو بالأحرى باب اليمن الشمالي ومعدن اليمن النفيس الغالي ووجهة السياح وممرهم الآمن ومنعشة اقتصاد الدولة واعتمادها في الدخل المالي، "تلك المدينة التي لا تعترف بالسكون ولا تدع الأجفان تطبق ولا تكحل بالنوم العيون" كيف صارت اليوم وكيف كانت على الدوم وكيف شلت حركتها وخلدت أخيرال للنوم. هي اليوم مستكينة ثكلى وهي التي قيل عنها الأجمل والأكرم والاندى والأرقى والأغلى.. وتابع حمد بتري حديثه: حرض اليوم تبحث عن ذلك الصخب لعلها تلقاه وتبحث عن سبب شل حركتها فأعياها مغزاه، فأهلها في وجل وقلق وترقب خشية ما يتربص بنفوسها ومحلاتها ومؤسساتها لبست ثوب الحداد وخاوية على عروشها، و أهلها ما زال يحدوهم مطمعم في استئناف الصخب وأماكنها ومحلاتها تخلع عنها لبوسها وتتمرد على واقع الخوف والرعب، رغم هذا كله ورغم البؤس والوجل جله ورغم احساس أهاليها بأن المدينة استسلمت لإعاقة مستديمة أو تراجعت للوراء قرون، فأضحت وكأنها نائمة في حصير العصور القديمة. كل هذا الألم إلا إنك تحس إنها قادرة على استقبال الوافدين والزائرين فقد فتحت حرض أبواب في إيواء أفواج النازحين واستقبال وإسعاف جموع الجرحى والمصابين جراء الحرب اللعينة. إنها قصة كرم لا تنتهي ورائها ما أمامها من الصعب ترفع صحفها أو تجف أقلامها هي حرض هكذا عرفناها.. حمود حيدر محجب، مدير ثانوية العمالقة بحرض: تحدث عن اسباب ما يجري من ركود غير مسبوق في حرض، قائلاً: نظرا لأن القائمين على النشاط التجاري وكذلك المطاعم والفنادق والمحلات التجارية من خارج حرض كما هو الحال في مديرية عبس تقريبا، فإن غالبية هؤلاء غادروا واقفلوا محلاتهم، ولاسيما بعد غارة (كبري وادي بن عبد الله) المطل على الطريق الدولي. فضلاً عن كونها منطقة حدود انتعاشها وحيويتها مرتبطة بالحركة التجارية والتنقل بين البلدين، فقد انخفضت الحركة التجارية والتنقلات منذ تم استهداف الجمارك.