في كل مواجهة بين ألمانياوإنجلترا أو حتى بين ممثليهما من الأندية، يتابع الكثيرون حالة الشد والجذب المتواصلة بين أنصار هاتين الدولتين وأنديتهما، وهو الأمر الذي يحمل في طياته عبقاً تاريخياً دامياً بين الدولتين كان واضحاً بشدة في النصف الأول من القرن العشرين الذي شهد حربين عالميتين كبرتين لما يشهد العالم لهما مثيلاً وكانت ألمانياوإنجلترا طرفاً أساسياً فيهما. ولأننا قدمنا الكثير من الموضوعات التي تخص الصراعات الرياضية بين الدولتين وتاريخ كل نادي في دوري الأبطال، ارتأينا أن نبحر بالزوار الكرام في مجال آخر تماماً ، لكنه ربما يكون جذاباً للبعض للقراءة فيه لمعرفة طبيعة العلاقة بين ألمانياوإنجلترا، وهي تجربة ربما تنجح وربما تفشل وفي النهاية لا يوجد هدف منها سوى محاولة تقديم معلومة للقارئ الكريم ليكون على علم بكل أبعاد الأمور. وفي الواقع فإن تواجد اسم الفوهرر (النطق الصحيح لها: الفيورر) أدولف هتلر في قلب الحدث كان يجسد بطريقة صارخة تلك العلاقة بين الدولتين وشعبيهما اللذين كانا يحملان مقتاً لبعضهما لكنهما يحملان في نفس الوقت احتراماً كبيراً للآخر بجانب إيمانهما بأن علاقة عميقة قديمة تربطهما معاً تصل لعلاقة الدم. كان أدولف هتلر شديد الكراهية والحقد تجاه كلاً من الشيوعيين واليهود .. كان الرجل -الذي يملك لساناً يخطف الألباب وقوة ترتجف معها القلوب في مكانها- يؤمن بأن الخطر الأكبر أمام أحلام ألمانيا بالتوحّد والسيطرة والقوة والنفوذ هو خطر الشيوعيين القادم من الشرق حيث الاتحاد السوفيتي والقادم من الداخل من قبل الحزب الشيوعي كما كان يرى أن سيطرة اليهود على رؤوس الأموال وإشاعتهم لروح الإحباط بين جموع الشعب الألماني من أجل السيطرة عليه خصوصاً بعد معاهدة فرساي المجحفة لألمانيا -والتي وقعتها بعد الحرب العالمية الأولى- والتي أشعرت كل ألماني بالخزي والعار من فقدانه لجزء من بلاده ونشوء بلاد جديدة في أوروبا على أجزاء من ألمانيا -وأجزاء من النمسا والمجر- وضم بلاد موجودة بالفعل لأجزاء أخرى. لكن الواقع يقول إن هتلر (اسمه الأصلي هيدلر لكن بعد ذلك بات هتلر للتسهيل) لم يكن يكره إنجلترا كما كان يكره فرنسا وروسيا. فالأولى كانت مُلحق الضرر الأول ببلاده باقتلاعها لما يزيد عن 25 ألف متر مربع من ألمانيا بعد الحرب والثانية كانت تمثل الداعم الأول للخطر الشيوعي في بلاده. بل إن كل من لم يقرأ في ثنايا الحرب العالمية الثانية وما قبلها ليظن أن حرب هتلر مع إنجلترا كانت حتمية لتناقض الأيدولوجيات، وإنما كانت على العكس .. فإنجلترا حاولت التقرب من هتلر وهتلر حاول التقرّب من إنجلترا لكن المشكلة أن توقيت كل طرف كان مختلفاً عن الآخر. هاوسهوفر وكيف أثّر على أفكار هتلر تجاه إنجلترا كان الفيلسوف الألماني "هاوسهوفر" أحد أكبر المؤثرين على أفكار هتلر وهو الفيلسوف الذي كان مؤمناً هو الآخر بتفوق الجنس الآري، لكنه يدرك أنه صلة قرابة شديدة تجمع بين الجنس الآري والشعب الأنجلو الذي يمثله البريطانيون، بل إن هتلر كان يرى في اتحاد ألمانياوإنجلترا ضرورة لأن الإنجليز بالأساس ما هم إلا قبائل جرمانية هاجروا إلى الجزر البريطانية. ولأن هتلر كان يؤمن بهذه القومية الشديدة فقد سعى إلى هذا الاتحاد الذي باء بالفشل. أفكار هتلر الجنونية قوبلت بالرفض من إنجلترا هتلر خلال الألعاب الأوليمبية بميونيخ .. 1936ربما لو جاء أدولف هتلر إلى العالم قبل مائة وخمسين عام من عام مولده الأصلي لما كانت أفكاره هذه لتوصف بالمجنونة من قبل المجتمع الغربي والبريطاني. فقد كان يمتلك هتلر نفس الأفكار الاستعمارية التي اتبعتها إنجلتراوفرنسا لما يزيد عن المائة عام لكن مشكلته أنه عندما ظهر، ظهر متأخراً لأن إنجلتراوفرنسا كان يحتلا بالفعل ما يقارب نصف العالم منها ما يزيد عن ربع العالم لإنجلترا وحدها. وقد كانت هذه العبقرية الاستعمارية -هي في النهاية عبقرية رغم أنها عبقرية شريرة لأنها تستغل الشعوب- التي تملكها إنجلترا تثير إعجاب هتلر الذي كان يُظهره دائماً في مناقشاته الثرية مع أعضاء حزبه النازي والمقربين إليه فكيف بهذه الجزر التي لا تتعدى مساحتها ربع مساحة أي دولة عادية في آسيا أن تستحوذ على هذا الكم الكبير من الأراضي في العالم. لكن المشكلة كما أسلفنا في أن هتلر وصل متأخراً، وبالتالي اصطدم فكره الاستعماري بحقيقة أن العالم أغلبه ملك لهذه القوى الاستعمارية العتيقة والتي كان هتلر يحلم بمنافستها بل وباستمرار الإمبراطورية الألمانية ل1000 عام !. بريطانيا تتقرب من هتلر عبر اقليم السوديت كان هتلر يملك فكرتين تستحوذان على رأسه .. الأولى هي إنهاء كل ما يتعلق بمعاهدة فرساي التي كانت تقضي بانتزاع أجزاء من الأراضي الألمانية وإضعاف الجيش الألماني عبر محدودية تسليحه وقلة عدد أفراده بل وإلغاء سلاح الجو فيه وهو ما كان يثير غضبه وحقده ويعتبره تدخلاً سافراً في شؤون بلاده. أما النقطة الثانية فكانت تتعلق بهذا الفكر الاستعماري الذي كان يكتنفه، وبمفاهيم ألعاب الفيديو التي يلعبها كل أبناء هذا الجيل أو لعبها، يمكن تخيل هتلر يملك جيشاً جرّاراً كما تملك أنت في ألعاب الفيديو وتتخذ قرارك الدائم بغزو الآخرين فقط لأن هذا سيزيد من قوتك ولأن جيشك هذا بالتأكيد لن يكون للدفاع عن أراضيك فقط. خطأ إنجلترا القاتل -بالنسبة لها على الأقل- تمثّل في موافقتها على النقطة الأولى فيما كانت شديدة التمسك بعدم حدوث الثانية وهو ما أدّى إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية. فرغم أن إنجلتراوفرنسا كانا على اتفاقية دفاع مع تشيكوسلوفاكيا سمحت إنجلترا عبر رئيس وزرائها تشامبرلين لهتلر بضم إقليم السوديت من تشيكوسلوفاكيا ورغم توسلات الأخيرة للإنجليز إلا أنهم رأوا في النهاية أن هذا ربما يكون كفيلاً بإرضاء أحلام المستشار الألماني التوسّعية، لكنها كانت الطامة الكبرى، فقد ازداد غروراً بقوته ورأى أن إنجلتراوفرنسا تخشيان قوته، فما هي إلا عدة أشهر حتى ضم سلوفاكيا كلها وأجزاءً من بولندا بجانب ضمه للنمسا طواعية بدعوة من حاكمها الذي رأى أن مصلحة بلاده هي انضمامها لما أسماه ب "الوطن الأم". كان هتلر يتصور أن علاقة الدم بين ألمانياوإنجلترا ستسمح له بالتقرب من إنجلترا وفي نفس الوقت مشاركتها مصالحها في أوروبا وفي المستعمرات وهو ما لاقى معارضة شديدة بعد ذلك من رئيس وزراء إنجلترا التالي وينستون تشرشل الذي كرهه هتلر كرهاً شديداً خصوصاً مع تعنته إزاء محاولات الدوتشي الإيطالي موسوليني التقريب بينهما دون طائل ما اضطر هتلر للتنصل من هذه المحاولات مدعياً أنها محاولات فردية من موسوليني وحاول في كثير من المرات أن يؤلّب شعب إنجلترا على تشرشل مؤكداً أنه يحب الشعب الإنجليزي لكن حكومته هي من تسعى لمعاداة ألمانيا. ولأن هتلر لم يرى بًداّ من غزو إنجلترا بعد أن استحوذ على أوروبا كلها تقريباً سواء عن طريقة السيطرة العسكرية أو الأحلاف، فقد اتخذ قراراً بخوض معركة جوية مريعة مع إنجلترا بهدف تحييد القنال الإنجليزي ومن ثم إدخال الأسطول الألماني فيه ونقل قواته إلى الجزر البريطانية، لكن إنجلترا تمكنت بمعجزة من صد أكثر من 4000 مقاتلة ألمانية في معركة "بريطانيا" خسر كلا الطرفين فيها ما يقارب الألفي طائرة تقريباً. المغامرة الأكثر جرأة في التاريخ رودولف هيسكبرياء هتلر منعه أيضاً من محاولة دعم تجربة جريئة جداً جداً قام بها نائبه رودولف هيس الذي ضحّى بنفسه لأجل بلده رغم منصبه الرفيع والذي يعد السجين الأكثر تكلفة لأي سجّان في التاريخ بعد أن تناوبت على حراسته في سجنه 4 دول مشتركة. ففي عام 1941، وبينما كانت الطائرات الألمانية تمطر الأراضي البريطانية قرر هيس القيام بمغامرة فردية قاد فيها طائرة بنفسه بعد أن زودها بخزان وقود إضافي ليطير إلى مدينة جلاسكو الاسكتلندية حيث يتواجد اللورد "هاميلتون" الصديق القريب من الفيلسوف "هاوسهوفر" والذي يتشارك معه نفس الأفكار من حيث تقارب البلدين ورغم أن المخابرات الإنجليزية قبضت عليه أولاً إلا أنه التقى بهاميلتون بالفعل . لكن لأن مغامرة هيس -التي عرض فيها السلام على إنجلترا مقابل إطلاق يد ألمانيا في أوروبا ومقابل إطلاق يد إنجلترا في مستعمراتها- لم تكن مدعومة من هتلر فقد تصور هاميلتون وأفراد المخابرات البريطانية "المكتب الخامس" أنها خدعة من هتلر الذي ترك "هيس" له رسالة يخبره فيها بأنه يتحمل المسؤولية عن مغامرته هذه أملاً في إنقاذ ألمانيا ومن حقه أن يعلن أنه -هتلر- غير مسؤول عن فعلة هيس وأنه يشكك في قواه العقلية وهو ما فعله هتلر بقلب باكي نظرة للعلاقة الوطيدة التي كانت تربطه بهيس الذي سُجن في إنجلترا قبل أن يُحاكم في محكمة نورنبيرج الشهيرة بعد انتهاء الحرب بالسجن مدى الحياة وبالفعل قضى باقي حياته في سجنه الذي أشرفت عليه 4 دول هي الاتحاد السوفييتي، فرنسا، إنجلترا والولايات المتحدة ولم يطلق سراحه رغم توسلات أحفاده بعد ذلك حتى فارق الحياة في عام 1991 .. أي بعد 50 عاماً من السجن. ويبدو أن العلاقات الألمانية الإنجليزية ستظل كما كان يراها هتلر .. ارتباط عميق مع تناقض مصالح وهو ما يفسر العلاقات المترقبة التي تجمع بين الدولتين حتى بعدما يبدو من توافق بينهما في الوقت الحالي في ظل الاتحاد الأوروبي لكن تظل العلاقات الألمانية الإنجليزية مدعاة لهذا التعصب بينهما في محافل كرة القدم. لننسى هتلر وإنجلترا ولنرى من سيفوز في حرب عالمية كروية تجمع بين بايرن ميونيخ وتشيلسي …