لا أستطيع انتقاد عبد الملك الحوثي لأنه ولد في عائلة بعينها (هاشمية) لا أستطيع انتقاده لأنه ولد ونشأ في بيئة دينية معينة (زيدية) لا أستطيع انتقاده لأنه ينتمي بالولادة إلى مجتمع بذاته (قبلي) لا أستطيع انتقاده لأنه من جغرافيا محددة (شمال الشمال) لا أستطيع أن أنتقده في كل هذه الأمور التي ليس مسؤولا عنها.. ولا أستطيع إحصاء كل ذلك كمعايب ومآخذ عليه وعلى تياره بما أنه وتياره اصلا تعبير أمين عن المجتمع الذي ولد ونشأ فيه بكل التفاصيل التي تشكل هويته. لكني استطيع نقده على سلوكه، ممارساته، خطابه، إدارته لعلاقته مع من حوله، وسعيه، لو سعى حقيقة لا على مستوى التحليل والمخاوف، إلى تحويل "هوياته" هذه إلى "هوية" نهائية، مقدسة، ووحيدة داخل اليمن، أو حتى داخل قرية في يريم أو صعدة. (لن أنتقده على ذلك فحسب بل سأحمل بندقا وألتحق بأول مترس يقاتل ضده). ............ لا استطيع محاكمته إلى تاريخ الائمة و حقبة الأتراك وخراب السد، فهو ليس مسؤولا عن التاريخ، لكني أستطيع محاكمته إلى ما يعلنه بنفسه ويتبناه في خطابه لا إلى نواياه أو ما يفسره به غيره، (يقول هو إنه مع الجمهورية لا مع الإمامة، وقدم رؤية رسمية عن تياره إلى مؤتمر الحوار تنص على "الدولة المدنية"، سأكتفي بهذا الاعتراف الرسمي منه بالجمهورية وسأحاكمه لاحقا إلى رؤيته هذه، أما أن يقول هو: أنا لا أبحث عن الإمامة، فأرد أنا: "لا كذاب، أنت إمامي"، فإن تلك لغة الكيد سياسي لا النقد المعرفي). ......... "الحوثي" و "الحوثيون" لا يحق لهم الوجود ولا تنظيم أنفسهم ولا المشاركة ولا التمثيل السياسي، بسبب "عرقهم" وبسبب "مذهبهم" و بسبب "منطقتهم" وبسبب "مجتمعهم"، ولسلسلة اسباب اخرى تصنف ك"جريمة" مع أنها جزء من هوية المجتمع اليمني، ولون من صميم ألوانه المتعددة!!!. إن هذا خطاب كارثي مثله مثل خطاب من يرفض "الإخوان" لمجرد أنهم "إخوان"، أو بسبب خلفيتهم الدينية والمذهبية!! هذه اسمها مصادرة وقمع، وإلا فمن حق الحوثي او اليدومي أو الحميقاني أن يكون أي منهم حتى يهوديا من طائفة الحرديم، ويحق له أن ينشط سياسيا ويشارك ويحكم و.. و... مادام أنه يمني من هذا ال"يمن" لا وافدا إليه من خارج الغلاف الجوي. ............. الحوثيون مثلما الإخوان؛ جزء من تعبيرات مجتمع، ومن يحاكم أيا منهم على أساس "هوياته" غير المسؤول عنها فإنه يمارس فاشية فجة مهما كان المبرر أو مهما كانت حجم المخاوف. من يتخوف من تعزيز الهويات الضيقة داخل المجتمع اليمني، تخوفه حقيقي لكنه يعالج المسألة بالإلغاء والاستئصال، وليس بنقد الإخفاق التاريخي للحركة الوطنية ومشاريعها منذ الأربعينات حتى الآن، الإخفاق الذي انعكس في شكل فشل ذريع في عملية بناء الدولة، وانكفاء المجتمع تاليا على نفسه وإعادته إنتاج هوياته الناظمة لحياته. ليس أمامنا كيمنيين الآن غير عقلنة هذه "الهويات" وإعادتها إلى موقعها الإيجابي في لوحة التعدد الثرية التي نسميها "اليمن"، لا قمعها واحتقارها بالطريقة القائمة في كتابات كثير إعلاميين بينهم زملاء وأصدقاء أعزاء بنوايا صادقة، ولكن بمخاوف مبالغ فيها. .......... لكل يمني، مثلما لكل إنسان، الحق في أن يكون ما يشاء، ولا تجوز محاكمته إلا على مدى اقترابه أو ابتعاده من النظام والقانون ودستور البلاد؛ العقد الاجتماعي بين جميع مواطني الدولة بما فيهم هو. ومرة أخرى؛ لنوفر على أنفسنا كل هذا الخطاب "المحتقر" للحوثيين، ولندخر جهدنا لنقد سلوكهم على الأرض ومدى التزامهم بالشراكة الوطنية، على أني أبشرهم، بسقوط مدو، منذ الآن إن هم اتبعوا نهج الإقصاء والقمع وعدم الاعتراف الذي تتم مواجهتم به حتى الآن. غير ذلك فإن كل الصراعات القائمة من صعدة حتى همدان مسؤولية الحوثيين فيها واحدة هم والتجمع اليمني للإصلاح واللواء الأحمر وحلفائهما. وفضلا عن كونه صراعا بخلفيات محض سياسية واجتماعية، فإنه في بعض مضامينه نوع من صراع الأضداد الدينية، الطبيعية في كل مكان. وإعطاء الأمر حجما أكبر من ذلك، أو إسناده إلى خرافة "البحث عن الإمامة" ليس أكثر من خطأ فادح في قراءة متغيرات اجتماعية عاصفة تجتاح اليمن منذ 2011، ولا يحضر البعد المذهبي فيها ولا حتى بنسبة واحد بالمائة من حضور البُعد السياسي وبُعد المصالح (المنهارة أو الجديدة) بعد سقوط كرسي الرئيس صالح.