ما تبقى من ليبيا التي تمزقها الان المليشيات والقبائل بعد أن رحل عنها القذافي تاركا اياها في أبشع حال ملاقيا اسوء مآل، ما تبقى منها سيحكي للعالم والتاريخ قصة هذا الربيع الدامي الذي غنت له الشعوب العربية ورقصت وهللت طويلا ثم فوجئت بأنه لم يكن بمستوى طموحاتها وتطلعاتها.. الأوضاع في سوريا ليست بأحسن حالا حيث أسر وعوائل كاملة أبيدت عن بكرة أبيها.. قرى ومدنا كاملة دُكَت ومُحيت من الخارطة تماما، والمحصلة... هي عودت سوريا إلى العصور الوسطى وما قبلها، مئات الالاف من القتلى والمعوقين والمشردين سيُمسكون بين يدي الله بتلابيب ورقاب مشائخ تويتر وأمير قطر والقائمين على قناة الجزيرة ويسألونهم سؤالا واحدا لا غير: اليوم بعد كل هذه الدماء التي سكبت وهذا الدمار الذي أُحدِث أين الحرية والكرامة والرخاء الذي وعدتمونا وأين الديموقرطية التي زعمتم؟؟ في مصر أيضا هناك عمل دؤوب ومنظم لزيادة الاحتقان في الشارع وشق صف المجتمع وتفكيكه والتمهيد لحرب أهلية مدمرة يجر فيها (جماعة الإسلام السياسي) للإصطدام بالجيش المصري الوطني العربي المسلم، الجيش الأقوى عربيا وأفريقيا والعاشر عالميا.. قبل الاحداث الاخيرة التي اعادت العسكر الى الواجهة وإن بوجوه بوجوه جديدة كانت (جماعة الإسلام السياسي) تردد في إعلامها وقنواتها الايات الكريمة والاحاديث الشريفة الدالة على وجوب طاعة ولي الامر في المنشط والمكره وحرمة الخروج عليه وتحذر من الشغب والمضاهرات والقلاقل والإحتكام للشارع فاين ذهبت كل تلك الايات والأحاديث اليوم وأين كانت في بدايات الربيع العربي؟! (الإخوان المسلمون) الموهوبون في العمل الجماهيري والخيري يخسرون كثيرا من رصيدهم الشعبي والأخلاقي نتيجة خلطهم الدين بالسياسة وياليتهم تفرغوا لما يجيدونه ويبرعون فيه، أما الإصطدام بالحكام والحكومات وببقية طوائف المجتمع فلن يجر عليهم وعلى بلدانهم سوى الخراب والدمار.. إن حشر الدين في الثورات التي ضاعت في رياحها الرحمة والقيم الإنسانية يعتبر تدنيساً لمبادئ الدين الحنيف القائم على نبل الغايات والممارسات وثبات ووضوح المنهج والرؤيا والمبادئ.. أما هذا الربيع الجهنمي الذي هدم عقول الناس قبل ان يهدم بيوتهم فقد تحول لنفق مظلم يتقاتل فيه الجميع ويُرتكب فيه كل فضيع!! قبل فترة كتب (يزيد بن محمد) في صفحته هذه السطور ومضى لحال سبيله :- ((قبل عامين فقط لم يكن دخان جثة محمد بو عزيزي قد انقشع كان الربيع في بداياته والجماهير منتشية بمفرداته لا تسمح لأحد بانتقاده أو التحذير منه ولا رأي آخر إلا ما يوافق الهوى.. ولأن هذا الربيع قام في دول إسلامية فقد كان الكثير يرقب ماذا سيقول علماء الحرمين الشريفين فخرج صالح الفوزان وأقرانه للتحذير من هذا الربيع للدماء والشتات والفتن التي ستحصل للأمة بسببه وللآيات والأحاديث التي توجب طاعة ولي الأمر وتحذر من مغبة الخروج على الحاكم وشق عصا الجماعة فجن جنون الحزبيين وجيشوا الجماهير ورموهم بعلماء السلاطين وبائعي الذمة وقالوا أنهم تقليديون يعيشون خارج الزمن وانفض عنهم الجمهور وتحلقوا من جديد حول شيوخ تويتر الذين رسموا الأحلام الوردية للناس وقالوا لهم إن الديموقراطية تهون في سبيلها الدماء والأرواح وأن الحرية قبل الشريعة وقام القرضاوي على المنبر ليقول ثوروا وفي رقبتي الدماء.. صفق الناس للثاني وامتعضوا من الأول إلى أن بدأت تنكشف الأمور فاختفى علماء الجماهير بعد أن طبلوا لحرق بوعزيزي نفسه وقالوا إنها نار تحرق الطغاة والمجرمين والظلمة وأقاموا عليها الندوات واستهزؤوا بمن قال إنه انتحار حكمه واضح شرعا ثم صمتوا وتواروا قبل أيام عندما أحرق الشاب التونسي (الخذري) نفسه مدفوعاً بنفس الدوافع وفي نفس البلد فاختفت تغريدات تقديس النار وسكتت منابر تشريع الانتحار فما الذي حدث يا ترى هل تغيرت النار أم تبدلت الأحوال؟؟))