إذا كان الكتاب يقرأ من عنوانه.. فإن الأمل بأي رئيس جديد في أية دولة كانت تظهر في العام الأول لحكم هذا الرئيس.. ولو وضعنا الرئيس الانتقالي اليمني عبدربه منصور هادي في هذا الميزان وفقا لهذه الحسابات فلن نجد إلا على «الفشل» مكان «الأمل» و»التراجع» بدل «التقدم» و»العجز» بدلا عن «الإنجاز».. وللباحثين عن مفردات «النجاح» تقول المؤشرات: لا تتعبوا أنفسكم.. أحلامكم ليست هنا.. الخيبة هي المسيطرة في هذه البلاد!! لو رجعنا إلى العام الأول من حكم الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي مثلا في الشمال أو أي رئيس من رؤساء الجنوب.. سنجد بالتأكيد هناك مساحات كبيرة من العمل الرئاسي الملموس على مختلف الأصعدة.. السياسية والاقتصادية والأمنية.. أما العام الأول لفخامة المشير هادي فالعنوان لا يحتاج إلى وجود الكتاب!! الظروف التي صعد فيها عبدربه العام الماضي لرئاسة اليمن.. أفضل بكثير من أي ظرف جاء فيه جميع الرؤساء اليمنيين.. ربما يكون مجيء الحمدي بعد نفي الإرياني مشابها نسبيا لخلافة هادي عرش صالح وقريبا من ترحيل علي ناصر وحضور حيدر والبيض لرئاسة الدولة والحزب.. لم يأت أحد من رؤساء اليمن للكرسي بالسلاسة والانسيابية التي توفرت للرئيس عبدربه الذي حظي بالدعم الدولي والخارجي والإجماع المحلي كخيار توافقي لا مفر منه.. مسنودا بإرادة وعزيمة شعب قوي ووفي للأرض والإنسان ومعززا برعاية وتشجيع المجتمع الأممي القلق من انهيار الجمهورية اليمنية.. على نحو كفيل بتحقيق نهضة شاملة للوطن بكافة المجالات من الشهر الأول وليس بعد مرور عام وشهرين انقضت حتى الآن والبلاد تسير للمجهول.. من سيئ إلى أسوأ!!
ليس في الأمر تجني أو إجحاف.. بإمكان أي مواطن تقييم الوضع قياسا بحالته الشخصية.. ما إذا كان يحس بالتحسن البسيط أو يشعر بالتردي أكثر مما كانت عليه حالته.. لا يحتاج أحد إلى آراء فطاحلة السياسة وطحاطيح التطبيل بالشعر والأدب.. أو للخبراء الاستراتيجيين وتقارير المسئولين الرسميين.. حتى هذه التقارير بما فيها الحكومية والخاصة بالمنظمات المحلية والأجنبية المتخصصة.. تقول إن العام الماضي 2012 الذي هو عام الرئيس هادي الأول على رأس السلطة.. كان الأسوأ بكل المقاييس في تاريخ اليمن المعاصر.. آخر تقرير صدر قبل يومين من منظمة «هود» المدعومة من الغرب والموالية لتيار الإسلام السياسي والتجمع اليمني للإصلاح وسفارة واشنطنبصنعاء الذين جمعيهم حلفاء الرئيس عبدربه وليسوا غرماء له وأعداء.. تكشف «هود» في تقريرها الأخير بالأرقام والوثائق والوقائع أن السنة الأولى للرئيس الانتقالي سيئة لأبعد مدى.. إذ رصدت 81 غارة للطائرات الأمريكية بدون طيار أودت بحياة 243 مواطنا يمنيا وعشرات الجرحى ومئات الضحايا المتضررين من هذه الهجمات المنتهكة للسيادة الوطنية كما لم يحدث في أية مرحلة تاريخية من التاريخ اليمني.. سجلت «هود» أيضا 82 حالة اعتقال تعسفي لجهاز الأمن السياسي والقومي و115 أخرى ضد الأجهزة الأمنية لوزارة الداخلية و69 في سجون «خاصة» تابعة للمشائخ القبليين والمليشيات المسلحة و89 اعتقال لليمنيين خارج الحدود إلى جانب بقاء 96 يمنيا في معتقل جوانتانامو الأمريكي و75 جنديا أسرى لدى تنظيم القاعدة وأنصار الشريعة في جزيرة العرب بمحافظة أبينمسقط رأس الرئيس هادي.. علما بأن هذه الأرقام والحالات مقارنة بما يحدث في الواقع لا يصل للمنظمات الحقوقية تبدو متواضعة وبسيطة جدا إذا ما علمنا أن مئات الصيادين التهاميين ما زالوا رهينة السجون الاريترية.. ولا أدري كيف سيكون تقرير هود عن العام الجاري 2013 حين يتضمن أعداد القتلى والمعتقلين بأيدي القوات السعودية التي تمارس البطش والتنكيل حاليا بمئات الآلاف من المغتربين اليمنيين العاملين بطريقة شرعية على أراضيها!!
قبل تقرير «هود» المهتم بالجانب الحقوقي والإنساني.. كانت تقارير كثيرة قد صدرت عن الأوضاع في اليمن من منظمات ومراكز بحوث ودراسات محلية وعربية ودولية.. تناولت الوضع اليمني في المجالات الأخرى.. الاقتصاد والأمن والفساد والسياسة وغيرها.. وجميعها تشير إلى التراجع للوراء باتجاه الهاوية.. رغم أن ثورة التغيير الشبابية المزعومة قد حملت تباشير الازدهار والرخاء والنمو والتغلب على أكثر المشاكل والقضايا.. لكن خاب الأمل في العام الأول.. بصورة تكشف ملامح قاتمة للعام الثاني والمستقبل القادم الذي ينتظر الأجيال.. التقارير الصادرة في الأشهر الفائتة تتحدث عن انهيار مستمر للاقتصاد الوطني وانخفاض الاحتياطي النقدي في خزينة البنك المركزي وارتفاع نسبة البطالة بين الشباب وتدني الخدمات في القطاعات الحيوية التي تمس الحياة اليومية للمواطن ممثلة في الكهرباء والصحة والتعليم.. مع ازدياد حجم الفساد المالي والإداري في أجهزة الدولة وفشل حكومة الوفاق في أداء المهام المناطة بها وضعف المؤسسة الأمنية والعسكرية والعجز عن ضبط الأمن وإرساء نفوذ المؤسسات الرسمية على خارطة البلاد.. وصولا إلى غياب أي تقدم يذكر في أي مجال في عهد المشير عبدربه منصور الذي سيكتب التاريخ أن العام الأول له في الحكم كان حافلا بازدهار تجارة الممنوعات وتهريب الأسلحة والاتجار بالبشر وبيع الأعضاء البشرية لمواجهة الفقر.. حيث تتحدث التقارير عن تفشي الجوع وسوء التغذية وتدني معدل الدخل السنوي بين اليمنيين إلى أرقام مفجعة تجعل اليمن في ذيل قائمة التقييم والرصد للمنظمات العالمية.. إذ يعاني ملايين الأطفال من الأمراض المنقرضة وتتربع الجمهورية اليمنية الترتيب الأخير في الرياضة حسب الفيفا وتنعدم ثقة الأصدقاء المانحين في الأطراف الحكومية وتمتنع عن تسليمها مليارات الدولارات من التبرعات والقروض والمساعدات.. فيما نسبة الجريمة تتصاعد باضطراد والاحتقان الشعبي والمشاكل الاجتماعية تتزايد على نحو مزعج.. وأصبحت الأراضي اليمنية مسرحا لدفن النفايات النووية والكيميائية المحظورة.. إلى آخر التفاصيل الكثيرة التي يحول كسل وإهمال كاتب السطور عن حصرها كما وردت من مصادرها.. تاركا مهمة البحث والتقصي والمراجعة لمن ينكر ويكذب.. فالناشطون في الدفاع عن الرئيس هادي معنيون بالرد علي وتفنيد ما طرحته وإبراز منجزات أفشل رئيس يمني في عامه الأول!!
صعد إبراهيم الحمدي للرئاسة والبلاد تعج بتراكمات الصراع وتبعات الفوضى وموروثات وأعباء ما قبل الثورة وتدخلات وعبث الجيران الأشقاء.. لم يكن لليمن الشمالي حينها موارد اقتصادية من الثروات النفطية.. مراكز القوى القبلية من المشائخ وتحالفات رجال الدين والقوى السياسية والمذهبية وتذبذب الدولة ربما كانت أسوأ بكثير مما هي عليه الآن في بداية عهد المشير عبدربه منصور.. كذلك كان الحال نفسه يواجه أي رئيس جديد من السلال وعبدالرحمن الإرياني والغشمي وصالح إلى قحطان الشعبي وسالمين وفتاح وعلي ناصر والبيض والعطاس.. إلا أنهم لم يكونوا مطلقا بالروح الانهزامية والضعف والهوان الذي يكبل الرئيس هادي ويسيطر عليه ويجعله أسير العجز المريع والفشل الذريع رغم توفر الفرص الذهبية بين يديه ليكون الرئيس «الأفضل» في تاريخ اليمن القديم والمعاصر.. إلا أنه يبدو حريصا على أن يظل موصوفا بالقائد «الأفشل» مع أنه يملك شعبا يشهد له العالم بأنه الشعب «الأقوى» لو وجد رئيسا يكتشف مكامن قوته.. لأن اليمني يصبح أضعف مخلوق إذا كان رئيسه ضعيفا مثل «هادي».. والدليل تلك العظمة اليمنية التي تحققت أو حققها الإنسان اليمني في عهد «الحمدي» حين وجد الرئيس والقائد القوي صاحب الإرادة والعزيمة والمشروع الوطني والنية الصادقة للبناء والإعمار.. فالرئيس «الحمدي» لم يحتاج لقرون من الزمن كي يصنع التحول ويحقق الإنجاز والإعجاز في ثلاث سنوات فقط.. حتى الرئيس السابق علي عبدالله صالح بعيدا عن سنوات حكمه ثلاثة عقود وحكم الحمدي القصير ومقارنة بالعام الأول للرئيس هادي.. لا مجال للتقييم والمقارنة والقياس.. فأي فائدة يحمل سابقيه أسباب عجزه وإخفاقه هو فاشل بإجماع كل المذاهب والعلماء والرؤى.. فالعاجز عن التفريق بين كونه رئيسا للجمهورية وليس نائبا لشخص يدعي أن كان الرجل الأول.. لا يصلح بالمنطق والعقل أن يكون مديرا لمدرسة تمهيدية في قرية ريفية!!
كان علي محسن إلى وقت قريب أركان حرب الفرقة الأولى مدرع والقائد محسن سريع.. لكن أركان الحرب كان يعصد الدنيا عصيد بحكم الكاريزما وصفات الجسارة والإقدام والإحساس بمسئوليات القيادة.. بالمثل كان علي عبدالله صالح مجرد قائد معسكر في تعز أيام «الحمدي» لكنه كان صاحب صولات وجولات بغض النظر عن ماهيتها أثارت الإعجاب به ولفت الأنظار إليه أطلق الرئيس الشهيد اسم «تيس الضباط» عليه.. كذلك كان «سالمين» شاب مكافح ومناضل.. تماما مثل علي ناصر وعلي سالم.. تتوفر لديهم مواصفات القيادة.. وانطلقوا إلى القمة بدوافع نفسية وفسيولوجية ذاتية.. أما «هادي» فما زال يشعر بأنه ذلك المدير لمخازن الإمداد والتموين لقوات الجيش ويتعامل مع منصبه الرئاسي على هذا الأساس ملتزما بمعايير التوجيهات القادمة من الجهات العليا.. غير مدرك أنه صار صاحب القرار والكلمة الأولى!!
أعود للسطر الأول.. الكتاب والعنوان.. لأنهي هذه السطور بالتذكير بما يفترض أن يذكر من عناوين الرئيس عبدربه منصور.. ابتداء من تطبيق بنود المبادرة وقرارات الهيكلة للقوات المسلحة والأمن.. وليس انتهاء بمؤتمر الحوار المهزلة.. فهناك في الوسط.. وصمة عار لا تغتفر اسمها حكومة الوفاق.. ويكفينا التوقف عند واحدة من هذه الوصمات لنقرأ كتاب المشير هادي من عنوانه.. العنوان المكتوب بالبنط العريض عن فضيحة متجسدة في رئيس وزراء مثل «باسندوة» أو جريمة بحجم تفتيت الجيش استجابة لرغبات وضغائن وزير دفاع مثل «محمد ناصر أحمد» أو خيانة وطنية تتمثل في ترك الوطن بماضيه وحاضره ومستقبله تحت تصرف أشخاص من نوع «جمال بنعمر» والسفير الأمريكي جيرالد فايرستاين: والله المستعان!!