آخر ما تفتقت عنه عبقرية الحكومة، القضاء على التخريب بالموعظة الحسنة.. الذي يفجر أنبوب غاز يقال له: يا ويلك من الله، والذي يخبط الكهرباء يقال له: تُبْ كي لا تخبط في جهنم بسلسلة طولها سبعون ذراعا، والذي يفجر أنبوب النفط يقال له: كف وإلا هويت بحفرة من حفر جهنم. نعم.. الحكومة قررت إرسال وعاظ ومرشدين إلى كل خربة في مأرب ومحافظة صنعاء، يجادلون المخربين بالتي هي أحسن، ويرشدونهم بأن ضرب الكهرباء حرام، وتفجير أنابيب النفط والغاز حرام، والإضرار بمصالح 25 مليون نسمة حرام! من يشهد على هذه الحكومة التي تعتقد أن التخريب حلال شرعا بنظر المخربين، أو أنهم جهلة أو بلا دين، بينما فيهم وعاظ ومرشدون وخطباء وحملة ماجستير، وفيهم من ذقنه إلى سرته، وفيهم من يحفظ البخاري ومسلم وأدبيات تنظيم القاعدة؟ يا مخرب الدنيا ومعمر الآخرة، زكِّ عقل هذه الحكومة إن كان لها عقل.. عثمان ابن عفان قال إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، والحكومة تتنازل عن مهمة السلطان، وتركن إلى الوعظ والإرشاد، والهدرة باللقف، بدلا من معاملة ابن الصميل بالصميل. إذا كان لا بد من الوعظ، وإذا كان الإرشاد مفيدا، فالأولى أن تنشر الحكومة ورثة الأنبياء عند بابها، وتستدعيهم إلى اجتماعاتها الأسبوعية والاستثنائية، يعظون ويرشدون الوزراء ورئيسهم، فمثلا يقولون لرئيس الوزراء إن الله يحب البكائين نعم، لكنه لا يحب العاجزين، ويكره الذين يستقبلون أخبار النفط المسفوح على الأرض بالدمع المسكوب من المقلتين، ويبينون لوزير الكهرباء أن تبديد المال العام في رشوة رجال القبائل حرام وغير مجدٍ في حماية أبراج الكهرباء، ويرشدون وزير الداخلية بأن الله يوجب عليه أن يقوم بواجبه، ويحرم عليه الإفراج عن المحكوم عليهم بالإعدام، ويحرم عليه استغلال منصبه لتحقيق مصالح حزبية، ويرشدون الحكومة بأن حرمان مأرب من الكهرباء حرام، وأن توظيف حملة الماجستير المأربيين- على قلتهم- واجب شرعي بإجماع المذاهب التسعة، وأن تدخل وزير الدفاع لمساعدة الداخلية في القضاء على التخريب جائز شرعا، وأن بقاء محافظ مأرب في العاصمة أربعة أشهر بدعوى المراجعة، بينما محافظته تحمى وتغلي، من قبيل التولي عند الزحف. مواجهة التخريب بالوعظ والإرشاد، يعني بالكلام.. لا تستغربوا، ولا تسألوا من أين جاءت هذه العبقرية يا حكومة؟ هذا الحل الباهر يتسق مع نهج حكومة الكلام.. أول أيامها كلام وآخر أيامها كلام. *صحيفة اليمن اليوم