سنوات قليلة حافلة بالحروب والأهوال والمظالم أفضت بالحوثيين من جماعة هامشية منزوية في منطقة نائية في صعدة، إلى إحدى أهم القوى الرئيسية في الخارطة السياسية الراهنة لليمن!. هذا دليل إضافي على أن القمع أفضل وسائل نشر الأفكار والمعتقدات والجماعات، وأن الأكاذيب والإشاعات والفاسدين أردأ وسائل مواجهتها. أما العبرة البالغة في التجربة الحوثية، فهي أن الخصم قد ينتصر، لا لأنه الأفضل في ذاته، بل لرداءة خصومه، «شيوخ القبائل» وجنرالات الفساد والإخوان المسلمون، هم خصوم الحوثيين، وخصوم كهؤلاء إذا استمروا في الواجهة فسيصل الحوثيون إلى أبعد منطقة في اليمن. كلٌّ من هذه الأطراف التي تضررت بشكل بالغ خلال الفترة القصيرة الماضية، لعب بكل الأوراق الطائفية والمناطقية والعرقية والسياسية في مواجهة الحوثيين، وعزلهم وشيطنتهم، وزج الدولة والرأي العام في معاركه وحساباته الخاصة، التي انتهت بالفشل. المشكلة الحوثية مشكلة حقيقية، وما يجعلها أكثر بروزاً واستفحالاً أن الحركة الحوثية تتمدد في مركز السلطة التقليدي في شمال الشمال، وتهدد مراكز القوى التقليدية الحاكمة في كينونتها. هناك لاعب جديد يعمل على إحلال لعبة جديدة لم يتعود عليها اللاعبون القدامى، وباختصار أزاح الحوثيون آخر ورقة توت عن عورة ثلاثية النظام القديم، وفي المقابل وعلى حرارة القضايا والأحداث المتسارعة أصبح الحوثيون مصدراً للكثير من المخاوف المبررة وغير المبررة. لقد نجحت المشاركة الإيجابية للحوثيين في عملية الحوار في تبديد كثير من المخاوف الوهمية، على أن المشكلة الحوثية بعيداً عن كل ذلك تظل مشكلة حقيقية، وتتحدد بشكل موضوعي في كونهم حركة إسلام سياسي، وجماعة مسلحة. لا يمكن ل«أنصار الله» التهرب عن واقعهم المشكِل هذا، والتزاماتهم في الحوار، أمام الدولة لا أمام علي محسن، وأمام الشعب، لا أمام الجماعات المسلحة الأخرى، لا بد من تخليهم عن السلاح، وانخراطهم كحزب سياسي خالص في العملية السياسية والسلطة، في ظل نظام مدني ودولة قوية وعملية إصلاح شاملة تتضمن نزع السلاح عن مختلف حركات الإسلام السياسي، وضمانة سيادة الدولة وحقوق المواطنة في كلِّ شبر من الوطن.