ما حدث في صنعاء لم يكن فجأة أو بلا ثمن، فالمغرمون بالفوضى واحتراف الثورة كانوا على علم بذلك. من ينتظرون النتائج دون الولوج إلى الأسباب هم الذين تفاجأوا بما جرى. أما الذين كانوا يقرأون المعطيات فقد كانوا على علم بأن المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بنعمر كان لديه خارطة طريق مرسومة لليمن بدأها بتقسيم اليمن إلى ستة أقاليم وألحقها بتهيئة الظروف للحوثي ليمر بسلام من صعدة إلى عمران إلى صنعاء. قد يكون الوضع سيئا لكن كل هذه المعاناة التي يمر بها الشعب اليمني خلال هذه المرحلة قد أثبتت أن المؤتمر الشعبي العام كان على صواب حينما جنب البلاد ويلات الحرب والعنف والخراب. لكن ذلك غير كافٍ فالمؤتمر الشعبي العام تخلى عن دوره وترك الساحة لقوى لا تحمل مشاريع وطنية وهي تنزلق بالوطن نحو توسيع رقعة الحرب الأهلية. الكل بات يصرخ في وجه المؤتمر ويستصرخه بأن الحوثي والإخوان هما وجهان لعملة واحدة هي عملة التطرف والغلو والعنف بدرجاته المختلفة. الشعب اليمني يراهن على المؤتمر الشعب العام ليكون حلاً وسطاً بين هاتين الجماعتين اللتين تحملان مشاريع للموت وليست للحياة. وعلى المؤتمر أن يدرك أن اليمن في أضعف حالاتها هي قوة يكسب من يراهن عليها وعلى قدراتها. الفرصة أمست مواتية أمام المؤتمر الشعبي العام خاصة بعد تصفية الفرقة الأولى مدرع وجامعة الإيمان باعتبار ما جرى يعد من سمات وجود الدولة اليمنية. وما لا شك فيه أن العالم يعترف اليوم بأن المؤتمر الشعبي العام كان على صواب في خياراته في نقل السلطة وأنه المؤهل اليوم لقيادة البلاد لتهذيب الصراع بين الأطراف المتصارعة. وقد أضحى العالم على استعداد للتحالف مع المؤتمر الشعبي لمواجهة الإرهاب. لقد استطاع المؤتمر أن يتعايش مع المخاطر التي أحدقت به وفي نفس الوقت كان يقاومها. ولست بحاجة لتذكير قيادة المؤتمر بأن المؤامرة ما زالت مستمرة ومخاطر التمزيق تحاصر اليمن والقائمين على السلطة ضعفاء وغير قادرين على حماية الأمن العام. لهذا مطلوب منه أن يلبي واجب البدء في إعادة بناء اليمن والحفاظ على المكتسبات التي تحققت خلال المرحلة الماضية. المطلوب تغيير اليمن وإخراجها من عالم الفوضى إلى دنيا الأمن والاستقرار. اليمن جغرافيا وتاريخ، وهي لا تتحكم في باب المندب فحسب وإنما ينبغي أن تقدم رسالة إلى العالم بأننا نريد خدمة التجارة الدولية من خلال إتاحة الفرصة لعدد كبير من السفن للعبور بأمان. ربما عرف المؤتمريون الكثير من خيبات الأمل من قياداتهم تارة، ومن الآخرين تارة أخرى، لكن صبرهم خلال الثلاث السنوات الماضية قد أعطاهم قوة دافعة عليهم أن يحسنوا استغلالها وأن يتعرفوا على نقاط ضعفهم وما كان سبباً في تراجع حزبهم وإخفاقه خلال السنوات الماضية. وعلى المؤتمر الشعبي العام ألاّ يخفق مرة أخرى، وعليه أن يركز على ما لديه من ثروة بشرية كماً ونوعاً، وبصراحة فإن قواعد المؤتمر تحتاج إلى التأهيل والتدريب فقد أهملت كثيراً ولم يتم الاستفادة من معهد الميثاق. إذا أراد المؤتمر أن يحافظ على مكتسبات البلاد فعليه أن يقوم بدوره الآن وليس غداً، وعليه أن يوقف المشاريع التي تستهدف الوطن وتدخله في صراعات مجانية تقضي على الوحدة الوطنية وعلى النسيج الاجتماعي وعلى التنمية. تحتاج اليمن في الوقت الراهن إلى زيادة ساعات العمل، والعمل الشاق، والقيادة الرشيدة القادرة على تحويل الأحلام إلى رؤى والرؤى إلى استراتيجيات والاستراتيجيات إلى خطط للعمل. ولن يتم ذلك ما دام المؤتمر الشعبي العام مختطفا بيد الأمانة العامة. كان رئيس المؤتمر الشعبي العام في الماضي يحتاج إلى أهل الثقة على حساب أهل الخبرة، فأصبح من حوله اليوم لا هم أهل ثقة ولا هم أهل خبرة، فشكلوا قوة المؤتمر وعطلوا عناصر القوة فيه حتى جعلوه جسداً بلا رأس.