من كان يتصور أن دولة الزيت التي يحكمها رعاء الشاة المتطاولون في البنيان ستقود يوما حلفا عسكريا لما لا يقل عن عشر دول من دول الأعراب.. تسندها عشرات دول من دول اليهود والصليبيين والأعراب. من كان يتصور أن غلاما أهوج لا يعرف عن الحرب حتى اسمها كما وصفه وزير خارجية سابق وجنرال لأعظم دولة في العالم، سيقود أساطيل جوية وبحرية لدول كثار فيها دول عظمى ضد بلد فقير هو اليمن. من كان يتصور أن شعبا تعداده خمسة وعشرون مليونا سيحاصر برا وبحرا وجوا وستقصف قراه ومدنه ومنشآته -والعالم يتفرج ببلاهة وصمت- من قبل هذه الدولة وستضرب طوقا على هذه الأرض التي عظمها الله بقدر ما حقر هؤلاء الأعراب في تنزيله بحيث لا يدخل داخل إلا بإذنهم ولا يخرج خارج إلا بإذنهم . من كان يتصور أنهم سيحرمونه من الغذاء والدواء والنفط والسلاح وسيحرمونه موارده كلها لكي يموت جوعا وعطشا وقتلا وتشريدا.. ولكي يجثو على ركبتيه بين أيديهم، وخابوا وخسروا. **** لا أحد كان يتوقع ذلك ولكن بالمقابل من كان يتخيل أن هذا الشعب الذي دمروا جيشه ومنشآته وأسلحته سيصمد كل هذا الصمود طوال أكثر من نصف عام حتى هذه اللحظة ولديه الاستعداد أن يصمد سنين كما يعبر عنه رموز الزعامة والسيادة فيه. من كان يتوقع أنه لن يركع إلا لله ولن يستنجد إلا بمولاه ويحمل أهلوه المجاهدون أرواحهم على أكفهم ويصمدون صمودا أسطوريا ضد الغزاة دون شكوى ولا التفات ولا مسكنة ولا مذلة.. كل هذا عجب ولكن أعجب العجب أن يتحول الغزاة إلى مدافعين في داخل الأراضي التي احتلت قبل 80 عاما.. والطالبون إلى مطلوبين.. ولا يبحث اليمنيون عن طوق نجاة تنقذهم من شيء بل يزحفون باتجاه أعدائهم لا ليدفعوا الضر فحسب ولكن ليلحقوا الضر بأهله اللئام بمن طلب إضرارهم من أجل وقاية إسرائيل من تهديد هذا الشعب الأصيل الذي ظل يحتفظ بغيرته ونخوته على لسان زعمائه وقادته السياسيين. وأعجب العجب أن اليمنيين يفعلون ذلك بغير رئيس وبغير حكومة وبغير جيش، بغير طيران، بغير قوات بحرية، بغير وزير دفاع، بغير ميزانية، بغير سلاح، بغير وسائل اتصالات وبغير مجلس نواب وبغير مجلس شورى وبغير حلفاء وبغير أنصار من دول العالم كله. وأعجب العجب أنه كان شعب اليمن يبحث على لسان قادته وقواه الحية طريقا توصلهم إلى فلسطين عبر ممالك العهر والفضيحة لينجدوا إخوانهم هناك لعشرات السنين وكانوا يسخرون منا كلما طلبنا، فمن كان يتصور أن هذه الممالك ستمهد لشعب اليمن الطريق لتصبح سالكة إلى بيت المقدس لا يفصلهم عنها إلا أراضي الغزو المباحة لنا فتحها واتخاذها طريقا إلى أعدائنا بسر قوله تعالى: "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير". وبسر قوله تعالى: "قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة". أجل.. ذلك هو أعجب العجب.