وصل الحال ببعض البشر في العام 2011م أن يقول بالحرف الواحد (لو وصلت ليقين كامل بأن ما تذكره من أحاديث عن عدم جواز الخروج على الحاكم إلا في حالة الكُفر البواح قد جاءت بالفعل على لسان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، أو أن تفسير تلك الآيات الكريمة الواردة في القرآن الكريم التي تستشهد بها يسير في ذات السياق؛ لكفرت بالمصدرين معاً ولخرجت من مِلة الإسلام)، وردني ذلك كتابياً من أستاذ جامعي وسمعته من شاب محدود الثقافة، بينما ذهب طالب جامعي أنهى للتو حياته الجامعية وحصل على البكالوريوس للتشكيك في كل ما تعلمناه منذ نعومة أظافرنا حول ذات الموضوع في مادتي : القرآن الكريم والتربية الإسلامية، مشيراً إلى أن علماء السُلطان هم من أقحموا تفسير الآيات الكريمة وشرح الأحاديث النبوية بتلك الكيفية لتدعيم جلوس الحاكم على كرسي الحكم للأبد، طالما لم يصدر عنه من الأفعال أو الأقوال ما يمكن اعتباره كُفْراً بواحاً. ويرى أولئك أنه إن صحت تلك التفسيرات، فإن الخروج على الإمام البدر، وإعلان الثورة عليه في السادس والعشرين من سبتمبر من العام 1962م، واستبدال النظام الملكي بالنظام الجمهوري لم يكُن جائزاً شرعاً هو الآخر. مثل أولئك ومن هم على شاكلتهم سبق أن وصفنا حالهم في تناولات سابقة، بأن الملائكة ذاتها لو هبطت إليهم لتُبدل قناعاتهم وما ترسخ لديهم من معتقدات لما أفلحوا، فالوحيدون القادرون على ذلك هم قياداتهم الحِزبية وحدها، تلك القيادات التي إن أوحت لهم أو لمحت مجرد التلميح اليوم أو غداً بأنه ثبت لديها قطعياً بأن الرئيس علي عبدالله صالح يستحق بجدارة النظر إليه على أنه الخليفة السادس من الخلفاء الراشدين، وأنه واجب الطاعة التامة دونما نقاش أو جدال، وأنه ينبغي عليهم الاعتذار له وطلب الصفح والمسامحة منه عن ما بدر منهم من إساءات وإهانات وقدح وذم وتجريح خلال الأعوام الماضية، وأنه لا يجوز الاستمرار في التنابز معه بالألقاب، والتوقف عن توجيه أي انتقاد له، والكف عن مناداته ب (عفاش) أو الرئيس المخلوع، لاستجابوا لكل ذلك على الفور واعتبروه فتاوى شرعية واجبة التنفيذ دون إبطاء. مثل أولئك الذين يخْلون المُخ في جماجمهم من العقل، إن صدرت من قياداتهم تلك الفتاوى، فلن يكون من المستغرب ولا من المدهش أن يعتلي فقهاؤهم وعلماؤهم المنابر متفاخرين معتزين بمدى شجاعتهم ورجولتهم لقيامهم بمراجعة أنفسهم وطلبهم التوبة والغفران من الله، وعدم المكابرة وعدم العناد وعدم الإصرار على المُضي في الطريق الخطأ، واعترافهم وإقرارهم بما وقعوا فيه من الذنوب التي اقترفتها أياديهم الآثمة، لأنهم بشر يخطئون ويصيبون وليسوا ملائكة منزهين عن كل ذلك، بل لا عجب حينئذٍ أن تجد منهم من يؤكد أن ما يتعرض له الوطن بأكمله من ويلات حتى اليوم ليس سوى انتقام وغضب إلهي ناتج عن خروجهم على الرئيس الصالح ومطالبتهم برحيله من كرسي السلطة. مثل أولئك الذين يتخذون من قياداتهم الحزبية أرباباً من دون الله، معتقدين أن تلك القيادات ستُقربهم إلى الله زُلفى بطاعتهم العمياء لها، مازالوا يبثون سمومهم بين عامة الناس بأنه لابد من وقف إطلاق النار ولو من جانب واحد، ويقصدون بذلك الجانب أبطال الجيش واللجان الشعبية الميامين، متناسين أنهم بدعوتهم المريبة تلك إنما يطالبون (الضحية) المعتدى عليه بالتوقف عن الدفاع عن نفسه، والسماح للمعتدين بالاستمرار بعدوانهم الوحشي حتى يتم له التمكين من تحقيق مآربهم وغاياتهم القذرة. وتتناسى تلك الأبواق المنزوعة العقل الفاقدة القُدرة على الفهم والتفكير والتدَبُّر والتمييز، أننا ونحن من تعرضنا للاعتداء الهمجي علينا صبرنا أربعين يوم وليلة منذ بدأ المعتدي الغاشم بعدوانه قبل أن نبدأ باستخدام حقنا المشروع وفق كل النواميس الربانية والقوانين الوضعية بالدفاع عن أنفسنا وعن وطننا، وأننا لسنا سوى دولة واحدة فقيرة متهالكة اقتصادياً مهيكلة عسكرياً مُصنفة دولياً بالأقل نمواً في العالم تدافع بأبطالها الميامين عن كيانها بكل ما وهبها الله من قوة وإرادة وعزيمة وإيمان عميق بعدالة قضيتها، ووعد الله لأولئك الأبطال الميامين بالنصر طالما كانوا مستضعفين في الأرض يتصدون لمن اعتدى عليهم في عُقر ديارهم، يقفون بمفردهم في مواجهة ذلك المعتدي المنضوي في تحالف دولي جرار بكل إمكانياته وقدراته وعُدته وعتاده. مثل أولئك الذين مازالوا يأتمرون بأمر قياداتهم القابعة تحت نعال (جُهال) آل سعود، ليقينهم المُطلق بأن تلك القيادات تقف دوماً إلى جانب الحق المبين، ومحال عليها الانزلاق إلى شبهة الضلال المبين، يغيب عنهم أن (اليمن) العظيم بعشرات الآلاف من رجاله وأبطاله الميامين قد شكلوا مع أشقائهم في أرض الرافدين جبهة فولاذية منيعة وحائط صدٍ متين في وجه المطامع الإيرانية والمد الفارسي في حرب الأعوام الثمانية التي امتدت ما بين العامين 1980 – 1988م، وأنه وفقاً لما تقدم فمن سابع المستحيلات على اليمانيين القبول بأن يكونوا ذراعاً إيرانية تحركها كيفما تشاء بما يخدم أطماعها ومصالحها. مثل أولئك الذين اتخذوا من قياداتهم أصناما لعلها تقربهم إلي الله زلفي، ويغيب عنهم أن تلك القيادات السياسية والدينية زائلة وغير مخلدة، وأن تلك القيادات عند العرض علي بارئها ستتنصل منهم، وستنكر أي صلة لها بهم، وستتبرأ من تحمل أي مسؤولية تجاههم، وتعمي بصائرهم عن إدراك حقيقة أنهم هم كذلك ملاقون ربهم وموقوفون بين يديه، ومحاسبون علي كل ما صدر منهم من فعل أو قول أو حتي صمت وتخاذل في غير محلهما عن منكرٍ بَيِّنٍ شهدوه بأمِّ أعينهم موالاةً لشياطينهم، ولن يغني عنهم يومئذ احتجاجهم بأنهم إنما ألغوا عقولهم وأفئدتهم وكفوا أبصارهم وبصائرهم اعتمادا علي ما أفتي به كُبَرَاؤهم وعُلماؤهم وفُقهاؤهم.