في ثلاثينيات القرن الماضي تمكن الأمير فيصل بن عبدالعزيز بمساندة البوارج البريطانية من اجتياح سهل تهامة والسيطرة على الحديدة ووصلت دورياته إلى المخا، فأرسل يعرض على والده بحماس شديد الالتفاف شرقاً بموازاة حدود المحميات البريطانية في الجنوب وضم المملكة اليمنية إلى أراضي المملكة السعودية، لكنه فوجئ بأن والده لم يبال كثيراً بالنصر الذي حققه وطلب منه الرجوع قائلاً: "إنك لم تقاتل اليمنيين بعد، عُد فأنا لا أريد أن أخسر رجالي في جبال اليمن كما خسر العثمانيون جيوشهم من قبل". كان الملك عبدالعزيز يعرف أن ما قاله بالغ القسوة على نفس ولده الطموح ومقاتليه الشجعان لكنه كان يرى قوات الأمير أحمد حميد الدين قد هزمت جيش ولده سعود في المخلاف السليماني وتتقدم صوب الطائف، ويُدرك أن التفاف الجيش اليمني قد يدفن ولده الشجاع فيصل وجيشه، وانتصارهم في سهل تهامة كما دفن الكثير قبلهم، فاختار التخلِّي عن النصر الصوري كبادرة حسن نية.. ليتمكن من التفاوض بسوء نية والخروج باتفاقية الطائف التي تمنحه السيطرة على المخلاف السليماني كاملاً. لقد كان محنكاً بما يكفي للتعامل مع قساوة الحقائق بدلاً من مطاردة أشباح النصر الكاذب. أما اليوم فلدى أحفاده من خفة العقل ما يكفي لإغراق مملكته الشاسعة في ملاحقة الانتصارات الوهمية بالمرتزقة والإرهابيين طوراً في الشرق، وطوراً في الغرب بحثاً عن الأوراق التفاوضية وسط رمال مأرب والجوف أو في شواطئ المخا وباب المندب. يريدون مثل فيصل التوغل بمرتزقتهم على حدود المحميات البريطانية، لا يدفعهم طموحه لضم أرض إلى مملكة آل سعود وإنما يدفعهم هذه المرة غباء بن سلمان لإقامة دولة للمرتزقة والإرهابيين في شواطئ خليج عدن وباب المندب بأموال المنطقة الشرقية وأراضي المخلاف السليماني. قالوا إن من لا يقرأ التاريخ يكرره، أما المهفوف فيجعل من التاريخ سرجاً على ظهره ويدفع المال لمن يعتلي صهوته في جبال نهم أو سهل تهامة.