في ساحة العروض بعدن بين الحشد والحشد مسافة تفتقر إلى أدنى قيم الحقيقة والمنطق الواعي السليم والصادق من كلا الطرفين. فحشد الحراك الذي يحركه الحقد وأفلاطونية الأحلام التي يؤمن في قرارة نفسه بفشلها، كون الحلم شيئاً والواقع شيئاً آخر. وأما حشد الإصلاح المستفز لمشاعر أبناء الجنوب والشمال والذين يحاولون من خلاله إصلاح ما أفسدته بلادة عقولهم المتحجرة في الماضي ليحسنوا صورتهم العارية من كل قيمة نبيلة بعد أن كشف وصولهم إلى السلطة في مصر وجزء منها في اليمن حقيقة نواياهم وقابليتهم للتنازل عن كل ما خرجوا من أجله بالأمس القريب مقابل وصولهم إلى السلطة وبمرونة منقطعة النظير مع الآخر العدو، لما تقتضيه مصلحة الجماعة . ويمكن اعتبار أن اللا أخلاقية هي السمة المشتركة التي يتسم بها طرفا المعادلة من خلال تنصيب أنفسهم ناطقين باسم الشعب دون تفويض من أحد.ولعل (إخوان الأمس) الرجعيين يحاولون اليوم تطهير لحاهم من بقايا لعاب الفتاوى التي سالت من أفواههم في الماضي، مختبئين تحت عباءة الشعارات الوطنية ليتصفوا بالحارس الأمين للوحدة ومكتسباتها والتي لم يكن لهم فيها لا ناقة ولا جمل، بل على العكس فهم من أهم أسباب القضاء على غاية وجودها حين حدوا ألسنتهم، وسخروا كل إمكاناتهم وفدائييهم ليجعلوا من الجنوب والجنوبيين الملهمين بتجربتهم الرائدة في الانفتاح والرقي الإنساني، اكتسبوها من معايشتهم للاستعمار البغيض حقبة زمنية ليست بقصيرة. أضف إلى ذلك توفر جزء ليس بقليل من ملامح الدولة المدنية التي ننشدها اليوم بما وصل إليه الجزء الشمالي من الوطن من التطور الفارق على مستوى الجزيرة العربية ككل، جاعلين من الجنوب والجنوبيين نسخة مكررة من الشمال المتكدس تحت جلابيب الرجعية والتخلف. وهذا ما تخلت عنه (إخوانية) الأمس الرجعية والمتشددة إلى (إخوانية اليوم الأوروبية) القابلة بالتنازل لأي طرف كان عن كل القيم التي خرموا آذاننا بها أزمنة طويلة متخلين عن كل الشعارات البطولية والحماسية ومشروع تحرير الأقصى وغيرها.كل ذلك مقابل استفرادهم بالسلطة المطلقة، التي تحل لهم دون غيرهم ممارسة كل ما كان محرما على سابقيهم. وكي لا أذهب بعيداً، أقول للحراك وللإصلاح: الوحدة هي الحقيقة الوحيدة في زمن الوهم، وهي الشيء الوحيد الذي يستحق أن نؤمن به في زمن الكفر بكل المبادئ التي تخلى عنها البعض مقرراً لمصيره بأنانية مطلقة بسبب أخطاء اقترفها أشخاص وثلة يعرفهم الجميع بحق الشمال قبل الجنوب، وعلى الجميع أن يدرك أن بقاء الوحدة أو فك الارتباط لن يقرره حشد من هنا أو من هناك، فالوحدة اليمنية ليست ملكاً لليمنيين وحدهم، وإنما هي حقيقة آمن بها كل عربي أصيل ومن حقه ككل يمني أن يدافع عنها.