يحكمون، وينكرون أنهم يحكمون.. يسرقون، وينكرون أنهم يسرقون.. يهبرون، وينكرون أنهم يهبرون.. يقمعون الاحتجاجات والاعتصامات السلمية، وينكرون أنهم يمارسون القمع.. يطلقون الرصاصَ الحيَّ على المتظاهرين وعلى المعتصمين السلميين وينكرون أنهم أمروا بإطلاق الرصاص الحي. يحتكرون الوظائف ويستأثرون بها، ويفصِّلونها على مقاس أحزابهم وأقاربهم، وينكرون أنهم احتكروا واستأثروا وفصَّلوا. يُلغون ويُقصون من ليس معهم، وينكرون أنهم يمارسون الإقصاء والإلغاء.. يجلسون على كراسي المسؤلية، وينكرون أنهم مسؤولون. أنهم داخلون في الربح خارجون من الخسارة. ولكن لمَ الدهشة؟ ولماذا علينا أن نندهش ونستغرب عندما نسمعهم ينكرون؟ أن الإنكار من طبيعة اللصوص، وإن من عادة كلِّ لص أن ينكر ويلوذ بالإنكار. غير أن الفرقَ بين لصوصِ الثوراتِ وبين غيرهم من اللُّصوصِ العاديين هو أن لصوصَ الثورات يريدون إقناعنا بأنهم ليسوا لصوصاً وإنما هم ثوارٌ وأبطالٌ ومنقذون. وهؤلاء الذين سرقوا ثورة الشباب وسرقوا حلمَهم بالتغيير بمجرد أن وصلوا إلى السلطة، وبمجرد أن سيطروا على جهاز التزوير "الإعلام" يريدون إقناعنا وإقناع شعبنا بأنهم هم الثوار الحقيقيون، وبأن شباب وشهداء وجرحى الثورة هم الخونة. ولكي يثبت اللُّصوصُ الجددُ ثوريتهم رفعوا شعار: "لا صوت يعلو على سوط الثورة"، وراحوا يجلدون الثوارَ بسوطهم الثوري، بغية إسكات كلِّ صوت حر، كما راحوا يشدخون رؤوس الجرحى المعتصمين ورؤوس من يتضامن معهم ب"صميل" الثورة. قد يتساءل بعضكم قائلاً: لماذا كلُّ هذا الحقد على جرحى الثورة؟ والحقيقة أن لصوصَ الثورات في كلِّ زمانٍ ومكانٍ لا يخافون من شهداء الثورة، وإنما يخافون كلَّ الخوف من الجرحى. ذلك لأن الشهيدَ لا يرى اللُّصوصَ وهم يصعدون على دمه إلى كرسي السلطة.. أما الجريح فإنه يرى اللُّصوصَ بعيون جراحه.. يراهم وهم يسطون على ثورته، يراهم وهم يصعدون إلى السلطة على سُلَّم من دماءِ إخوته ورفاقه الشهداء وعلى سُلَّم جراحه.