ألا يكفي الجنوب صراخاً كل أيام السنين الماضية ليصمت اليوم ؟!! فقد أزعجنا (!!) حقاً لم نعد نطيق الاحتمال .. اذهبوا حيث تشاؤون .. سمّوا انفسكم الجنوب العربي أو الشرق الأدنى ، أو مملكة (البيض) ، ولن يهمني حتى عودة الحزب الاشتراكي ليحكم كما كان يفعل فيما مضى ، فيصبح كدولة (عبدالرحمن الداخل) التي أسسها في قلب أوروبا ،وكان الأموي الوحيد في منظومة العهد العباسي. لم أعد أكترث بحدود السماء التي توسعت حين وعيت على قوانين السفر والترحال فلم تحجزني هوية ولم أتوقف في نقطة (كرش) .. ليس لي جواز شمالي .. كنت يمنياً وما زلت أفخر بهذا الأصل وتلك الهوية حتى وإن تدحرجت دولتي إلى ما يشبه الضعف المنكسر ، فثمن الوحدة أن ندفع كلانا من قوت بعضنا ومن سيطرة النافذين ومن كل شيء يدمر أحلامنا وينحر مستقبلنا ، فلسنا سيئين إلى الحد الذي يجعل جزءاً من جسدي وأرضي وهويتي يتنكر لتاريخه وينسى نفسه معي ويأخذ مستوعباً يريد ملأه بآلاف المظالم وهو يجحد مظلمتي التي أقتسمها معه (!!). ما شأني بعلي محسن الأحمر ، وعلي سالم البيض وياسين سعيد وباسندوة وعلي عبدالله صالح؟! لم أكن اعرف ما يفعل الديلمي حين قرر أن يفتي على رأس الحرب فيحفز عقيدة مليشياته المسلحة ولجانه الشعبية التي اقتحمت عدن بقيادة مؤلف "ألف ساعة حرب" ،لم أعرف أن (السيلي) كان أسطورة الجنوب ، ولم أقرأ عن حياة علي عنتر وفتاح وصالح مصلح وغيرهم من ضحايا 86م ، فما زلت أذكر حزن المذيع وهو يسأل : هل صارت عدن مثل أوديب في تلك المأساة الإنسانية ؟ كان المذيع الذي لا أعرف غيره شاهداً على أحداث فترة جارحة ودموية من تاريخ الأمة في الشطر الجنوبي منقبضاً وتائهاً ،وكانت مشاعر طفل الابتدائية تتحدث عن كارثة في عدن ، ولم اكترث لاحقا بمعرفة ماذا حدث ؟ فقد وعيت على رئيس وحياة واستقرار ولم أعرف يوماً قضايا الحروب ومعارك الجنون إلا بعد أعوام من مجيئكم إلينا طلباً للوحدة التي لا أريد أن أشعر أنها سبب تعاستي وفقدان جيل متسع من الشماليين لحياة الترف ،وعزوف أغلبهم عن وظيفة الدولة ،وحياة الهدوء ومستقبل العيش السموح . لا أريد أن أتذكر الوحدة بالسيئات ،وأنها أشعرتني بالفاقة المتضائلة في الحاجة لنعيم أو مشارف أمل . كل ما جنيناه هو صراعاتكم ، وكل ما خلفته الوحدة هو محاولة الحفاظ عليكم ، والخوف من غضبكم ، كأن الوحدة بقرة حلوب ما فتئنا نشرب من ثديها لبن الحياة وسقيا الترف . دعونا نتحدث بكل صراحة : هل تريدون وحدة جديدة تقوم على أساس مخرجات الحوار وتقرر ما أوصلنا إليه نخبة اليمن ورجالها أو ارحلوا اليوم وليس غداً ؟ خذوا ما شئتم ودعونا وشأننا ، ولست آسفاً على شيء إلا على "عدن" التي لن تروا مجدها يوماً .. ولن أحفل بزيارتها مرة أخرى . وإلى لقاء يتجدد ..