- يا إلهي .. من أكل كل هذا ؟! ، شهقت بهذا السؤال المرتفع .. وغابت إجابته في زخم ممتد من الجموع الكثيفة كيوم الحشر العظيم ..!! ، ابتسم صاحبي الخائن بصفات الذئب، وحكى لي قبل أن يرفع سلاحه في وجهي عن سطوة القبيلة ، وحاجتها لموائد اللحم الشهي لتعزيز ثقة القبائل بكرمها ، وشجاعتها المرتبطة أولاً بمعدة القبيلي..!! . - عشرون خيمة عملاقة .. دمرتها شراهة الضيوف المجتمعين من أقطاب اليمن ورجاله .. تكثفت حلقات (البرع) الفاتح للشهية ..!! ، وصوت "بورزان" القبيلة ينفخ في وجه الضيف أهمية القدوم الممزوج بزامل الصوت الجهوري، وحملة السلاح فخر يُطاول الشموخ بنصر تنموي لهذه الأمة التي لا تفقد شهيتها ..!! . - آلاف القوارير المعدنية شربها "التتار" ، وقد تذكرت وصفاً دقيقاً لزعيم "ليبيا" الشهيد يصفنا بأشباه قوم يأجوج ومأجوج، والحكاية الأسطورية عن شربهم قيعان المحيطات المالحة والميتة ، وقلت في نفسي : صدقت يا مُعمر ..!! ، فهؤلاء رُسل أهلهم البعيدين، وكيف بهم وقد جاؤوا بقضّهم وقضيضهم يلتهمون قيعان الطريق الممتدة ، ويجرفون كل آمال الحضارة التي تتوقف عند شبق "اللحم المذهل" !! . - تتعطل التنمية في اليمن إرضاءً لساسة البلاد المراهقين .. وتجدهم فرقاء في كل شيء إلا اللحم ، والقات ..!! ، وتزداد حرارة الأكل بمشهيات الحديث عن وقائع الحرب القريبة من موقع الدسم اللامتناهي، وكيف أن القبيلة المجاورة فتكت بقرابة العشرين شخصاً منذ ثلاثين عاماً خلت ، ولا زالت الحرب تسري في أوصال الجاهلية سعياً للوصول لاحتكام كامل على قاع جفف الدم ينابيعه النقية ..!! . - حرب الموائد أشد فتكاً من رصاص القبائل، فنخوة اللحم المذبوح عند كل مائدة غداء مطلب متأصل في عُرف القبيلة المتسم بالكرامة الشاهقة، لكن حال النزاعات المؤلمة يفكك تاريخ الشهامة الأصيلة ، ويعيد صياغة الحروف لتختفي ملامح التاريخ العربي، بقدوم سلسلة من الثارات التي اختلطت بتحررية المدني ، وصلابة الريفي .. فأنتجت صلابة متحررة تشوه تاريخ القبيلة اليمنية العتيقة ..!! - كان فرقاء المؤتمر والمشترك وأحزاب ال"بدون" حاضرين بشدة على مائدة الضحك الُمحلى بتوقيعهم لحملة الإعصار على ما دون الحديد والزجاج، فالتهمت الأذرع والأفواه كل هذه الثروة الحيوانية الضخمة، حتى حسبت اليمن خلت من الأنعام ، وأصابها جوع يمّم القبائل شطر "العُرس" فجاؤوا عن بكرة أبيهم ممثلين عن صنعاء وذمار وقبائل قيفة ومراد والحدأ وغيرها من مفاخر القبائل اليمنية العزيزة . - لم يكن الآتون إلى حفلة العرس بحاجة لفريسة مطبوخة يلتهمون عظامها بفم شهي ، غير أن تدشين الفرح في حد ذاته إثبات متجدد لمكانة المضيف بين قبائله .. ورسالة لكل بعيد يجهل عنفوان الإسراف .. بأننا ذووا زخم لا ينقطع ..!! - جلست القرفصاء في حلقة التهام باذخ على شرف لحوم تقاذفت بسخاء إلى حلقتي إعتناءً ببعض الكبار الذين أكلوا مرافقهم الحكومية، وجاؤوا لإثبات قدرتهم على قطع لحوم البقر ، والبشر !! ، زاحمني رجل في عقده الثالث .. تسمرت عيناه على اللحم المتناثر بين أيدينا ..مّد ذراعه وفمه .. أكل بنهم أسعدني فيه كل هذا الحنين الجارف للحم الضأن متعدد الشواء ..!! . - التهم "الضيوف" كل موائد الخيام .. تذكرت "أم كلثوم" تغني : أيها الساهر تغفو .. تذكُر (اللحم) وتصحو ..!! ، فضحكت بشره ينافس شراهة صاحبي آكل اللحوم المذهل ..!! ، تنافس البشر على الزحام الصعب لدخول حلبة الموائد المرصعة بالفاكهة والغنيمة .. وظننت ثأراً قديماً بيننا وقناطر اللحم المتدفق حتى يتم الفتك بها بهذه الصورة المقلقة .. !!. - تتعدد الأفراح العملاقة .. وتأخذ في مناحي الفخر كل سبب لتقوية الهيمنة المفترسة، تتقاطر "الوحوش" بلباسها الأنيق ، ونظاراتها الباهظة .. تصمت .. لكنه صمت ما قبل عاصفة الالتهام المفجع .. وتكاد تحسب بيوتهم التي تأسست وتمددت بمال دافعي الضرائب خالية من دسم الموائد الباذخة ..!!. - لماذا يدعو المسئول الكبير وقد تورمت خزائنه .. مسئولاً متورماً آخر .. ؟! وترتفع كلفة ضجيجهم الفاخر بأرقام لا يقدر على دفعها أهالي مدينة بأكملها ، ولماذا لا نسدد ضريبة العبث الفارغ بنعم الله جل وعلا .. إلا على وقع طبول التفاني في تعزيز مكانة عززتها المسؤولية ، وحُمّى النفوذ المترامي ..؟! . - إن أسئلة كهذه تذوب .. وتنصهر ، وتعاود الخرافة مصيرها المؤسف بإذكاء نعرات الاستفزاز المقابل لحياة الناس البسيطة ، وتخليهم عن مباهج الفرح الكبير .. حرصاً على عدم تبديد مخازن المستقبل .. وهناك ملايين من شباب هذه البلاد الطيبة ينتظرون على عجل فرصة القيام بمسؤولية تكوين العائلة الجديدة.. لكن فقر الحال .. ضعف الحال مأساتهم .. !! . - كل ما مضى ، وما سيأتي من صيد متوقع لآلاف العجول السمينة يدمر فكرة العيش المتناسق بين فئات الشعب الكبيرة أو الصغيرة .. ويولد كراهية لا حدود لها ، ربما تضيع في زخم الجموع المفترسة .. لكنها تُظهر في سويداء القلب غصة مؤلمة تتضخم باستمرار فساد البذخ المستحيل لإظهار فرحة الأولاد الذين لا يعرفون التعاسة .. والفقر العنيد ..!! وإلى لقاء يتجدد ،،