كتب شعراً وصل صدى حروفه إلى أقاصي البلاد، فكان الشاعر السوري نزار قباني الذي احتفلت غوغل بذكرى ميلاده الاثنين 21 مارس/ آذار أكثر من كتب شعراً في المرأة وحقّق نجومية بتلك القصائد. ولكن ما هي المواقف التي شكّلت وجدان نزار وجعلته شاعر الحب والمرأة بامتياز، كما جعلته شاعر الرفض السياسي والتمرّد كذلك.
1- انتحار أخته وصال
انتحار وصال في طفولة نزار عرّضه لتجربة قاسية للغاية عندما رأى موت أخته غير الشقيقة وصال القباني التي أخبروه وقتها أنها ماتت بسبب مرض بالقلب، لكنه عرف لاحقاً أنها ماتت بسبب الحب. يقول نزار في مذكراته إنها انتحرت بسبب محاولة أهلها إرغامها على الزواج من شخصٍ لا تحبه. وتقول روايات أخرى أن وصال انتحرت بسبب هجر حبيبها لها. أيّاً كان السبب فقد جعله الانتحار شاعراً يدافع عن حقّ المرأة في الحب. يقول عن وفاة أخته "إن الحب في العالم العربي سجينٌ وأريد أن أحرّره". ويقول عن موت وصال "صورة أختي وهي تموت من أجل الحب محفورة في لحمي كانت ميتتها أجمل من رابعة العدوية".
2-هزيمة يونيو حوّلته لشاعر سياسي
عندما تخرّج نزار في كلية الحقوق بجامعة دمشق التحق بالسلك الدبلوماسي، وذهب في أولى محطاته إلى القاهرة، وكان عمره 22 عاماً. ثم تجول في العالم من تركيا إلى لندن ومدريد والصين، قبل أن يستقر به المقام في بيروت ويهجر العمل السياسي والدبلوماسي، ليتفرغ للشعر في العام 66، مكرساً وقته لرسالته الشعرية بتحرير الحب العربي من الأغلال، والتي بدأها ب"قالت لي السمراء" و"طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات". لكن هزيمة يونيو لم تمهله، فقد فاجأت الهزيمة الشاعر الرومانسي فتورّط في السياسة، وكتب قصيدته ذائعة الصيت "هوامش على دفتر النكسة"، التي يقول فيها: "إذا خسرنا الحرب فلا غرابة، لأننا ندخلها بكلّ ما يملك الشرقي من مواهب الخطابة بالعنتريات التي لم تقتل ذبابة لأننا ندخلها بمنطق الطبلة والربابة" وتوسّع نزار في الكتابة السياسية الغاضبة والتي كانت تعكس موجات الغضب العربي بسبب الهزيمة، فكتب عن عنترة وكتب عن يوميات سيّاف عربي..
3- اغتيال بلقيس
تعرض الشاعر الراحل لتجربة قاسية مجدداً في العام 1982 عندما تم اغتيال زوجته الثانية بلقيس الراوي العراقية التي كانت تعمل بالسفارة العراقية ببيروت، في عملية انتحارية استهدفت السفارة خلال الحرب الأهلية اللبنانية. وكتب نزار رائعته "بلقيس"، متّهماً كل العرب باغتيالها.. يقول في قصيدته: "سأقول في التحقيق أني قد أعرف القاتلين بلقيس يا فرسي الجميلة إني من كل تاريخي خجول هذه بلاد يقتلون بها الخيول وقال لها في القصيدة أيضا: "الشعر بعدك مستحيل والأنوثة مستحيلة" وكان صادقاً فقط في نصف العبارة فلم يتزوج بعدها ولم يتورط في قصة حب، ولكنه ظل متورطاً في الشعر حتى كتب قصيدتيه الشهيرتين "متى يعلنون وفاة العرب"، منتقداً تراجع الأمة العربية، و"المهرولون" التي يهاجم فيها المسارعين إلى التطبيع مع إسرائيل. لم يتوقّف الجدل حول نزار وشعره، ولم تتوقف الاتهامات أيضاً واتهم بالإباحية لأنه تكلم عن لغة الجسد والعشق. وتطوّر الهجوم مع كتابيه"طفولة نهد " و"الرسم بالكلمات" لأنهما جاءا أكثر صراحة في الاهتمام بالجسد الأنثوي وحق المرأة في العشق. ولكن لحم نزار بعد ذلك لم يعد طرياً فقد تحمل الهجوم من رجال الدين ضد قصيدته الشهيرة "خبز وحشيش وقمار"، والتي بسببها طالب علماء الدين في سوريا بطرد الشاعر من السلك الدبلوماسي وتطور الأمر إلى مناقشة البرلمان السوري لقصيدة نزار في سابقة هي الأولى من نوعها. وبعد النكسة ثار جدلٌ عنيف حول حق الشاعر في انتقاد الناصرية ومصر بعد الهزيمة. لكنه لم يلتفت وظل يكتب الشعر السياسي الرافض لكل الأنظمة العربية. ثم عاد ليرثي عبد الناصر، الذي انتقده في هوامش النكسة، بقصيدة شهيرة بعد وفاته فكتب الهرم الرابع مات، التي أثارت جدلاً واسعاً بسبب تباين موقف نزار من الناصرية وعبد الناصر في الهزيمة والرحيل.