لقد أفرزت لنا هذه الحرب الطاحنة والتي تدور رحاها في الوطن وبينت لنا جليا نماذج جمة من البشر وكشفت لنا وجوها وعرت أقنعه ظلت لأعوام ترتدي ثوب الطهارة ونقاء الجسد والروح معا. فهناك بشر من الناس يجيدون فن التلون كالحرباء وحسب الحاجة وطبيعة المكان والمرحلة يتلونون بخبث لا مثيل له... وبإمكانهم إجادة التطبيل ومجاراة السيل الجارف وترديد النغمات على كافه الألوان . و الانكى من ذلك هو أن تجدهم في مقدمه الصفوف في طابور للزفة وجها بده في الثورية والوطنية و... مع العلم أنهم عراة أمام المجتمع بتاريخهم الملوث بعار التقلبات وبيع المواقف ومسايرة للوضع مهما كان فتجده ثوريا مع تجدد الثورات ومواكبا لها بانتهازيه مقيتة ونتنه وتجده عالما ببواطن الأمور كأنه إمبراطور وحاكم زمانه . تحركه غرائزه الميتة لاتجاه وضميره العفن لركوب الموجه والجلوس في المنصة كأنه الفارس المغوار . وهناك نماذج أخرى من البشر تحترم مواقفه وتجله وتشير إليه بالبنان كونه لا يدخل زفة المتلونين واعتلاء منصة التهويل وتزييف واقعه هؤلاء هم الشرفاء في هذا الوطن المنكوب يتألمون ويعانون ,يحاربون ,يهمشون فيقتلون أحيانا ويموتون كالغرباء أحيانا أخرى في زمن يعيش ويحيا حثالات للفكر وبلادة النهج في هذه المرحلة البائسة . اجل يموت الشرفاء على حافة الجوع والعوز والإذلال المميت . هناك نماذج من هؤلاء البشر الذين ظلت سيرتهم ناصعة البياض وضمائرهم حية وعقولهم ناضجة نيرة وبصماتهم على مدى التاريخ صارخة فهولاء هم الأكثر الناس مقهورين ومنبوذين في مجتمع يدجن ليتحول إلى قطيع واشياه أنعام .. بدون رؤية لمصير مجهول يساق له هذا الوطن المأزوم. ولا غرابه في وجود مثل هذه النماذج وانتشارها وخصوصا النموذج الأول من البشر الذين أراقونا ويلات الحروب وسعيرها وهم أكثر الناس خطورة كونهم يمارسون الهدم والانكسار والانبطاح وفق سيناريو ودهاليز الأزمات وتراكمها وطن يغرق الوطن وتزداد لهيب الأزمات وتتصارع الأفكار المختلفة والمتعددة تجدهم وكالعادة أول الناس المهرولين والهاربين للخارج حيث تشتد المواقف وتستعر الأفكار فتتحول من اختلاف ونقد ومواجهه بناءه إلى حروب تتصدرها فوهات المدافع و أزير الطائرات ورائحة الموت المنتشر في كل الأرجاء.. نعم اعرف الكثير من هؤلاء الذين ينفخون في تأجيج الفتن واشتعالها وينهبون خيرات هذا البلد وينتشون في أجساد السايرون في طابورهم المعتوه بلا هوادة هؤلاء هم الأكثر فسادا وخطورة فلا يبرزون إلا في زمن الحروب والأزمات للمتاجرة بالوطن والدماء.. ولكنهم سيظلون خارج التاريخ حتى وان تكررت ماسيهم وقذارتهم واتبعت حركتهم سيل من الأوباش وبائعي الوطن والتاريخ والإنسان فحتما سينتصر الحق ويفشل هؤلاء المتلونين في هذا السرك المشين بطابورهم العفن الغير قابل للتغير وتنتهي معه سيرة المتطفلين من البشر ..ويحيا الوطن بالشرفاء دوما ..