مشتريات المؤسسة لا تخضع لقرارات مجلس الوزراء وأسعارها الأسوأ الوزارة تتغاضى عن مخالفات المؤسسة وتوقع على سندات استلام مواد مخالفة قبل توريدها طعام الضباط والجنود «فاسد ومنتهي الصلاحية» وملابسهم لم تسلم منذ أربع سنوات.. تحتكر المؤسسة الاقتصادية اليمنية «الذراع الاستثماري والتجاري للجيش» تمويل الجيش والأمن بكل الاحتياجات من المواد الغذائية والملبوسات والأثاث وغيرها، منذ سنوات عديدة. تستحوذ المؤسسة على جزء كبير من الموازنات السنوية لوزارتي الدفاع والداخلية، ويتم خصم المبالغ عبر وزارة المالية مباشرة. هذا الاحتكار الخانق يخفي ورائه عمليات فساد كبيرة تتعلق بالأسعار والمواصفات ومواعيد التسليم والاستلام. الفساد المتعلق بعلاقة المؤسسة الاقتصادية بوزارة الداخلية موضوع التناول، نكشف فيه بالاستناد إلى الوثائق الرسمية وتصريحات المعنيين في الإدارة العامة للإمداد والتأمين بوزارة الداخلية. ترتفع أصوات المنتسبين للأجهزة الأمنية شاكين من نقص ورداءة الغذاء وانعدام الكساء، لم يعد يصرف لهم ما اعتادوه من الملابس في الشتاء والصيف والفرش والبطانيات مقابل تأخير التغذية الجافة المعتمدة من القمح والبقوليات والتلاعب بمواصفاتها وجودتها. لم تعد «الكدمة» وهي الوجبة الرئيسية للجندي، بذات المواصفات واللذة التي كانت عليها من قبل، مقابل ذلك ارتفعت أصوات الأجهزة الأمنية والشرطية في المحافظات والمديريات شاكية من عدم كفاية وعدم توفير التموينات اللازمة للقيام بواجباتها في حفظ وتوفير الأمن والاستقرار. هذا الاختلال المستمر يفسر في جزء منه حالة الانفلات الأمني التي تعصف بالبلاد وعجز أجهزة الأمن عن ضبط الأمن والسكينة ومجابهة التحديات الكبيرة وتصاعد الحوادث الأمنية. نهب 10 مليار ريال خلال 4 أعوام أوجه فساد كثيرة في تعامل المؤسسة الاقتصادية ووزارة الداخلية، أبرزها ما تفصح عنه الوثائق الرسمية ومذكرات الإدارة العامة للإمداد والتموين الصادرة في فبراير 2013م أن وزارة الداخلية لم تتسلم أية مهمات وملبوسات للقوة لأربع سنوات مع أن المبالغ المرصودة في الميزانية لتلك السنوات دفعت للمؤسسة، قيمة تلك المبالغ تقدر بأكثر من 10 مليار ريال. يشكو المسئولون عن الإمداد والتموين بوزارة الداخلية من عدم صرف المؤسسة استحقاق المجندين الجدد «10 ألف مجند خلال العامين الماضيين» ويقولون أن المؤسسة تتحجج بأنه لم يتم اعتماد المبالغ المالية المخصصة لهم. يؤكد المسئولون أن قيمة المشتروات تخصم كل عام من ميزانية الداخلية عبر وزارة المالية مباشرة «وبمبالغ تفوق سعرها الحقيقي». يتهم مسئول في إدارة الإمداد والتموين -فضل عدم الكشف عن اسمه- المؤسسة الاقتصادية بتعمد تأخير وعرقلة توريد الملابس «رغم أن ما تورده لنا مخالف للمواصفات ونوعيته رديئة». ووفقا له فإن تلك العرقلة هدفها إيقاع وزارة الداخلية «في إحراج واستثارة منتسبي الداخلية للتمرد على قياداتهم». يوضح مساعد مدير عام الإمداد والتموين بوزارة الداخلية ل»الأهالي» أن المؤسسة لا تقوم بتوريد المخصصات الفصلية دفعة واحدة بل تستمر في تجزيئها بشكل شهري «فنظل نستجدي طوال العام.. ونبقى في جزع من انتهاء المواد الغذائية من الوحدات وتأخير المؤسسة للتوريد». رفض تنفيذ قرارات مجلس الوزراء لا تخضع مشتريات المؤسسة الاقتصادية لقرار مجلس الوزراء رقم 69 لسنة 2012 القاضي بتطبيق قانون المناقصات والمزايدات والمخازن الحكومية على كافة وحدات الخدمة العامة بما فيها العسكرية والأمنية. لم تستطع وزارتي الدفاع والداخلية إنزال مناقصات بالمواد المطلوب شراؤها بالمواصفات التي تريدها، لم يفتح الباب للمنافسة والتحرر من احتكار المؤسسة. يؤكد مساعد مدير عام الإمداد والتموين للتأمين المادي أحمد أحمد الموساي ل»الأهالي» أن المؤسسة لم تنفذ قرار مجلس الوزراء، وأن وزارة المالية استمرت في صرف الأموال للمؤسسة من اعتمادات وزارة الداخلية. ويضيف أن مدير عام المؤسسة الاقتصادية اليمنية «يدّعي أن لديهم استثناء من تطبيق القرار المشار إليه، وأن لديهم قرار بهذا الاستثناء، لكنه «مدير المؤسسة» يرفض أن يعرض علينا القرار وكأنه قرار سري» -حد قوله. غذاء الضباط والجنود «فاسد ومنتهي الصلاحية» تؤكد مستندات داخلية في وزارة الداخلية أن المؤسسة الاقتصادية لم تلتزم بتوفير الغذاء والكساء بالمواصفات المطلوبة والجودة العالية والوقت المناسب والأسعار المعقولة. يعترف مصدر مسئول بوزارة الداخلية في حديث ل»الأهالي» بتسلم الوزارة مواد غذائية رديئة ومنتهية الصلاحية وبأسعار «لا تصدق» من المؤسسة الاقتصادية وهي المصدر الوحيد الذي يمول الأمن بالمواد الغذائية الجافة والطازجة. مسئولون في إدارة الإمداد والتموين بالداخلية يؤكدون أن المؤسسة تقوم بتوريد مواد غذائية رديئة هي الأسوأ في الأسواق المحلية والخارجية ولا تستطيع المؤسسة بيعها لغير وزارتي الداخلية والدفاع -حد قولهم. المسئولون يؤكدون تلقيهم شكاوى من مدراء التموين في فروع وزارة الداخلية بأن البقوليات «فول وفاصوليا» الموردة من المؤسسة لصرفها للضباط والأفراد «منتهية الصلاحية وفاسدة تماما». يتحدث المسئولون عن تلاعب في الأوزان والكميات، يتحدثون مثلا عن أكياس الأرز والدقيق والسكر التي يكتب عليها (50 كجم) بينما وزنها الفعلي (40 كجم) -حد قولهم. الداخلية تتنازل عن حقها مقابل (25%) يعترف المسئولون في إدارة الإمداد والتموين بوزارة الداخلية -وفقا لما تؤكد الوثائق الرسمية- بقبولهم الأسعار التي تفرضها المؤسسة الاقتصادية ويبررون ذلك بسعيهم للحصول على التزام من المؤسسة بعدم تأخير طلبات الخطة المستحقة للغذاء والكساء دون تأخير ودون نقصان وفي أوقاتها. شكاوى فروع الداخلية في المحافظات تعترف بقبول مسئوليها مبالغ نقدية تقدمها المؤسسة الاقتصادية مقابل عدم تسليمهم مخصصاتهم بحجة عدم توفرها في مخازن المؤسسة، المبالغ النقدية لا تساوي (25%) من القيمة الحقيقية المرصودة التي يتم خصمها عبر وزارة المالية. هذه العملية تضمن للمؤسسة الاقتصادية استقطاع مبالغ مالية كبيرة دون وجه حق وتكبد وزارة الداخلية خسائر كبيرة كان يمكن استغلالها واستثمارها في نفقات أخرى. هذا الفساد يدر للمؤسسة أموالا كبيرة بدون عمليات تجارية، إنها تتسلم موازنات الوزارة وتعيد لها جزء قليل منها، وهذا يحدث غالبا في مخصصات اللحوم. يبرر المسئولون في الداخلية قبولهم بذلك الفساد بأنهم لا يستطيعون اللجوء إلى خيارات أخرى أو البحث عن مصادر بديلة للشراء. يقولون أنهم يتلقون من المؤسسة الاقتصادية تعهدات بالالتزام بالمواصفات المقدمة من الداخلية، لكن المؤسسة لا تلتزم بتلك الالتزامات، وإذا ما حاول المختصون في الداخلية رفض المواد المقدمة من المؤسسة تلجأ الأخيرة إلى إيقاف صرف التغذية عن الوحدات الأمر الذي يولد ردات فعل غاضبة من الضباط والجنود الذين ينتفضون رفضا لتجويعهم، وهذا يجعل الوزارة تتغاضى عن إخلالات المؤسسة والقبول بأنواع غير مطابقة للمواصفات. التوقيع على سندات استلام المواد المخالفة قبل توريدها آلية التعامل بين المؤسسة الاقتصادية ووزارة الداخلية تم عبر اجتماع الطرفين وتضع الداخلية لمواصفات المواد التي ترغب في شراءها من المؤسسة ويتم التوقيع على العقد. تطلب المؤسسة من الوزارة تحرير سندات التوريد «وثيقة استلام» مقدما بالمواد قبل توريدها تتضمن ذكر المواصفات المتفق عليها. توقع الداخلية على سندات استلام المواد قبل توريدها، ويقول مسئولوا الداخلية أن المؤسسة تعتذر بأنها تستخرج من وزارة المالية المبالغ للشراء، رغم أن الدفع يكون نهاية العام عبر شيك تصرفه المالية مباشرة للمؤسسة وفقا للفواتير المقدمة. يقول مسئولوا الداخلية أنهم يرضخون لشرط اعتراف باستلام المواد قبل توريدها «لأننا لا نملك خيارا آخر». المسئولون يعترفون بأنهم لاحقا يتسلمون مواد تختلف تماما عما تم الاتفاق عليه ليس في النوعية وحسب بل والكميات. ويشكو مسئولو الإمداد والتموين بالوزارة من أن المؤسسة الاقتصادية قدرة في تسليم الشيكات الخاصة بالمخصصات من الوزارة مباشرة دون التنسيق مع الإمداد والتموين. بانتظار تدخل الرئيس ورئيس الوزراء يتهم المسئولون في الإمداد والتموين بوزارة الداخلية المؤسسة الاقتصادية بالتعنت والاستقواء بالقدرة على التحكم بأقوات منتسبي الوزارة وأجهزتها الأمنية، ويعترفون بالفشل في كسر احتكار المؤسسة والتحرر من «وصايتها». يفصحون إنه قد «طفح الكيل» ويشددون على ضرورة تدخل رئيس مجلس الوزراء أو رئيس الجمهورية لإنهاء الخلاف. مؤسسة خارج دائرة المسائلة منذ إنشاء المؤسسة الاقتصادية اليمنية وهي بعيدة عن أي مساءلة وفي منأى عن أي رقابة، ولا يحق لأحد الاطلاع على أرباحها، وأنشئت بأموال الجيش والأمن وكان يفترض أن تكون ملكاً لتلك الجهات وبنسبة 25% للداخلية و 75% للدفاع. وأنشئت المؤسسة الاقتصادية العسكرية (سابقاً) عام 1973، وكان الهدف من إنشائها توفير احتياجات ومستلزمات القوات المسلحة والأمن، وبعدها أنشئت المؤسسة الاستهلاكية عام 1975 لتوفير احتياجات ومستلزمات أفراد القوات المسلحة والأمن وأسرهم، واندمجت المؤسستان عام 1979، وتم تغيير اسم المؤسسة عام 1993 إلى المؤسسة الاقتصادية اليمنية. وتدخلت المؤسسة في سبتمبر 2007م لاستيراد القمح وحصلت يومها على تمويل بقيمة 50 مليون دولار للتدخل لحل أزمة الحبوب. ولا تزال المؤسسة تستورد القمح حتى اليوم. نائب مدير عام الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة إبراهيم الحشف، كشف في حوار نشرته «الأهالي» في وقت سابق عن ضبط ما بين 15 ألف إلى 20 ألف طن خلال العام الماضي مخالفا للمواصفات مستورد من قبل القطاع العام ممثلاً بالمؤسسة الاقتصادية اليمنية وشحنات أخرى للقطاع الخاص.