الزكاة الركن الثالث من أركان الإسلام وشعيرة من شعائره التعبدية كما أنها تتميز عن غيرها من الأركان بأنها وظيفة مالية واجتماعية فالزكاة تجسيد لمبدأ التكافل الاجتماعي في المجتمع الإسلامي القائم على أساس التراحم بين الناس. يقول تعالى في محكم كتابه «خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم» ويقول صلى الله عليه وسلم«أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله» فالزكاة تعد فرضاً واجباً وليست مجرد إحسان يقوم به الفرد من تلقاء نفسه وإنما هي تنظيم اجتماعي تشرف عليه الدولة ويجب أن يتولاه جهاز إداري منظم يقوم عليه رجال من أهل الثقة والتقوى فقد كان صلى الله عليه وسلم يرسل الجباة إلى الأمصار المفتوحة لجباية الزكاة من أوثق الناس وأتقاهم فأرسل معاذ بن جبل إلى اليمن وأرسل أبا الوليد وغيره إلى الأمصار المفتوحة لذلك فإن المسئول عن جباية الزكاة إذا لم يكن تقياً عالماً بموجبات الزكاة وأحكامها وشروطها متعففاً عن مد يده إلى أموال الزكاة فإن هذا الركن الإسلامي يتعطل. كما أنه صلى الله عليه وسلم يقول في من امتنع عن دفع الزكاة«من أعطاها مؤتجراً فله أجره ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا لايحل لآل محمد منها شيء» وجاء الخلفاء والصحابة من بعده ليؤكدوا على وجوبية الزكاة فحارب أبو بكر الصديق مانعي الزكاة وجيّش الجيوش لإجبارهم على دفع الزكاة فكانوا يرسلون الرسل إلى الأمصار لجباية الزكاة في عهد الخلفاء الأربعة ومن بعدهم الدولة الأموية والعباسية ويذكر أن الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز كان يرسل الرسل إلى إفريقيا لجمع الزكاة وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين هناك فكانوا لايجدون فقيراً أو محتاجاً فيعودون بها إلى بيت مال المسلمين وهو مايضع حقيقة أمام أولي الأمر أنه لو أخذت الزكاة من المكلفين بالوجه الصحيح وصرفت بالوجه الصحيح والشرعي ماوجد فقير أو محتاج.. كما أن قيام الدولة بجمع الزكاة يأتي في إطارحفظ كرامة الفرد ومراعاة شعور أبناء المجتمع من الفقراء فإذا تُرك الأغنياء هم الذين يقومون بتوزيع الزكاة للفقراء مباشرة لأحدث ذلك في نفوسهم انكساراً وربما عطل حرية هؤلاء الفقراء لأنهم سيعدون أسرى جميل الأغنياء كما أن مصارف الزكاة الثمانية لاتستطيع تحديدها وتصريفها إلا الدولة، وعلى هذا الأساس تأتي أهمية وضع حد لمن يشرع للناس الصدقات. كما أن الزكاة واجبة شرعاً فإنه لايجوز للقائمين على جبايتها المتاجرة بأموال الزكاة وتقاسمها فيما بينهم أو فرض مبالغ مالية تفوق ماأقره الشرع على المكلفين أو أخذ مبالغ مالية تقل بقليل عن ماهو مقدر على كبار المكلفين مقابل استلام مبالغ مالية لصالحهم الشخصي فما يتم بمكاتب الواجبات لايتفق مع المسئولية أمام الله وأمام المجتمع فالقائمون على هذه المكاتب وضعوا شرع الله وسنة رسوله جانباً واعتبروا جباية الزكاة مثلها مثل مكاتب التحصيل الأخرى كالضرائب والجمارك ومايرافقهمامن فساد وإفساد وبيع وشراء دون أن يميزوا بين الأمرين.. فحسب الكثير من المكلفين فإن ما يتم توريده بسندات رسمية إلى خزينة الدولة لايصل إلى نصف المبالغ المسلمة.. كيف يتم ذلك؟ فالمكلف الذي دفع العام الماضي عشرة آلاف ريال بموجب سند رسمي تبدأ المساومة معه والأخذ والرد من خمسة وعشرين ألف ريال ويستمر الضغط عليه حتى يوافق على إضافة مبلغ بسيط لايتجاوز ألف ريال بالسند فيدفع أحد عشر ألف ريال بالسند وبالفعل يدفع أكثر من عشرين ألف ريال يتقاسمها الخبرة والمكلف يضطر للموافقة خوفاً من العام القادم لأنه لو دفع المبلغ كاملاً بموجب سند رسمي سيتضاعف العام القادم وهو مايجعل الجميع دافع الزكاة وجابيها في موقف من التجريم والتحريم كما أن كبار المكلفين يعمدون إلى إعطاء القائمين على جباية الزكاة اغراءات مالية كبيرة مقابل إضافة مبالغ بسيطة على مايتم دفعه بسندات رسمية وهكذا ضاعت أموال الزكاة بين فساد القائمين على جبايتها وجهل المكلفين بدفع الزكاة من أنهم بذلك قد أخلوا بركن من أركان الإسلام. أحد المواطنين قال لي إنه وحينما كان في مكتب الواجبات لدفع الزكاة سمع أحد الموظفين يقول لرئيسه: انتبه على نفسك مامعك إلا هذا العام، فرد عليه: أعرف، وكأن الزكاة غنيمة ونهب ينهبه من يشاء. ماسبق دفعني للحديث مع أحد العاملين السابقين في مكاتب الواجبات فقال تفاصيل تدمي القلوب، من أخطر ماقاله إن القائمين على الواجبات شرعوا لأنفسهم هذا الحق لأن أحد المصارف يعطي القائمين عليها وبذلك فهم يطبقون شرع الله فقلت أعرف أن نسبة من إيرادات الزكاة تمنح للقائمين على الزكاة فقال لي هذا لايكفي فهم يأخذون حقهم بأنفسهم. إننا ونحن نضع هذه الحقائق التي لا نشك لحظة أن الجهات المسئولة على علم بها إنما أردنا أن نضع المواطن والقائم على جباية الزكاة أمام مسئوليتهم أمام هذه الفريضة الشرعية ومسئولية العلماء في تبيان الحقائق للناس ومسئولية الدولة في وضع آلية جديدة تحمي المواطن من بطش القائمين على جمع الزكاة وإجباره على عدم الوفاء بما عليه من زكاة وتحمي أموال الزكاة من عبث العابثين لأنه وبحسبة بسيطة فإن ايرادات الزكاة ستتضاعف أضعافاً إذا تم توريد المبالغ المالية التي تحصّل من الناس كاملة بدون « هذا حقي وهذا حق الدولة».. والله من وراء القصد.