لقد عرف المفكرون السياسيون أن الشعوب لاتقبل الإذلال أو الاستعباد, وأن الحرية من طبيعة الإنسان الذي لايقبل المساس بها، أو التعدي عليها, ولأن المفكرين السياسيين عاشوا فترات شهد فيها الإنسان الاستعباد والإذلال, فقد رأوا أن الحرية والكرامة سبب من أسباب الثورات على الذين يحاولون استعباد البشر وإخضاعهم وإذلالهم بقوة الحديد والنار, فكان المفكرون في صف الشعوب من أجل الحرية والإنسانية. وإذا كنا اليوم نحتفل بالذكرى الثامنة والأربعين لقيام الثورة اليمنية المباركة, فإن ذلك دليل على حيوية الثورة، وتحقيقها لرغبة جماهير الشعب التي ثارت صبيحة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م ضد الاستعباد والإذلال, وقد رأى أحرار اليمن الذين ضمتهم مدينة عدن الباسلة, أن نيل الحرية المطلقة والاستقلال الناجز وطرد الاستعمار من الأرض اليمنية، لايمكن أن يتحقق مالم يتم التخلص من الحكم الإمامي الذي كان يستعين بالمستعمر البريطاني لقمع الأحرار, ولذلك اتفق الأحرار اليمنيون على البدء في التخلص من الحكم الكهنوتي في صنعاء, وبعد أن وضع الأحرار الترتيبات اللازمة لانطلاق الثورة حدد المناضلون الأحرار يوم الخميس السادس والعشرين من سبتمبر 1962م موعداً لانبلاج الفجر الجديد الذي دك حصون القهر والإذلال، وقضى على حكم الإمامة, وقد جسد هذا الفعل الوطني الإنساني واحدية الثورة اليمنية التي رتب لها في قلب مدينة عدن ثغر اليمن الباسم وانطلقت من صنعاء عاصمة اليمن الموحد. إن القضاء على الإمامة في صنعاء مهد لأحرار اليمن إشعال فتيل الثورة ضد المستعمر البريطاني, حيث انطلقت شرارتها ضد المستعمر المحتل في 14 أكتوبر 1963م من جبال ردفان, وقد جسد أحرار اليمن أروع ملاحم الفداء والبطولة في سبيل تخليص الوطن من جور الإمامة، وقهر المستعمر وانتصرت الثورة, لأنها إرادة الشعب, وظل أحرار اليمن يكافحون من أجل رحيل آخر مستعمر بريطاني, وواجهت الثورة العديد من التحديات وكان من أبرز تلك التحديات حصار السبعين يوماً لعاصمة اليمن الموحد، ومحاولات الاستعمار لفرض وجوده بالقوة، وتحالف القوى الرجعية المتخلفة مع الإمامة والاستعمار لإذلال اليمن وتركيع أبنائه, ورغم ذلك كله فقد هب الأحرار من شمال الوطن وجنوبه وشرقه وغربه لفك حصار العاصمة صنعاء، والقضاء النهائي على قوى التخلف في بداية 1967م ومع وصول اليمنيين إلى يوم الثلاثين من نوفمبر 1967م تحقق لهم في ذلك اليوم المجيد ماأرادوا من الحرية والكرامة، ففي هذا اليوم رحل آخر جندي بريطاني من تراب اليمن. إن احتفال اليوم بالعيد الثامن والأربعين لثورة سبتمبر دليل وفاء لشهداء الثورة, وتأكيد جديد أن الثورة خالدة في نفوس الشرفاء والأحرار, ورسالة شديدة اللهجة إلى الذين يعيشون في أوهامهم، نقول لهم فيها بأن الشعب قد تحرر ولايمكن أن يقبل بالعبودية من جديد فموتوا بغيظكم، لأن الثورة إرادة شعب وهي منصورة بإذن الله.