كان النبي صلى الله عليه وسلم قدوة صالحة يشار إليه بالبنان في أقواله وأفعاله منذ نعومة أظفاره، وظل سلوكه الحميد ممتداً طيلة حياته، ومبدأه القائم على الحق والدين ثابت لا يتغير،ولا تزعزعه الأحداث أو السنون، وقد قال الله تعالى فيه:{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً}الأحزاب 21 وقال تعالى:{إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم،فتوكل على الله إنك على الحق المبين}النمل 7879 وحرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعليم أصحابه بطرق ووسائل عديدة منها ضرب الأمثال بالشيء المحسوس لفهم وتقريب الشيء المعقول، وهي طريقة القرآن الكريم، قال تعالى{مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون}البقرة17 فهذا مثل ضربه الله عن المنافقين،وفي السنة النبوية أمثلة عديدة منها عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإذا تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً) رواه البخاري، وهنا يشبه النبي صلى الله عليه وسلم أفراد المجتمع بأناس ركبوا سفينة فاقتسموا الأمكنة فيها فصار نصيب بعضهم أعلاها ونصيب آخرين أسفلها، فالفريق الأول:قائم في حدود الله حريص على منعها وإزالتها وتطهير المجتمع منها، والفريق الثاني:واقع في حدود الله ومنغمس فيها، فإن لم يكن كذلك فهو مداهن فيها راضٍ بانتشارها أو ساكت عن الفاعلين فلا يغير ولا يطهر!! ولذا فإن السفينة لن تصل إلى بر الأمان إلا بمنع من يقوم بنقرها وتخريبها وتعطيل سيرها، وكذلك المجتمع لن يحافظ على أمنه واستقراره وتقدمه إلا بتشجيع المصلحين والأخذ على أيدي المفسدين، والحرية الشخصية ينبغي أن تكون مقيدة بقيود شرعية لحماية المجتمع بأسره. والمتتبع لمجريات الأحداث الحالية، تتبادر إلى ذهنه مجموعة من الأفكار في إطار قراءة متأنية للمشهد اليمني نضعها بين يدي الشباب والحكماء: كم نحن بحاجة خلال هذه الأزمة وبعدها إلى تضميد جراحنا، وإعادة بناء مجموعة القيم بين أبناء مجتمعنا اليمني، والسبب في ذلك ما يلاحظ من غياب لآداب الكلام والحوار في إطار البيت اليمني الواحد، فأين الحكمة اليمانية، وأين نحن من قوله تعالى:{يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون}النور:24وقول النبي صلى الله عليه وسلم:«وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم”رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الطبراني والبزار من حديث عبدالله بن مسعود وأبي هريرة:«إن أحبكم إلي أحاسنكم أخلاقاً،الموطؤون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون،وإن أبغضكم إلي المشاؤون بالنميمة،المفرقون بين الأحبة،المتلمسون للناس العيب». - أحزاب المعارضة ماذا قدمت ؟! أين رؤيتها؟! أين برنامجها؟! أين خوفها على الوطن ؟! لماذا تتهرب من الحوار؟! لماذا كلما قدمت مبادرة أو رؤية معينة كان الرد وبدون أدنى تفكير: لقد جاءت متأخرة؟! لقد صدق من شبهها بالرجل “المفلس” الذي يظن أن لديه أعمالاً كالجبال وفي حقيقتها هباءٌ منثور وهي تتكلم في كل منبر باسم “الشعب” و«شباب التغيير» و...الخ فمن أعطاها هذا الحق والتكلم بلسان الآخرين ؟! أم أن هذه من مبشرات الديموكراظية المستقبلية؟! - قيل قديماً فاقد الشيء لا يعطيه فأحزاب المعارضة تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى إذ وضعت نفسها في مأزق كبير بين مطالب الشباب ومطامع مكوناتها وبين إرادة الشعب الداعي إلى الوحدة والحوار والالتزام بالشرعية الدستورية والتداول السلمي للسلطة ولذلك فإن اعتراف هذه الأحزاب بخطأ رفض الحوار خير من الاستمرار في هذا الرفض وتغليب سلامة وامن الوطن خير من المصالح الشخصية والتاريخ لا يرحم مثل هذه الزلات أو المواقف المتشددة. - ماذا استفاد الوطن من الشخصيات التي قدمت استقالاتها غير تأزيم الأزمة وتعقيد المشكلة ولو كان فيهم خير لبذلوا كل إمكاناتهم لتحقيق الحوار والوفاق من أجل الوطن. - الحرب الإعلامية الخارجية والداخلية أفرزت كراهية وحقداً واضحاً تجاه اليمن وأهلها ورب ضارةٍ نافعة ليميز الله الخبيث من الطيب وليعلم المواطن اليمني أن الأزمات تظهر معادن الرجال وأن كل ما ينشر ليس بالضرورة هو الحقيقة وأن الإنسان ينبغي عليه التحري والدقة ومن هذه الحرب النفسية والتخريبية أن مراسلي القنوات المبرمجة يختارون من اليمنيين المعارضين لكل شيء إيجابي في اليمن ووفقاً لمواصفات خاصة فكيف يقبل اليمني الأصيل الحر أن يكون أداة هدم لمجتمعه؟! - ظلت قناة الجزيرة لفترة من الزمن ترافق الحملة الدولية على العراق وتزرع الطائفية بين أبنائه ثم عملت على تأجيج الصراع والخلاف بين الأشقاء الفلسطينيين وكانت وثائق ويكليكس المشكوك في مصدرها وصحتها فرصة ذهبية لها ثم نقلت المشهد إلى السودان ضمن تقارير يومية خاصة ولم يهدأ لها بال حتى انفصل الجنوب عن الشمال ثم اشتعلت نار الفوضى في ليبيا حتى باتت الآن على أعتاب ليبيا الشرقية وليبيا الغربية ولا تزال الجزيرة تنسج خيوط الدجل في كل اليمن وسوريا وبعض دول الخليج ناهيك عن حالة مصر وحالة تونس! وظهرت صورتها في تزييف وقلب الحقائق وإعلاء شأن المعارضة في كل مكان وكأنها تنفذ وصية إحدى كنائس واشنطن التي كتب على احد جدرانها:«من رحم الفوضى يولد النظام»! ضمن مخطط الشرق الأوسط الجديد! الأغلبية الصامتة من الشعب اليمني لم تقل بعد كلمتها الأخيرة في الأزمة اليمنية، فهم مع الوحدة والأمن والتداول السلمي للسلطة، فأين همة حكماء اليمن وعلمائها في تقريب وجهات النظر، ولم شمل البيت اليمني؟! أم أن الحكمة اليمانية فُقدت في هذا الزمان؟! - الحركة الشبابية التي ثارت في اليمن غابت عنها الرؤية والبرنامج والقيادة الناضجة التي تستطيع أن تختار وتعبر وتناقش مشكلاتها، وتسعى لحلها وتحقق مطالبها بطرق حضارية، ولذلك ذابت تلك المطالب، وضاع صوت الشباب في دهاليز طموحات الأحزاب، ولم نعد نرى سوى أحزاب المعارضة هي من تقود الشارع فإلى أين؟! من المشكلات التي تعيق الشباب عن فهم الصورة الكاملة للوضع في اليمن، أنهم يعيشون أحلاماً وردية بعيدة عن الواقع، بعيدة عن الأسلوب الحضاري، ومن يتابع حركة الشباب اليمني يجد أن الهتافات والشعارات والتصرفات لا تعبر عن براءة اختراع، بل صورة مكررة عن مشهد آخر فأين الشخصية اليمنية المستقلة الحكيمة؟! أين استثمار الطاقات والإمكانات والإبداعات في بناء الإنسان، وتحقيق استقرار الوطن وتحديد المطالب المشروعة بعيداً عن عباءة أحزاب المعارضة؟! أحد الشباب ولد بعد الوحدة، ونشأ وترعرع، وتعلم وأبدع وشق طريق النجاح بجهد ومثابرة، ثم فجأة صار يصرخ بكل حرية “يرحل النظام” وصار يحاسب، ويشتم، ويتوعد، فما معنى هذا؟ ومن أين جاءت كل هذه الكراهية للنظام؟ هل هناك عداوة شخصية؟ هل نستبدل النظام بالفوضى أو بالمجهول؟! إن التغيير سنة الحياة وهو أمر لا مفر منه، ولكن هل نحن بهده الأساليب نؤسس للمستقبل؟هل تكون إدارة التغيير لأي شيء قادم من خلال الشارع كبديل للأسس والمبادىء والقيم السماوية والدساتير والقوانين والإجراءات المتفق عليها هل هذه الاعتصامات سلمية فعلاً وبصدور عارية؟! إذاً لماذا تتحول إلى زحف وقذف وتعصب؟ لماذا يتحول يوم الجمعة من كل أسبوع وهو يوم للسلام والمحبة والاجتماع إلى مناسبة للفرقة والغضب وبث الكراهية والفوضى؟!. فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني قال: “لا تغضب” فردد مراراً، قال: “لا تغضب” رواه البخاري، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت” أو كما قال عليه الصلاة والسلام. - قال تعالى: “ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين” (البقرة/251) سنة إلهية تقتضي قول الحق والنصح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتستقيم أمور الحياة. عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين، معروف بعدله وورعه وشدته في الحق، ومضرب المثل بإدارته الراشدة للدولة الإسلامية المترامية الأطراف حتى أنه يحمّل نفسه مسئولية تسوية الطريق في العراق إذا تعثرت بغلة تسير فيه، وهو بهذه الأخلاق أتعب من جاء بعده ولكن هذه الإدارة لا تعتمد على شخص الحاكم وحده بل تمتد إلى الرعية أيضاً، فمن هم رعية عمر بن الخطاب؟! ألم يكونوا صحابة رسول الله وتابعيه من أمثال: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبو عبيدة بن الجراح، وعبدالله بن عباس.. الخ. فيا شباب الأمة كونوا كأمثال الصحابة والتابعين في أخلاقهم وسلوكياتهم وتعاملاتهم، فكيفما تكونوا يولّى عليكم. مع تزايد الأحداث، وتكاثر الفضائيات والقنوات، يظهر عدد من الأشخاص يحملون لقب “محلل” أو “ناشط” وعندما تسمع وترى تحليله ونشاطه، تجده يقرأ الواقع من وجهة نظره الفردية بعيداً عن الموضوعية والحياد، ويبرز الجانب السلبي في كل قضية تناقش، ويصدق فيهم قول الشاعر : قل للذي يدّعى علماً ومعرفة علمت شيئاً وغابت عنك أشياء يستغرب الإنسان من بعض المواقف أو طريقة تفكير شباب جامعي كيف يتمعر وجهه غضباً وحنقاً، وينبري مدافعاً على من يرمون وطنه بأبشع الكلمات والصور السلبية والمسيئة كقناة الجزيرة وغيرها ؟! أو متحدث كطارق السويدان الذي يفصل فتوى لشباب اليمن بالخروج والتظاهر وإثارة الفتنة، بينما يدعو شباب البحرين إلى التعقل والتوحد وعدم التظاهر؟ أليس حب الوطن من الإيمان؟! أليس الله ورسوله يأمرنا بالوحدة والتآلف والتآخي؟! فلماذا المكابرة والإصرار على الباطل؟!. فعن وابصة بن معبد رضي الله عنه، أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : جئت تسأل عن البر والإثم؟ قال : نعم ، فقال : استفت قلبك، البر ما أطمأنت إليه النفس وأطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك” حديث حسن رواه أحمد والدارمي وغيرهما. حرص الإسلام على احترام المسلم في غيابه وحضوره، قال تعالى :يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون”( الحجرات ، 11)، كما حرص الإسلام أيضاً على محاسن الأخلاق، وأن يعطى الناس منازلهم، وأن يقيم المرء بإنصاف ماله وماعليه وماحققه وماعجز عنه، قال تعالى : “... وأن تعفوا أقرب للتقوى ولاتنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير” (البقرة، 237)، فأين هذه التعاليم والصورة الأخلاقية من الطرح المستفز بعبارات خارجة عن قيمنا وتقاليدنا ومنها تهم وقذف دون برهان : كالسفاح والفرعون ؟ وقديماً قال الإمام الشافعي : إذا رمت أن تحيا سليماً من الأذى ودينك موفور وعرضك صين لسانك لا تذكر به عورة امرئ فكلك عورات وللناس ألسن وعيناك إن أبدت إليك معايباً فدعها وقل ياعين للناس أعين وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى ودافع ولكن بالتي هي أحسن اللهم احفظ اليمن وأهلها من كل فتنة، وأدم علينا نعمة الإيمان والحكمة. * باحث في التنمية الإنسانية