الوطنية تتجسّد في مدى الحرص على حماية الوطن والدفاع عن سيادته واستقلال قراره وخدمة قضاياه.. وليس في التباري على جلد الذات وتدمير القدرات و قتل الأنفس في وقت يتفرّج فيه الآخرون علينا و يضحكون.. نحن اليمنيين لدينا تجارب عديدة للاستعانة بالخارج منذ قيام ثورة26سبتمبر عام 1962م وحتى اليوم.. ولكنها لم تزدنا إلا وهناً على وهن وتنتقص من قدراتنا وسيادتنا، ومع ذلك لم نتعظ ونستفيد من دروس هذه التجارب وعبرها.. استعنا بقوات خارجية لنصرة قضايانا الوطنية ولم يتحقق النصر إلا على أيدي اليمنيين أنفسهم.. نقلنا مؤتمراتنا واجتماعاتنا إلى العديد من البلدان الأخرى وخرجنا منها باتفاقات كثيرة ولكنها بقيت حبراً على ورق ولم ينفذ منها على أرض الواقع حرف واحد.. وماكان ينفذ نسبياً هو تلك الاتفاقات التي كان يتم التوافق عليها داخل اليمن. ولكي نكون صريحين وواضحين فسوف نسمّي الأشياء بمسمياتها.. على سبيل المثال: استعنا بالجيش العربي المصري لنصرة الثورة والجمهورية الذي ظل يقاتل في جبال اليمن ووهادها دفاعاً عنهما أكثر من خمس سنوات، ولكن الشعب اليمني لم ينتصر لثورته ونظامه الجمهوري إلا على سواعد أبنائه في ملحمة السبعين يوماً. وفي المقابل استعان الطرف المناوئ للثورة والجمهورية بالخارج كما هو حال الصف الجمهوري وفشل في تحقيق هدفة المتمثل في القضاء على الثورة.. وحين شعر الطرفان المتصارعان أن الساحة اليمنية قد تحولت الى ساحة صراع لتصفية حسابات إقليمية ودولية يدفع اليمنيون ثمنها غالياً وأن الخطر أصبح محدقاً بوطنهم وسيكونون هم أكبر الخاسرين سارعوا الى الالتقاء ببعضهم في أكثر من منطقة يمنية واتفق عقلاؤهم على أهمية تحقيق مصالحة وطنية تقطع الطريق أمام تدخلات الخارج في شؤونهم الداخلية وتتيح لكل الأطراف المتصارعة المشاركة في الحكم وتغليب المصلحة الوطنية العليا على ماعداها من مصالح ذاتية وأنانية.. ولا ننسى هنا أن نشيد بالجهود التي بذلها القاضي عبدالرحمن الإرياني، رئيس المجلس الجمهوري الأسبق رحمه الله حيث كان يبعث رسائل إلى أطراف مهمة في الجانب الملكي يدعوهم فيها إلى التصالح والعمل من أجل خدمة وطنهم وشعبهم، وقد أتت هذه الرسائل ثمارها الأولى بعد فك حصار صنعاء من الجهة الغربية بعام، حيث انضم الفريق قاسم منصر إلى الصف الجمهوري ولعب دوراً محورياً في فك الحصار عن صنعاء من جهة نقيل يسلح جنوباً. وكذلك الجهود التي بذلها الإمام محمد البدر، رحمه الله عندما اكتشف أن الخارج الذي استعان به لاستعادة عرشه أراد أن يجعل منه ورقة ضغط فقط لتحقيق أهدافه وإجباره على توقيع اتفاقيات تمس السيادة اليمنية، فأوعز إلى من حوله من المتشددين في الجانب الملكي أنه لا يمكن أن يسمح لنفسه بمواصلة الحرب لاستعادة حكمه على حساب دماء اليمنيين وأقنعهم بأن يتحاوروا مع إخوانهم في الصف الجمهوري وصولاً إلى اتفاق وإنهاء الحرب. وهذه معلومة مؤكدة قد لايعرفها الكثيرون وإن علم البعض بها فإنهم يتجاهلونها لغرض في أنفسهم مثل أولئك الذين يعرفون الحق ولكنهم لايجرؤون على الجهر به.. وما أكثر مثل هؤلاء في وقتنا الراهن.. وكذلك فعل الأمير محمد بن الحسين الذي قاد عملية الحصارعلى العاصمة صنعاء لأنه واجه نفس الضغوط ورفض التوقيع على أي اتفاق يمس السيادة اليمنية وينتقص منها في مقابل استمرار الدعم العسكري والمادي لمواصلة حصار صنعاء فاضطر أن يبعث برسائل إلى شخصيات مهمة بما فيها قادة جمهوريون يشعرهم فيها أنه سينسحب وعليهم أن يواصلوا المقاومة والصمود حفاظاً على النظام الجمهوري رغم تشدد بعض من كانوا حوله وإصرارهم على مواصلة الحرب وعلى رأسهم الشيخ ناجي بن علي الغادر رحمه الله، لأن هؤلاء لم يكن يهمهم لا نظام جمهوري ولا ملكي بقدر ما كان يهمهم تنمية مصالحهم وتكبير حجمها كما يحدث اليوم حيث بعض الأطراف السياسية لا تفكر إلا في مصالحها ومصالح أحزابها والوصول إلى السلطة من أجل التقاسم والمحاصصة وتوظيف الأقارب والأتباع ونهب ثروة الشعب اليمني على حساب خدمة قضايا الوطن والشعب وبناء دولته القوية والعادلة وإبقاء اليمن ضعيفاً يمد أبناؤه أيديهم للخارج. لقد وقع اليمنيون ممثلين فيمن كانت تختارهم قياداتهم المتعاقبة اتفاقات كثيرة خلال الخمسين عاماً الماضية في كل من اركويت في السودان وفي القاهرة وطرابلس الغرب بليبيا وبيروت وجدة والعاصمة الأردنية عمان وغيرها من العواصم العربية الأخرى، ولكن ما الذي تنفذ منها على أرض الواقع حتى نستطيع القول إن نقل الحوار من صنعاء إلى الخارج سيأتي بنتائج مفيدة.. بل إن أعظم اتفاق ممثلاً في وثيقة العهد والاتفاق التي وقعت عليها في عمان بالأردن مختلف القوى السياسية اليمنية برعاية عربية وتعهدات بالتنفيذ لم يمض عليها سوى ساعات حتى فوجئ اليمنيون أن بعض الأطراف الرئيسية الموقعة على هذه الاتفاقية قد غادرت عمان إلى عواصم عربية قبل عودتها إلى اليمن لتتلقى منها التوجيهات لحبك المؤامرة يومها على الوحدة اليمنية ولم تكد تمضي فترة شهرين بعد التوقيع حتى تفجرت الحرب بين اليمنيين وحبر التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق لم يجف بعد.. ومع ذلك نريد أن نكرر اليوم نفس التجربة حينما تطالب بعض الأطراف بنقل الحوار إلى الخارج تحت ذرائع وحجج واهية فيتم إذكاء الخلافات بين اليمنيين ثم يعودون إلى اليمن بعد التوقيع ليفجروا الحرب كما حدث عام 1994م.. وعليه لا يجب أبداً أن نراهن على الخارج مهما افترضنا سلامة نية هذا الخارج وإن كنا نعتقد جازمين أن لا أحد يحب لنا الخير كما نحبه لأنفسنا وإن كل طرف خارجي يريد تمرير مصالحه في اليمن حتى لو أدى ذلك إلى تطاحن اليمنيين فيما بينهم. لكن من يُقنع لنا تلك الأطراف التي لا تزال متمسكة بالخارج وتجعل منه كل شيء وتعتقد أن اليمنيين بدون الخارج سيموتون من الجوع بل وينظرون إلى أبناء الشعب اليمني وكأنهم لم يبلغوا رشدهم بعد ولم يصبحوا رجالاً يعتمدون على أنفسهم ليحلوا مشاكلهم داخل بلدهم بأنفسهم بعيداً عن وصاية الآخرين كون أهل مكة أدرى بشعابها. [email protected]