لهاث الشعر سأمرُّ بعد العصرِ كي أضع الغيوم مكانها رفاً على رفٍّ وأفرح، كاللقيط، إذا تبسَّم شارع لي بعدما اصطكّت ضلوع قصيدتي عطشاً.
خذي نصف الفضاءِ، ونصف أحلامي، لأعرف حصّتي من هذه الدُّنيا خذي قدحي الأخير من الشُّجون لتسبري جَلَدي خذي بدماثةٍ طرفَ الشَّفقْ وتصرَّفي ببقيّةِ الميراث من أملي كما شئت التصرّفَ، لن أكون مغالياً كي أستبدَّ بمتعةٍ وحدي
ألا تتذكّرين تمنُّعي بالأمسِ كيف عزفتُ عن قطف المباهج رشوةً، أو منَّةً؟ كيف انتشلتكِ من يَدَيْ جشعي، جلدتُ غرائزي جوراً أمام العابرينَ.. ولم أقايض كذبةً بنبوءةٍ؟ خفتُ انقشاع الوهمِ خفتُ تجسُّد الرؤيا فقلتُ لصانع الأقفال: «أغلقني!» وقلتُ لكِ: «استعدِّي للحصار!ْ».
من أين آتي ب(النقائض) كي أفسّر ما يداخلني من الأهواءِ؟ أسئلتي تكرِّر نفسها، والشِّعر يلهثُ في الطريقْ. عودة القطا قبل الكتابة لم أكن شيئاً وهذا القلب لم يذرف، على ورقٍ غمائمهُ أكنت إذاً على وشك التكوُّنِ؟ حائراً أو خائفاً مما أصيرُ.. ألم أشأ أن أقطن الجسد الذي في حوزتي؟ أم أنني أستطلع الدُّنيا على مهلٍ كمن يستأخر الأقدار أياماً ليخرج كالسَّجينِ إلى فِناء قصيدةٍ؟ عشُّ السَّماء كأنه خالٍ فأين مضى القطا؟ من سوف يثقب حفرةً في الذَّاكرةْ ويشجِّع الأسرى على فعل التأمُّلِ؟ قد أحنُّ إلى مصافحة الصَّدى فليزحفِ البرق المريرُ إلى ملاقاة الرغائبِ لا أريد من الرَّدى إلا التذكُّرَ: حرقتي سالت على ورد الحكايةِ، والبداية أخلفت بوعودها، والريح تلهمني شجوني.
لملمتُ أطراف الهديل عن السُّطوحِ، وقلت للأسماء: «لا تتنكّري لي!». مطَّ المشرَّد عُنْق دهشته، وأومأ للفلكْ فتنفَّس الصُّعَداء باب كان ينهرني ويغسل كاحليهِ بحفنة من ماء قافيتي، وبشَّرني بعودته القطا حتى كأنَّ النصَّ ينفضُ عن سوالفه الحَلَكْ.
لوائح العوز تعُوزني ساقا نعامةٍ لكي أدرك في مشقَّةِ السِّباقِ عِيْرَ الرَّغباتْ.
تعُوزني العصا إذا ما رمت نخلةً معنَّقةْ أطول من هواجسي وحِمْلُها التِّرياق والفرجْ.
تعوزني نباهة الملاَّح كلما امتطيتُ الموجَ مبحراً من ساحلِ الحبر إلى الحياةْ.
يعوزني ضلعان من أبي لأحفظ الأشجان ميراثاً لمن يخلفني وأستطيع السَّير تحت وطأة الوديعةْ تعوزني، بعدُ، امرأة تطعمني أشواقها قصيدةً قصيدةً، وتحلب السَّماء لي إن طالعت في مقلتيَّ غُبرةَ الظَّمأْ.
تعوزني في آخر الأنفاسِ محبرة أعصر فيها ما تبقَّى من حشاشتي، ومن نجيعِ الكلماتْ.