غريب أمر من يتعرض لنزلات معوية تنتابه بين الفينة والأخرى، ولاتعد بالنسبة له عن كونها وعكة عابرة تزول في غضون ساعات قلائل وربما يوم أو يومين، ولا يرى أهمية في عرض نفسه على الطبيب طلباً للاستشفاء. والأغرب والأعجب يبدو في أمر من تهفو نفسه لأصناف أطعمة أو مشروبات تحتل مرتبة رئيسية في قائمة الأغذية غير الصالحة للاستخدام الآدمي والتي لا يراعى فيها أدنى معايير الإصحاح والسلامة الغذائية،كالمعلبات بأنواعها المختلفة الموشكة على الانتهاء والتي تباع وتعرض في الهواء الطلق تحت وهج وحرارة الشمس وتقلبات الأجواء المناخية..عدا عن ذلك الوجبات السريعة غير المأمونة وأغذية الباعة الجائلين في الشوارع والأزقة والأسواق..في مشهد يومي متكرر، يبدو متزايداً يوماً، بعد يوم يستحث منا النظر في الأسباب والمسببات وسبل وضع حدٍ لهذه المشكلة وعلاجها، وهو ما تناولناه في اللقاء الذي جمعنا بالدكتور/ أحمد يحيى الصعفاني اختصاصي أمراض الباطنية،والذي جاء فيه.. طبيعة المشكلة يغلب على البعض فهم حقيقة وأسباب الإصابة بنزلات معوية..فما المقصود بهذه النزلات؟وهل للغذاء من حيث النوعية والمصدر علاقة مباشرة في انتشار هذه الإشكالية؟ - النزلات المعوية ليست في حد ذاتها مرضاً، بل هي عرض من العوارض المصاحبة للأمراض التي تصيب الأمعاء. والمقصود بها تلك الالتهابات الحادة التي تصيب الغشاء المخاطي المبطن للجهاز الهضمي، خاصة الأمعاء الدقيقة والغليظة، الناتجة عن تناول أغذية ملوثة بالبكتيريا أو بأحد سمومها أو على إثر تناول غذاء ملوث بفيروسات القناة الهضمية أو بمواد كيماوية سامة أو بنوع أو أكثر من الطفيليات. وتظهر كثير من الدراسات المخبرية أن السبب المباشر في حالات النزلات المعوية يكمن في الغذاء المتناول..حيث يُعزى إلى البكتيريا التسبب في أكثر من (80 %) من الحالات. وقد حصر الأطباء أنواعاً عديدة من البكتيريا المسببة للنزلات المعوية،أهمها بكتيريا “السالمونيلا” والتي تشكل (50 %)من حالات النزلات المعوية البكتيرية، بحسب العديد من الدراسات. تغيب النظافة إهمال النظافة وضعف الإصحاح البيئي وتدني الوعي الصحي،شواهد يرى الأطباء المختصون فيها تفسيراً لتزايد حالات النزلات المعوية..كيف تقيمون هذا في مجتمعنا؟وأين مكمن الخطورة في النزلات الحادة؟ بالنظر إلى تقارير منظمة الصحة العالمية نجد أن اليمن من البلدان التي بها نسبة إصابة مرتفعة بهذه الأمراض شأنها شأن كثير من البلدان النامية. وما من شك في أن هناك أسباباً عديدة لتزايد حالات النزلات المعوية في مجتمعنا فالذي يرى الشارع اليمني يلاحظ أن هناك إقبالاً متزايداً على الأطعمة الجاهزة أو التي تحت التحضير على أرصفة الشوارع. كذلك تزايد المعلبات المتراصة التي تم تفريغ المخازن منها قُبيل انتهاء تاريخ صلاحيتها لتأخذ زينتها أمام أعين المارة، وبأسعارها الرخيصة المغرية تجتذب الكثيرين، فيقبلون على شرائها دون تردد. إنها من الأمراض الشائعة في مجتمعنا، فلا يكاد يمضي يوم واحد دون أن تستقبل المستشفيات والمرافق الصحية حالات كثيرة تشكو من هذه النزلات المعوية. وفي حين أن معظم الناس يشفون من الحالات الخفيفة للنزلات المعوية خلال يوم أو يومين، فإن آخرين يصابون بحالات عنيفة تلزمهم الفراش مدة أطول، وقد تنتج عنها بعض المضاعفات، كالجفاف لخطورة ما تُفضي إليه بسبب الإسهال من فقد للسوائل والأملاح الأساسية المهمة للجسم. وفي حالات نادرة تكون النزلات مهددة للحياة، كتلك التي تحدث للأطفال الصغار وكبار السن وللذين ضعفت في أجسادهم المنظومات المناعية، كمرضى السكر ومرضى الكبد وحالات فقر الدم والحوامل. أنماط مرضية باختصار...ما ابرز أنواع الأمراض والأشكال المرضية التي تقود المصابين بها إلى التعرض لنزلات معوية حادة؟وماهي مصادرها؟ - هناك مجموعة من الأمراض تتخذ فيها النزلات المعوية العرض الأبرز، مثل: الدوسنتاريا: وهو مرض معدٍ شائع، ينتقل عن طريق ابتلاع جراثيم “الشجيلا”لدى خروجها مع براز المصاب.حيث تصل إلى أشخاص آخرين عن طريق ملامسة الغذاء أو الماء الملوث بهذه المخلفات وهذه الجراثيم أو بواسطة الذباب. تبدأ أعراضها بإسهال عنيف مصحوب بدم أو مخاط، وآلام حادة، وارتفاع درجة الحرارة. ومن مضاعفاتها فشل كلوي حاد، تخثر دموي أو الوفاة في بعض الحالات، كالأطفال وكبار السن.. وتتواجد هذه الجراثيم(البكتيريا)عادة في السلطات بأنواعها والخضروات بشكلٍ عام والتي تؤكل مباشرة دون طبخها. الحميات المعوية(التيفوئيد): تعتبر من الأمراض الشائعة، ومن أهم أسباب النزلات المعوية.. ينتقل عن طريق ابتلاع أحد أنواع بكتيريا(السالمونيلا)التي تفرز في براز المصاب أو الحامل للعدوى(أي الذي يحمل هذه البكتيريا دون أن تظهر الأعراض عليه). أما أعراض (التيفوئيد)،فتبدأ عادة ما بين (648ساعة)وتشمل(الغثيان والقيء الإسهال المغص الحاد الحمى الصداع)وأيضاً ظهور طفح جلدي مميز، وتضخم الطحال بعد الأسبوع الثاني، وقد تؤدي إلى تسمم دموي وانتقال البكتيريا إلى أجزاء أخرى، كالدماغ أو الكبد أو العظام. وهناك إمكانية في تحول المصاب إلى حامل للبكتيريا لفترة طويلة. وهذه الجراثيم تتواجد عادة في اللحوم والدواجن والبيض النيئ ومنتجات الألبان غير المبسترة. البكتيريا العنقودية:بكتيريا شائعة، تتميز بقدرتها على إحداث المرض بنفسها أو بأحد سمومها التي تتكون على الأطعمة بعد طبخها وتركها مكشوفة.. تظهر أعراض الإصابة بها عادة بين (30دقيقة8ساعات)وتتراوح ما بين(غثيان تقيؤ إسهال مائي حاد فتور دوخة من حين لآخر)وبإمكانها أن تؤدي إلى تسمم دموي حاد، وإلى التهاب غشاء القلب. للأسف نتيجة للاستخدام غير السليم للمضادات الحيوية ظهرت أنواع من هذه الجراثيم مقاومة للأدوية. وفي العادة تتواجد هذه الجراثيم في اللحوم والدواجن التي سبق طبخها، كالتي تباع في المطاعم، وسلطات البيض والبطاطا والمعجنات المحشوة. الفيروس الكبدي(أ):وهو النوع المعدي الذي يتم تلقي عدواه عبر الفم، حيث يؤدي إلى التهابات حادة في الكبد، لكنها ليست مزمنة. وتشمل أعراض الإصابة بهذا الفيروس، الخمول والضعف العام وفقدان الشهية والغثيان وآلام أعلى البطن والصفار وتغير لون البول إلى الأحمر الداكن. والمصاب بهذا المرض يحتاج عادة إلى راحة وإلى الإكثار من السكريات، كما يُعزل هو وأدواته عن الآخرين تلافياً لنشر العدوى، إذ ينتقل الفيروس بواسطة لمس المصاب للأطعمة واستعمال الشخص السليم لأدواته. التسممات والطفيليات ماذا عن الطفيليات والتسممات الغذائية؟وما مدى خطورتها على الصحة؟ - هناك الزحار الأميبي تسببه طفيليات مجهرية تنتقل عن طريق الفم وتؤدي إلى آلام حادة وإسهال مصحوب بمخاط أو دم، وبتعاقب فترات الإسهال مع فترات الإمساك، كما قد تؤدي إلى تقرحات معوية، أو إلى وصول الطفيليات عن طريق الأوعية الدموية إلى الكبد مسببة خراجات (تقيحات) كبدية. أما التسممات الغذائية فتنتج عن سموم بكتيرية أو كيماوية، كالمبيدات الزراعية المستخدمة عشوائياً أو المعلبات الغذائية التي فسدت حتى قبل انتهاء تاريخ صلاحيتها، نتيجة سوء التخزين أو النقل أو العرض، وتؤدي إلى ظهور أعراض خلال “ساعة 24 ساعة” من تلقي العدوى، تتراوح بين قيء وآلام حادة، مع إسهام حاد مدمم، وفي بعض الحالات يمكن أن تؤدي إلى الوفاة. إرشادات صحية من ناحيتي السلوك الشخصي وأنماط الغذاء بما تنصح المصابين بالنزلات المعوية إتباعه من إرشادات صحية؟ إذا وقع أي شخص في شرك النزلات المعوية.. عليه أخذ قسط وافر من الراحة والإكثار من السوائل، كالحساء والعصائر الطازجة وتجنب الأطعمة التي تحتوي على “اللاكتوز”، مثل الحليب، الأجبان، الزبدة، لأن هذه الأطعمة تجعل الإسهال أسوأ حالاً، وعليه أيضاً غسل يديه غسلاً جيداً قبل الأكل وبعده وعند الخروج من الحمام لمنع نقل الميكروبات إلى الآخرين، كما أنصح بعدم التسرع باللجوء إلى الأدوية، كالمضادات الحيوية والأدوية القابضة للإسهال. ولكن إذا كان الإسهال شديداً أو مصحوباً بدم، أو مصاحباً لنوبة من القيء المتواصل أو ارتفاع درجة الحرارة أو دوخة أو ألم شديد أو أعراض عصبية، فعندها أنصح بوجوب اللجوء إلى طبيب متخصص. * المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكاني بوزارة الصحة العامة والسكان