صعقة كهربائية تنهي حياة عامل وسط اليمن.. ووساطات تفضي للتنازل عن قضيته    انهيار جنوني للريال اليمني وارتفاع خيالي لأسعار الدولار والريال السعودي وعمولة الحوالات من عدن إلى صنعاء    حصانة القاضي عبد الوهاب قطران بين الانتهاك والتحليل    نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    "استحملت اللى مفيش جبل يستحمله".. نجمة مسلسل جعفر العمدة "جورى بكر" تعلن انفصالها    باستوري يستعيد ذكرياته مع روما الايطالي    فودين .. لدينا مباراة مهمة أمام وست هام يونايتد    انهيار وافلاس القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    فضيحة تهز الحوثيين: قيادي يزوج أبنائه من أمريكيتين بينما يدعو الشباب للقتال في الجبهات    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    الحوثيون يتكتمون على مصير عشرات الأطفال المصابين في مراكزهم الصيفية!    خلافات كبيرة تعصف بالمليشيات الحوثية...مقتل مشرف برصاص نجل قيادي كبير في صنعاء"    الدوري السعودي: النصر يفشل في الحاق الهزيمة الاولى بالهلال    في اليوم ال224 لحرب الإبادة على غزة.. 35303 شهيدا و79261 جريحا ومعارك ضارية في شمال وجنوب القطاع المحاصر    الطرق اليمنية تبتلع 143 ضحية خلال 15 يومًا فقط ... من يوقف نزيف الموت؟    الدكتور محمد قاسم الثور يعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقه    رسالة حاسمة من الحكومة الشرعية: توحيد المؤتمر الشعبي العام ضرورة وطنية ملحة    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    الحوثيون يعلنون إسقاط طائرة أمريكية MQ9 في سماء مأرب    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    السعودية تؤكد مواصلة تقديم المساعدات والدعم الاقتصادي لليمن    بن مبارك يبحث مع المعهد الملكي البريطاني "تشاتم هاوس" التطورات المحلية والإقليمية    رئيس مجلس القيادة يناقش مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي مستجدات الوضع اليمني مميز    المطر الغزير يحول الفرحة إلى فاجعة: وفاة ثلاثة أفراد من أسرة واحدة في جنوب صنعاء    مسيرة حاشدة في تعز تندد بجرائم الاحتلال في رفح ومنع دخول المساعدات إلى غزة    بيان هام من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات من صنعاء فماذا قالت فيه ؟    ميسي الأعلى أجرا في الدوري الأميركي الشمالي.. كم يبلغ راتبه في إنتر ميامي؟؟    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المخلفات الطبية الخطرة.. كارثة تتوغل بصمت..!!
بسبب عشوائية التعامل معها.. صار خطر انتقال العدوى مرتفعا
نشر في الجمهورية يوم 08 - 10 - 2012

لم يكن الدكتور علي ثابت أحمد، رحمة الله عليه، يتوقع أن خدمته لأحد المرضى المصابين بفيروس الكبد، سيكون السبب الرئيس في انتقال العدوى اليه ومفارقته للحياة.. الدكتور علي ثابت، أفنى سنوات عديدة في خدمة المجتمع كطبيب في مستشفى الجمهورية بعدن متخصص في جراحة الكبد، فارق الحياة (توفي)، وهو في الخمسينيات من عمره، بعد معاناة طويلة مع مرض الكبد، الذي انتقل إليه نتيجة وخز إبرة (حقنة) عند محاولته التخلص منها عقب استخدامها لأحد المرضى المصابين بهذا الفيروس..
(الجمهورية) تتقصى في هذا التحقيق واقع إدارة نفايات الرعاية الصحية وكيفية التخلص منها وكل ما يتعلق بهذا الجانب.. في الوقت الذي تعتبر فيه المستشفيات والمرافق الصحية أماكن للعلاج من الأمراض، إلا أنها في حالة عدم تداول مخلفاتها الطبية والكيماوية والمشعة الخطرة بطريقة آمنة، تصبح مصدرا للعدوى والإصابة بالعديد من الأمراض الخطيرة، وعاملا مهما في الحاق الضرر بالبيئة المحيطة.. وتشكل هذه المخلفات، كالإبر والحقن والقطن والشاش وبقايا العينات الملوثة بسوائل ودماء المرضى ومخلفات العمليات من أعضاء بشرية وغيرها، نسبة20 %، من إجمالي مخلفات المرفق الصحي، والنسبة المتبقية 80 % عبارة عن مخلفات عامة من بقايا أكل وأطعمة وعلب وورق وغيرها ناتجة عن المرضى والطاقم الطبي والعاملين بالمرفق.
10 % معدية احتمالا
وفي المتوسط تحتوي تدفقات النفايات الإحيائية والرعاية الصحية التي تعززها منشآت الرعاية الصحية على أقل من 10 % من المواد التي تعتبر (معدية محتملة)، وينخفض محتواها إلى ما بين 1 – 5 %، فيما إذا عزلت بصورة سليمة, يضيف مدير عام السلامة الكيميائية والنفايات في الهيئة العامة لحماية البيئة المهندس علي الذبحاني، “بما أن تلك المخلفات مصدرها المريض فهي قد تحتوي على مسببات المرض من بكتيريا وفيروسات وفطريات وغيرها، مثال: العنقودية، وفيروس الإيدز والتهاب الكبد (B & C) في الدم وأجناس السلمونيله، والشيغيلة في البراز والقيء وكذلك المكورات العقدية في الصديد، ونحوها”.
طرق انتقال العدوى
ويعتبر الأطباء وطاقم التمريض والعاملون بالمرفق الصحي المنتج لتلك النفايات، والعاملون والعاملات بالنظافة والمسئولون عن جمع ونقل والتخلص من تلك النفايات بمقالب (القمامة)، أو الذين تعرضوا لها عن طريق الخطأ والإهمال والعابثون بها (النباشون)، ومواقع حرقها، أكثر الأشخاص عرضة للإصابة.. يقول المهندس علي الذبحاني: “أخطر طريقة للإصابة بالعدوى من المخلفات الطبية تكمن عن طريق التماس المباشر، أي من خلال وخز الإبر أو قطع الجلد بالأدوات الحادة الملوثة بدماء المرضى، وذلك لسهولة إدخال الميكروب للجسم إلى مجرى الدم مباشرة, وبينما لا تزال طرق انتقال مصادر العدوى إلى المريض أو عوامل الرعاية الصحية غير مؤكدة، فإن الطرق المحتملة بالنسبة لبعض النفايات، قد تكون هوائية إذا كانت موضوعة في مكان مفتوح، أو عن طريق ناقلات المرض مثل (الذباب)، بحسب الذبحاني.. وكشفت منظمة الصحة العالمية، عام 2000م، أن الشرنجات الملوثة (الحقن غير الآمن) تسببت في إصابة حوالي 21 مليون شخص في العالم بالتهاب الكبد الوبائي، و2 مليون شخص بالتهاب الكبد “2”، وتقريبا 60 ألف شخص بفيروس الايدز من نفس السبب.
الثورة أنموذجا للعشوائية!
في جولة استطلاعية أجريناها لعديد من مرافق الرعاية الصحية في محافظة تعز (حكومية، خاصة)، اتضح أن الإدارة العشوائية وغير المنظمة في إدارة نفايات الرعاية الصحية وخلط النفايات الخطرة مع المخلفات غير الخطرة هو السائد، وهو ما يعني أن خطر انتقال العدوى مرتفع جدا.. فبحسب عديد عاملين صحيين في هيئة مستشفى الثورة العام بتعز، توضع كافة المخلفات الطبية في سلال موزعة في غرف وأقسام المستشفى، وتجمع فيما بعد داخل أكياس كبيرة وتسلم إلى عربات صندوق النظافة في المدينة، باستثناء مخلفات العمليات من أعضاء بشرية والتي يتم دفنها، وحرق كافة مخلفات المريض إذا ما اكتشف أنه مصاب بمرض الإيدز.. وأكدوا عدم وجود فرز أو طريقة آمنة في التعامل والتخلص من هذه المخلفات، وأنها تدار بطريقة عشوائية، باستثناء فترة محددة فقط قبل حوالي عامين أو أكثر، أثناء تواجد فريق طبي ألماني في المستشفى، وكان حينها يتم الفرز، حيث توضع الأدوات الحادة في علب بلاستيكية سميكة مغطاة، ومن ثم ترحل عبر صندوق النظافة، وفي هذا المستشفى توجد محرقة للمخلفات الطبية، غير أنه لا يتم تشغيلها منذ فترة طويلة كونها قديمة، وينبعث منها دخان كثيف.. وبالنسبة للمخلفات الطبية السائلة، يتم تصريفها عبر شبكة المجاري العامة دون معالجة أولية، بما فيها “الدماء” الخاصة بالفحوصات، كما هو الحال في بعض أقسام المختبر المركزي لمختبرات الصحة العامة المركزية بتعز، الكائن جوار المستشفى الجمهوري، وفقا لرواية عاملين في المختبر.
لا نمتلك الإمكانيات
وفي العادة يجب تحقيق ولو أدنى معايير الجودة في هذا المجال، وهي مسئولية القائمين على المرافق الصحية, لكن مدير عام المستشفى الجمهوري بمحافظة تعز الدكتور عبدالواحد سعيد، قال إن العملية متكاملة ومن غير المنصف اتهام المستشفيات والعاملين فيها بالتقصير دون غيرهم، معتبرا أن التقصير قائم من أكبر مسؤول إلى أصغر موظف. يضيف: “لا نمتلك الإمكانيات الكافية لإدارة هذه النفايات بطريقة أفضل، ولا توجد سيارات مخصصة لنقلها ولا محارق خاصة أو مركزية لحرقها، فالمستشفى الجمهوري قديم وسعته السريرية 550 سريرا، ولم يحظ بمحرقة طبية حتى اليوم، ومنذ 20 سنة تقريبا لم يرفد بأجهزة حديثة ولم تطور أجهزته التشخيصية، وميزانيته السنوية 70 مليون ريال لا تكفي لإدارة مستوصف، وحاليا أصبح المستشفى المركزي الوحيد في تعز.. الدكتور عبدالواحد، اعترف بعدم وجود إدارة متخصصة للمخلفات الطبية في المستشفى، موضحا أنه تم تدريب عاملين هم من يقومون بالجمع والإشراف عليها، حتى يتم ترحيلها عبر صندوق النظافة، ومخلفات العمليات (الأعضاء البشرية)، ويتم دفنها في المقابر كل شهرين أو ثلاثة أشهر.
خلل رسمي
يفترض بمكاتب وزارة الصحة العامة والسكان أنها عين رقابية على ما يجري في مرافق الرعاية الصحية، ولكن يتضح عكس ذلك.. مدير عام مكتب الصحة في محافظة تعز الدكتور عبد الناصر الكباب، شرح لنا أنواع المخلفات الطبية، وأن خطورتها تختلف من نوع لآخر، مشيرا إلى أن المخلفات العادية ترحل ضمن الترحيل العام لصندوق النظافة بالمحافظة، بينما المخلفات ذات الطابع الخاص، يتم حرقها في محارق المستشفيات الرئيسية.. وذكر الكباب عديدا من المستشفيات الحكومية في تعز التي لديها محارق طبية (هيئة مستشفى الثورة العام، الجمهوري، خليفة، المستشفى العسكري، ومستشفى حيفان، والمخا)، واثنين فقط من المستشفيات الخاصة، ولا يعلم عن حال البقية، لكنه يتمنى أن يكونوا ملتزمين؛ لأن وجود المحرقة أحد شروط افتتاح مستشفى، حد تعبيره، بهذا يتضح الخلل القائم بين مكاتب الصحة إن لم تكن الوزارة من جهة والمرافق الصحية من جهة أخرى؛ إذ كيف يقول مدير الصحة بتعز أن مستشفى الجمهوري لديه محرقة، وهو ما ينفيه مدير عام المستشفى!، وقس على ذلك.
حرق مكشوف
إلى هنا والصورة واضحة، ولكن ماذا لدى، عرفات حمود، عامل نظافة في محافظة تعز، يقول: “نستلم مخلفات المستشفيات دائما في أكياس بلاستيكية عادية ليست سميكة، ونصبها داخل عربة النظافة، وننقلها ضمن نفايات الشوارع والمنازل إلى مقلب النفايات العامة بالمحافظة، وغالبا يتم حرقها بطريقة مكشوفة في المقلب، ليس هناك أي تمييز بين المخلفات ونتعامل معها بمنظور واحد”.
مطالب بإنشاء محارق وأخرى تدعو للدفن والانضباط والتأهيل!
رغم أن هذه القضية من أبرز القضايا التي تهم كافة شرائح المجتمع اليمني، نظرا لخطورتها اللامحدودة، لكنها لم تحظ بالاهتمام المطلوب من مختلف الجهات، وفي مقدمتها الحكومات المتعاقبة.
- ويؤكد المعنيون عديدا من الحلول، للتخلص من النفايات الطبية الخطرة، كإنشاء محارق مركزية، وهو ما بدأ التخطيط له مؤخرا في عديد من المحافظات، وهناك عديد من الخطط القائمة بين وزارة الصحة والصندوق الاجتماعي للتنمية ومنظمة الصحة العالمية.
- يقول الدكتور عبد الناصر الكباب: “نسعى لإنشاء محرقة طبية مركزية في تعز ضمن الخطة الخمسية الرابعة، وهذه المحارق هي الحل الأمثل، مع ضرورة وجود محرقة في كل مستشفى”، منوها أنهم استوردوا محرقة متحركة بالتعاون مع شركاء التنمية الصحية، ستتمثل مهمتها بالانتقال من مستشفى إلى آخر، لحرق المخلفات الطبية الخطرة، وستسهم في الحد من خطورة هذه المخلفات عند نقلها بصورة غير سليمة، وسينحصر عملها فيما بعد بنقل المخلفات إلى المحرقة المركزية.
- لكن الدكتور نصيب الملجم، لا يفترض أن الإشكالية تكمن في بناء المحارق المركزية، بقدر ما تتطلب تدريب وتأهيل كادر للعمل عليها وصيانتها عند الحاجة.
- ويقلل مهتمون من جدوى المحارق، مؤكدين أن النفايات الطبية لا تنتهي بمجرد حرقها، حيث يُخشى من وجود أعضاء بشرية أو مواد عضوية لا تتفاعل مع الحرق، وربما تنتج مواد سمية جديدة تدفع إلى تفاقم الأمر أكثر فأكثر، فضلا عن أن أغلبها بلاستيكية تتحول عند حرقها من سوليت إلى غاز، يخلف الكثير من الإشكاليات للسكان حتى في المناطق البعيدة منها.. الجدير ذكره أن هذه المحارق “مكلفة جدا”، وتتطلب مواصفات ودرجة حرارة عالية، وتوفر كافة الإمكانيات اللازمة، بحيث تكون الانبعاثات الغازية في الحد الأدنى.
محرقة العاصمة!
المثير للجدل فيما يتعلق بالنفايات الطبية بأمانة العاصمة، التي يقدر حجمها ب 2,5 طن يوميا، هو الاكتفاء فقط بإنشاء مبنى المحرقة المركزية في مقلب الأزرقين الخاص بنفايات العاصمة، بما فيها الطبية، بينما ذهبت مناقصة المحرقة أدراج الرياح كما يبدو، في ظل غياب دور الصندوق الاجتماعي للتنمية بأمانة العاصمة عن مشروع إدارة نفايات الرعاية الطبية بالعاصمة.
وأضاف مهتمون في مخاطبتهم للحكومة: “هل يمكن أن نعترف بالفشل؟! ولماذا لا نعترف ونسمح للقطاع الخاص بالاستثمار في هذا الجانب، مع ضمان مسألة إعادة الكلفة والإشراف والمراقبة المباشرة من قبل الجهات الحكومية”!؟
آلية منضبطة
ويتمثل البديل الآخر للتخلص من النفايات الطبية، في دفنها (الطمر أو الردم)، ويشترط أن تكون المواقع خارج التصاميم الأساسية للمدن، أي في المناطق الصحراوية البعيدة عن المصادر المائية بمسافة (5) كم على الأقل، وأن لا يقل مستوى المياه الجوفية تحتها عن عشرة كيلومترات عمقا، وأن تتصف طبيعة التربة بكونها غريبة غير مسامية، وعمق الموقع بين (4 - 5) أمتار، لاسيما إذا كانت النفايات سامة.
- ونجاح هذا البديل يتطلب آلية منضبطة في مختلف المنشآت الطبية، بحيث يتم تعقيم وتنظيف هذه المخلفات وتقطيعها، ومن ثم نقلها للدفن في مقالب خاصة بالمخلفات الخطرة.
أكثر الأنظمة نجاحاً
ويقول المهندس علي الذبحاني: “أكثر الأنظمة نجاحاً هي التي تعالج كميات وأحجام النفايات المنتجة من عدة مرافق للرعاية الصحية، بمعنى أنظمة مركزية عامة يشترك فيها عدد من منتجي النفايات، ويعمل فيها عمال لنقل النفايات ومُشغلون للمعالجة وأخيراً مشغلون للتخلص، وتكاليفها أعلى من تكاليف نهج الحد الأدنى، وفي كل الأحوال يشترط الذبحاني العزل الجيد للنفايات من مصادرها، أي وضعها في أوعية (سلال أو صناديق أو أكياس قوية تستخدم لمرة واحدة)، وإبقاءها مغطاة. مضيفا: “الأدوات الحادة يجب وضعها في أوعية مفصولة ومميزة وبعيداً عن المرضى، وإيجاد نظام كود ألوان أو إشارات، للتمييز بين النفايات العامة للرعاية الصحية والنفايات الخطرة”.
- وطالب الذبحاني مجلس الوزراء باعتماد “الخطة الوطنية لإدارة نفايات الرعاية الصحية”، وإصدار قرار ملزم للجهات ذات العلاقة بتنفيذها، والتي رفعت للمجلس ثلاث مرات آخرها للحكومة الحالية، ولم يبت فيها.
- وأيا كانت البدائل، فهناك ضرورة ملحة لإصدار تشريع خاص بالنفايات الطبية الخطرة.
خطط مُتعثرة..!!
إذن هي كارثة بكل ما تعنيه الكلمة، خصوصا أن محافظة تعز تعاني إشكالية عدم وجود مقلب مناسب للنفايات، فالمقلب الحالي الكائن في مفرق شرعب، أصبح داخل المدينة بدلا من خارجها..
قالت “الخطة الوطنية لإدارة مخلفات الرعاية الصحية (2008م 2012 م)”، إن إجمالي كميات مخلفات مرافق الرعاية الصحية في كافة محافظات الجمهورية (63,3) طن يوميا، و(18986,7) أطنان في السنة، وأن إجمالي المرافق الصحية (حكومية وخاصة) بأسرة 1057 مرفقا، عدد الأسرة فيها 28169 سريرا، و6951 مرفقا صحيا دون أسرة.
- وتوقعت الخطة، التي أنجزت بالتعاون والتنسيق بين الهيئة العامة لحماية البيئة ووزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية، أن تصل كمية النفايات الناتجة من هذه المنشآت في كافة المحافظات عام 2010م إلى (25259,32) طنا، وإلى (44748,4) أطنان عام 2016م.
جميعها خطرة!
وبالعودة إلى تقييم الوضع الراهن لإدارة نفايات الرعاية الصحية والتخلص منها، في اليمن بشكل عام، يقول المهندس علي الذبحاني: “غالبية المرافق الصحية لا يوجد بها نظام رسمي ذو هيكل مناسب لإدارة مخلفاتها، نقص المعدات المطلوبة مثل أدوات ومعدات: التداول، الفرز، الجمع، النقل، ملابس الحماية، غياب عملية تطعيم العاملين في المستشفيات لوقايتهم، عدم وجود الملصقات والكتيبات التثقيفية والتعليمية أو الدورات الخاصة بهذا المجال بتعليم الفنيين وعمال النظافة لضمان تحقيق معايير الجودة، ضعف تمويل منشآت معالجة النفايات الخطرة سواء التكاليف الاستثمارية أو تكاليف التشغيل والصيانة”.
- وقال الذبحاني أيضا “نظرا لعدم فصل أو فرز المخلفات من مصادرها المختلفة داخل الوحدات الصحية ومزجها مع مخلفات المطابخ والوحدات الإدارية، فإن جميع المخلفات الناتجة تعتبر خطرة، كذلك لا توجد مقالب صحية مجهزة للتخلص النهائي من هذه المخلفات، وبالتالي يتم نقلها إلى مقالب القمامة أو حرقها في صناديق أو في الفضاء، وتلقى المخلفات السائلة في مياه المجاري، أو ضمن الحفر الامتصاصية (البيارات) الخاصة بكل منشأة”.
- وفوق ذلك والحديث للذبحاني : “تتفاقم المشكلة بخلط هذه المخلفات مع النفايات المنزلية العادية لعدم وجود نظم مستقلة في مقالب البلدية، حيث توجد تجمعات سكانية تعيش من جمع المخلفات الصلبة الحادة، وبالتالي الأنشطة المكثفة لنبش هذه المخلفات وتغذي الحيوانات عليها يسهل نقل العدوى في المجتمع اليمني، فضلا عن مخاطر عمليات الحرق المكشوف ضمن مقالب معظم المحافظات، وفي محافظات أخرى تتم عملية الطمر غير الصحي، مما يؤدي إلى تعرض البيئة إلى الروائح الكريهة المنبعثة، تلوث التربة، المياه الجوفية، والهواء ...الخ”.
ضعف جنسي وإجهاض!
وتؤكد دراسات علمية أن الاحتراق الذاتي أو العشوائي بإضرام النار في المخلفات الطبية، يعتبر مصدراً لتلوث الهواء بمركبات البنزوبايرين والدايوكسن والبنزوفيران وجميعها من المواد المتطايرة شديدة السمية وذات طبيعة تراكمية في جسم الإنسان، ويحتمل إصابة المتعرضين لها بصفة متكررة بأنواع السرطان وفشل وظائف الأعضاء والعقم والضعف الجنسي والإجهاض المتكرر لدى النساء.. ووفقا للمصادر نفسها، فإن صرف بقايا المواد الكيميائية إلى شبكة المجاري العامة (الصرف الصحي) قد يؤدي لأضرار بيئية حيوية، لعدم مقدرة محطات معالجة مياه المجاري على القضاء والتخلص من تلك المواد، مؤكدة أن بعض النفايات الصيدلانية والسائلة لها آثار مدمرة للنظم البيئية الطبيعية، كبقايا المضادات الحيوية وأدوية علاج الأمراض السرطانية والتي لها المقدرة على قتل الأحياء الدقيقة الموجودة والضرورية لتلك النظم.
- وتساهم أيضا في انتقال بعض الأمراض، فبعض الأوبئة مثل الكوليرا في أمريكا اللاتينية كانت بسبب التصريف غير الصحي لمجاري أقسام الأمراض السارية في المستشفيات.
الأدوية المنتهية!
إذن الأدوية المنتهية الصلاحية، أو سيئة التخزين، تتطلب تعاملا معينا خاصة عند التخلص منها، وهي لاشك تنتج بكميات كبيرة.
- يقول الدكتور عبدالناصر الكباب: “لانقبل إتلاف أي أدوية منتهية إلا بعد تشكيل لجنة تضم الجهات المختصة بما فيها الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، لمعرفة الأسباب، وكثير من القضايا بهذا الخصوص أحيلت إلى النيابة، وبعد ذلك تحرر محاضر بهذه الأدوية ويتم إتلافها إما بالحرق في إطار المحارق الطبية أو ضمن حملات النقل الخاصة بصندوق النظافة، وانتقد المهندس علي الذبحاني الطريقة العشوائية بهذا الجانب، مؤكدا أن هذه الأدوية (خاصة المستخدمة في العلاج الكيميائي لمرضى السرطان)، كونها أخطر الأنواع، ينبغي إعادتها إلى بلد المنشأ المصدر منه، كشرط يجب أن تتضمنه عقود الشراء، أو حرقها ضمن أفران الإسمنت أو محارق مجهزة لحرق النفايات الكيميائية والصيدلانية، بحيث تتراوح درجة الحرق من (1200 - 1600) درجة مئوية.
تحسينات محدودة
ورغم كل ما سبق، هناك نوع من التحسينات، التي لا تزال محدودة.
- مدير عام الخدمات الطبية بوزارة الصحة العامة والسكان الدكتور نصيب الملجم، اعترف بالإشكاليات القائمة في إدارة نفايات الرعاية الصحية، موضحا انخفاض مستوى الوعي بمخاطر تداولها غير الآمن وكيفية التخلص الآمن منها، لدى الكادر الإداري والطبي ومدراء مكاتب الصحة وصناديق النظافة وحماية البيئة، والعاملين المسئولين عن الجمع والنقل والتخلص منها، والمجتمع بشكل عام، وهو ما ينبغي البدء بمعالجته عند الحديث عن أي حلول لهذه المشكلة.
- ولفت الملجم إلى نقص الكوادر الفنية المتخصصة، وعدم الإقبال على تخصصات الرعاية الصحية الأولية ومكافحة العدوى والتخلص الآمن من المخلفات الطبية الضارة، وهو ما اعتبره إشكالية تتطلب عوامل تشجيعية وحوافز لجذب الكادر الطبي نحو هذه التخصصات.. وأكد في المقابل أن عديد المستشفيات الحكومية والخاصة لديها ضمان جودة ومكافحة العدوى، وتعمل على إدارة وتدوير نفاياتها الخطرة وفرزها قبل تسليمها لصناديق النظافة، مشيرا إلى أن بعضها تمتلك محارق تستخدمها لحرق مخلفاتها الخطرة، فيما تعتمد أخرى طريقة الدفن، خاصة تلك التي لديها أحواش كبيرة في فنائها صممت لهذا الغرض.
- غير أنه يعترف أيضا بعدم تطبيق التدوير بشكله العلمي في جميع المرافق الصحية بالجمهورية.
خطط متعثرة
نظريا تم بالتعاون والتنسيق بين الهيئة العامة لحماية البيئة ووزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية، إعداد الدليل الإرشادي لإدارة نفايات الرعاية الصحية في الجمهورية اليمنية مارس 2009م، وخطة وطنية لإدارة نفايات الرعاية الصحية (2008م 2012 م)، والتي ما زالت متعثرة ومجمدة بمجلس الوزراء.
ويهدفان أساسا إلى تطوير إطار العمل القانوني والتنظيمي وتحسين ممارسات إدارة نفايات الرعاية الصحية، وتطبيق مبدأ أفضل الممارسات البيئية والتقنيات المتاحة، للحد من انتقال العدوى، كما أصدر الصندوق الاجتماعي للتنمية عام 2006م، دليلا بنفس عنوان الدليل سالف الذكر، إلا أنها جميعا ظلت حبرا على ورق.
- لكن الهيئة العامة لحماية البيئة، قالت إنها نفذت عددا من البرامج الرائدة لعدد (12) مستشفى في (12) محافظة، ودورات تدريبية وتم تسليم معدات لإدارة النفايات، خلصت إلى إيجاد نظام رسمي ذي هيكل مناسب داخل هذه المنشآت.
- وأوضح المهندس علي الذبحاني أنه بفضل هذا البرنامج، أصبح هناك وضوح للمسئوليات ولجنة رقابية للعدوى لمنع التلوث في المستشفى، والذي يشمل إدارة نفايات الرعاية الصحية وتقليل حدة عدوى الكبد الفيروسي، منوها بأنه تم اعتماد عدد من المحارق الصغيرة لكل من، بنك الدم بأمانة العاصمة وعدن، ومختبر الصحة المركزية بأمانة العاصمة، وكذلك محرقة لهيئة مستشفى الثورة العام بأمانة العاصمة تم تركيبها في يناير 2011م، ومواصفاتها تلبي متطلبات وشروط الهيئة العامة لحماية البيئة.
ليست ذات أولوية
في المقابل يتهم أطباء ومتخصصون في البيئة وزارة الصحة بالتقصير حيال هذه المشكلة، وقالوا إن نفايات الرعاية الصحية ليست ذات أولوية بالنسبة لها.. لكن الدكتور نصيب الملجم، قال إن وزارة الصحة رغم معاناتها في التمويل المتاح لكافة الأنشطة ذات العلاقة، إلا أنها تقوم بدورها على أكمل وجه بحسب الإمكانيات المتوفرة، فيما يتعلق بالتوعية وتدريب وتأهيل العاملين بعديد المرافق الصحية، على مكافحة العدوى والتخلص الآمن من المخلفات الطبية، بالتعاون مع حماية البيئة وبعض المنظمات الدولية.
المالية لا تعتمد
وأشار الملجم، إلى أن وزارة المالية ترفض اعتماد نفقات تشغيلية لهذا الجانب ضمن موازنة وزارة الصحة والمرافق الصحية، وتكتفي برصد مبلغ بسيط مخصص للنظافة، ملمحا أن وزارته لديها خطة للحد من الإشكالات القائمة، وتأمل اعتماد دعمها من المالية.
- وأضاف المتحدث نفسه: “صحيح وزارة الصحة هي المعني الأول بالمشكلة، لكن المسؤولية جماعية ومشتركة ما بين الصحة والبيئة والمالية وصناديق النظافة والقطاع الخاص والمجالس المحلية ووسائل الإعلام والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والمجتمع بشكل عام، وشركاء الصحة (منظمة الصحة العالمية، اليونيسيف)، وللأسف لا يوجد تكامل حاليا، خاصة بين وزارتي الصحة والمالية وهيئة حماية البيئة وصناديق النظافة وشركاء الصحة”.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.