انهيار وافلاس القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين    "استحملت اللى مفيش جبل يستحمله".. نجمة مسلسل جعفر العمدة "جورى بكر" تعلن انفصالها    باستوري يستعيد ذكرياته مع روما الايطالي    فودين .. لدينا مباراة مهمة أمام وست هام يونايتد    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    فضيحة تهز الحوثيين: قيادي يزوج أبنائه من أمريكيتين بينما يدعو الشباب للقتال في الجبهات    الحوثيون يتكتمون على مصير عشرات الأطفال المصابين في مراكزهم الصيفية!    رسالة حاسمة من الحكومة الشرعية: توحيد المؤتمر الشعبي العام ضرورة وطنية ملحة    خلافات كبيرة تعصف بالمليشيات الحوثية...مقتل مشرف برصاص نجل قيادي كبير في صنعاء"    الدوري السعودي: النصر يفشل في الحاق الهزيمة الاولى بالهلال    الطرق اليمنية تبتلع 143 ضحية خلال 15 يومًا فقط ... من يوقف نزيف الموت؟    الدكتور محمد قاسم الثور يعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقه    في اليوم ال224 لحرب الإبادة على غزة.. 35303 شهيدا و79261 جريحا ومعارك ضارية في شمال وجنوب القطاع المحاصر    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    بن مبارك يبحث مع المعهد الملكي البريطاني "تشاتم هاوس" التطورات المحلية والإقليمية    الحوثيون يعلنون إسقاط طائرة أمريكية MQ9 في سماء مأرب    السعودية تؤكد مواصلة تقديم المساعدات والدعم الاقتصادي لليمن    مسيرة حاشدة في تعز تندد بجرائم الاحتلال في رفح ومنع دخول المساعدات إلى غزة    المطر الغزير يحول الفرحة إلى فاجعة: وفاة ثلاثة أفراد من أسرة واحدة في جنوب صنعاء    رئيس مجلس القيادة يناقش مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي مستجدات الوضع اليمني مميز    بيان هام من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات من صنعاء فماذا قالت فيه ؟    ميسي الأعلى أجرا في الدوري الأميركي الشمالي.. كم يبلغ راتبه في إنتر ميامي؟؟    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    مليشيا الحوثي تنظم رحلات لطلاب المراكز الصيفية إلى مواقع عسكرية    بعد أيام فقط من غرق أربع فتيات .. وفاة طفل غرقا بأحد الآبار اليدوية في مفرق حبيش بمحافظة إب    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تهريب 73 مليون ريال سعودي عبر طيران اليمنية إلى مدينة جدة السعودية    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    رئيس مجلس القيادة يدعو القادة العرب الى التصدي لمشروع استهداف الدولة الوطنية    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأب الحاضر الغائب
نشر في الجمهورية يوم 19 - 05 - 2013

تعاني العديد من الأسر من غياب الأب، حيث لم يعد يلعب ذلك الدور المحوري والأساسي داخلها، فتراجع دوره بشكل ملحوظ ظناً منه أن مهامه تقتصر على ما هو خارج عتبة المنزل، ناهيك عن أن وسائل الحياة العصرية جعلت تنصل الأب من مسئاولياته أمراً محتماً، في ظل توفر الحياة المادية الميسورة أحياناً، ووسائل الترفيه ورغد العيش، وفي ظل تراجع دور العادات والتقاليد الأسرية, فأصبح الأب حاضراً غائباً..
إن تواجد الأب في المنزل ليس هو مطلب في ذاته، بل يجب على الأب أن يعرف ماذا يجب عليه أن يفعل أو لا يفعل في حال تواجده في المنزل, وهنا سيدرك كل منا هل هو من الآباء الغائبين، أم من الآباء الحاضرين الغائبين..
أشعر بتقصير شديد تجاه أولادي
لفت نظري أب يلاعب أولاده مع بعض أصدقائهم في الحديقة, يقفز، يركل الكرة ويشجع. يقضي وقتاً مع أطفاله من دون التخلي عن وقاره أو هيبته وهو المدرس للمرحلة الثانوية, مشهد يُصنّف «خارقاً للعادة» فالنساء فقط، يجلسن على مقاعد الحديقة، ويراقبن أولادهن أثناء لعبهم، يسدين لهم النصائح ويصفقن عند سقوطهم على الأرض، ويشجعنهم على الوقوف ومعاودة اللعب والقفز والصراخ.
إلاّ أن «الأخ» محمد العامري، يعي أن الوقت الذي يقضيه مع أطفاله الثلاثة (ولدين وبنت) غير كافٍ، ولذلك يسعى إلى تمضيته برفقتهم وعلى طريقتهم. ويُعتبر دوام العمل، الممتد من الثامنة صباحاً إلى الثانية عشرة والنصف ظهراً، ومن الثالثة بعد الظهر إلى السادسة مغرباً، من أبرز ما يُعرقل وجود الأب إلى جانب أولاده وممارسته نشاطات مختلفة معهم. فدوام عمله إلى جانب الدروس الخصوصية، يقضي على أي فرصة للتواجد مع أولاده ومتابعة أمورهم والتحدث إليهم.
ويخضع محمد لرغبة أطفاله، بعد أن يشعر بالمرارة لعدم قدرته على مجاراتهم في كثير من الأحيان بسبب ضيق الوقت وكثرة العمل، ويقول: «أحمل طفلتي على كتفي وأنزل بها إلى الحديقة، لأسكتها بعد أن تبدأ بالبكاء وطرق الباب من الداخل، تعبيراً عن رغبتها في الخروج. أو ألبي رغبة أبنائي في اللعب معهم على الكومبيوتر، بعد محاولاتهم الحثيثة».
ويسعى محمد دائماً إلى اقتناص الفرص للاستمتاع بصحبة أولاده، ويشعر بأنه مقصّر مع أبنائه. ويقول: «الأطفال في هذه السن يحاولون إقامة توازنات في مخيلتهم عبر طرح الأسئلة». ويضيف: «بعدي عنهم يجعلني عاجزاً في بعض الأحيان، عن الإجابة عن أسئلتهم». وتبقى الفرصة الأبرز، لتمضية الوقت برفقة أطفاله، خلال العطلة الأسبوعية.
الطفل صفحة بيضاء
أم محمد، ربة بيت تركت عملها حتى تتفرغ لأولادها، خاصة أن الأب غائب عن البيت معظم الوقت، وأن تغطي غيابه عن المنزل، من خلال الحفاظ على دوره، فتلجأ في مرات عدة إلى تحذير أولادها من غضب أبيهم إذا لم يحضّروا دروسهم أو إذا خالفوا أوامرها، وتؤكد أن وجودها وحدها مع أبنائها لا يكفي، فوجود الأب ضروري لإعطائهم الثقة بأنفسهم، وقسوته أحياناً ضرورية.
وتضيف أم محمد: من واقع تجربة أشبه الأبناء بالورقة البيضاء، يكتب فيها الأب والأم ما يريدون ويرتبونها في أجمل ما يكون، أو يعبثون بها ويدعونها شخابيط وطلاسم لا تقرأ، ولا تفهم.. فإن تلك الصفحات البيضاء ما وضعته بها تراه أمامك تحصد ثماره، فالأبناء هم تلك الصفحات البيضاء لذا وجود الأب ضروري فالأب راع وكلٌ مسؤول عن رعيته، كما أخبرنا المصطفى عليه الصلاة والسلام.
الأب هو المشرع لأبنائه
د. أماني فارع، علم نفس تقول: يحتل الأب مكانةً خاصةً ومهمة بالنسبة للعائلة، ويلعب دوراً بارزاً في تماسك الأسرة ويكفل وجوده عدم تفككها واستمرارها. وليس من باب العبث أن يطلق على الأب عبارة “رب الأسرة” لأنّ وجوده يحفظ الأسرة، ويتيح للأبناء الاقتداء به والسير على خطاه، ويعطيهم الإحساس بالأمان والاستقرار، ويعتبر وجوده أيضاً حيويّاً بالنسبة لتكوين شخصية الأبناء وتوازنهم الفكري والنفسي من خلال توجهاته الرشيدة التي تمنعهم من الزيغ والسقوط في وحل الضياع.
وكما أنّ وجود الأب وسط العائلة له فوائده، كذلك غيابه عنها له مضار كثيرة تؤثر بشكلٍ مباشرٍ وجذري على العائلة بأكملها دون أن يستثني أحداً منها، سواء على صعيد الأم، التي هي العنصر الثاني والمهم في العائلة، أو على صعيد الأبناء، وحتى على صعيد الحياة المعيشية والتي تناط مهامها بشكلٍ أساسيٍ ومباشر بالأب الذي هو رأس الهرم...
يشكل الأب بالنسبة للطفل نموذجاً يحاول دائماً الاقتداء به بما يصدر عنه من أفعال وأقوال، الأمر الذي يعكس حالة الطفل إلى الأب كنموذج لسلوك يحاول أن يعتاد على التمثل به. ومن هذه الناحية فإن ما يلاحظه الطفل من سلوك والده يلعب دوراً مهماً للغايّة في تكوين شخصيته أكثر ممّا تؤديه النصائح والتوجهات التي يسمعها وهذه ظاهرة تعرفها مختلف الأسر.
كما ويعتبر الأب بالنسبة لطفله المُشرع الذي يضع له الحدود فيما يجب أن يقوم به وما لا يجب أن يقوم به. وبغياب الأب عن الأسرة يحدث اضطراباً في حياة الطفل، ويبرز ذلك جلياً في مشاعر الخوف والقلق التي تصيب الطفل بين الحين والآخر ولا سيما أثناء النوم أو على شكل أعراضٍ (نفسية، وجسدية)، أو على شكل تغير مفاجئ في السلوك لم يكن معروفًا قبل غياب الأب. وكثيرًا ما تكون هذه الأعراض النفسيّة والسلوكيّة بمنزلة خطاب لاشعوري موجه للأب إذا كان لايزال موجوداً في محيط الأسرة لكن حاضرا غائب، أو موجه للآخرين للاهتمام بما يعانيه الطفل نتيجة غياب الأب.
للأب مكانة لا يملأها لا أم و لا أخ و لا عم و لا خال و لا مخلوق في الكون مهما بلغت تضحياتهم و حنانهم لا تصل لدرجة تضحية الأب و حنانه..
سلبيات غياب الآباء عن أبنائهم
أولاً: ضعف الجانب العاطفي الأبوي، فانعدام المشاعر الأبوية تجاه الأبناء يؤدي إلى انعدام الحنان والمحبة بين الطرفين وحدوث حالات نفسية مكتئبة لدى الأبناء, فقد تحدث بعض الاضطرابات في حياة الطفل، ويتجلى ذلك في مشاعر الخوف والقلق، التي تنتاب الطفل بين الحين والآخر، لاسيما أثناء النوم، أو بشكل أعراض نفسية جسدية (قضم الأظافر، تبول لاإرادي، عدم التركيز، كثرة النسيان، الميل للعزلة).
ثانياً: شلل الهيكل التربوي نتيجة لغياب الأب المستمر، فتضعف الجوانب العلمية والفكرية والثقافية لدى الأبناء.
ثالثاً: تحمل الأم العبء الأكبر من مسئولية تربية الأبناء في جميع الجوانب، وهذا يؤدي بلا شك إلى تقصيرها في التربية، بسبب غياب دور الأب ومسؤوليته في المنزل .
رابعاً: حدوث خلاف وشقاق مستمر بسبب تقصير الأب وغيابه المتكرر، وهذا يؤدي إلى التأثير السلبي على نفسية الأبناء.
خامساً: غياب الأب يعني غياب القدوة والسلوكيات الدينية مثل اصطحاب الأب أبناءه إلى المسجد، والسلوكيات التربوية الحياتية اليومية مثل متابعة الأبناء واجباتهم المدرسية.
سادساً: انحراف الأبناء خاصة مع وجود عوامل مؤثرة كالتلفزيون والإنترنت.
نحن بحاجة إلى التوعية
أم يوسف الخطيب، عاملة توكد أن وظيفة المرأة ليست فقط الرعاية, لطالما قابلت أمهات للأسف يعتقدن أن هذا دورهن: الاهتمام و الرعاية والطبخ والمسح, إن دورنا كنساء أكبر بكثير ونحن بحاجة لتوعية كبيرة و حملات تدريب, علينا أن نجهز فتياتنا لكي يصبحن أمهات يربين جيلاً يقود العالم.. وأين المشكلة لو فعلاً أقمنا دورات تدريبية بهذا الهدف؟..
أين المشكلة لو أقمنا دورات لإعداد الشباب للزواج و دورات لإعدادهم لتربية الأولاد؟ بل على العكس قد تحد هذه التوعية من ارتفاع نسب الطلاق التي نشهدها يوماً بعد يوم، نريد من المؤسسات الاجتماعية أن تنظر بجدية إلى هذه الأمور..
لا أستطيع القيام بدور الأب
أم مصطفى، تقول: ابني جاء بعد ستة بنات، كبر بينهم وأبوه مشغول كبقية الآباء، وإن حضر فهو الحاضر الغائب، لا يهتم كثيراً بأن يجلس إلى ابنه أو بناته، بل لم يحدث أن رأيته يحدث أحدهم حديثاً ودياً, المشكلة أن عبد العزيز أصبحت تصرفاته واهتماماته لا تختلف عن أخواته البنات وله عذره، فهو لا يرى سوانا, فالأب موجود ببدنه معهم، ولكنه قد رفع يده بالكلية عن متابعة أولاده, ولم يلتفت إلى هذا الأمر ووكله إلي، ولا يعلم أنني غالبا لا أ تمكن من متابعة ابني الذي أصبح يعيش مرحلة المراهقة، فهذه الوظيفة تتطلب الحزم والقوة أحياناً والحكمة والقدرة على اتخاذ القرار وملكة الإقناع وغيرها من الصفات القيادية التي يتمتع بها الرجل، مع أن قليلاً من الأمهات حباهن الله تلكم الصفات، وكان لهن دور عظيم في تربية أولادهن عند غياب الأب أو فقده لكني صراحة لا أمتلك كثير من هذه الصفات.
ترتيب الأوليات
يقول د طه الحقب أستاذ علم الاجتماع جامعة عمران:
للدوافع أهمية كبرى في حياة أحدنا وهي التي تولد السلوكيات الإيجابية والسلبية، ومع غياب إدارة حقيقية للوقت، أو فهم ناقص لبعض القيم في مشاهدة الحياة، تتأرجح نسبة المعقول وغير المعقول في آثار السلوك عن البشر، فمن مَلَكَ القدرة على التخطيط والتحفيز النفسي والعقلي فقد وقر أسباب النجاح ومَلَكَ عمره، ومن ساهم في قتل الوقت فقد قتل نفسه دون أن يعلم، ودائماً نسمع ونشاهد ونقرأ عن أزواج جعلوا من بيوتهم محطة للاستراحة القصيرة، بينما كان الشارع والاستراحات القسم الأكبر من ساعات اليوم، وقد يبرر سلوكه بالفرار من البيت والمسؤولية، فلا يساهم في إيجاد حياة مستقرة، بل يعلِّل ما يترتب من آثار لغيابه من المنزل بالحجج الواهية، ويتخلى عن واجبه تجاه زوجته وأبنائه، فالزوجة في النهاية إنسانة تجمع في قلبها المشاعر الجياشة والأحاسيس العاطفية، وعندما نرى اختلاف مستويات الأبناء وتفاوت سن أعمارهم، ندرك أن الأبناء تتفاوت كذلك مدركاتهم للقيم وكسب مفردات التربية السلوكية، لأنهم بحاجة إلى كيان الوالد كجسم يحتل كثافة ساحية في بيته، فيجد أمامه معاني الصداقة ويستشرف من عطر أبيه ما يحتاجه من حب ورفق، وقد يؤلمه لذعة فراقه وغيابه عن المنزل، فالوالد هو الملجأ الوحيد الذي يحتاجه الأبناء عند كل كرب وضيق، يحتاجونه كمؤدب، فينشأ الناشئ فينا على ما عوّده والده، والوالد في الأخير هو البوابة التي تحرس عملية التكوين في كل أشكالها، فيكبر الولد ويكون رجلاً صالحاً، والبنت تكون أماً صالحة، وكم قاست الكثير من الأمهات في العملية التربوية عند غياب الآباء. وعن كيفية توجيه الآباء نحو خطورة تغيبهم عن المنزل يضيف د.الغليقة: يجب أن ننبه الآباء إلى أن الاستثمار الحقيقي يكون في الأبناء، وليس الاستثمار المالي، وأن المستقبل كفيل بإظهار معالم هذه القضية، فالآباء يرون الأموال الطائلة التي جمعوها لا تغطي عيباً واحداً من العيوب التي نشأت بسبب غيابهم عن المنزل، ولن تتحقق الحاجات النفسية التي تنطلق من قلب هذا الطفل إلا بكثرة مداومته مع والده، وقد يفقد الطفل معاني الرجولة والذكورة نتيجة نقص المناعة العاطفية الأبوية، ولو افترضنا أن بعض الأمهات حازمات فإن البعض الآخر من الأمهات لا تربي رجالاً، لذلك يشوب تربية بعض الأمهات للأولاد شيء من فقدان الرجولة، فيجب أن نوجّه الآباء إلى أن تربية الأبناء واجب شرعي وعرفي وأخلاقي، بينما الانشغال بتكثير الأموال ومضاعفتها أمر مطلوب ولكن ليس بواجب، فيجب ترتيب الأولويات، وعندما نعرض بعض الإحصائيات التي تبين الآثار السلبية لغياب الأب عن المنزل، سنجد أن الأمر جلل والقضية تحتاج لدراسة متأنية، فهل قام بعض الآباء بزيارة مراكز الأحداث والتعرف على حالات الانحراف الناتج عن فقدان وجود الأب في المنزل؟ وهل قام بعضهم بمقارنة بين الحالة السابقة وحالات النجاحات التي حققتها الأسر التي تكامل فيها وجود الوالدين في المنزل وقتاً أكثر؟
أخيراً أقول: إن حسن استقبال الزوجة لزوجها عند دخوله في عشه الآمن، أو حُسن تدبير الزوجة لشؤون المنزل من نظافة وترتيب وإعداد للطعام، أو حُسن توفيق الزوجة بين واجباتها المنزلية ومسؤولياتها خارج البيت، تطوّل مدة مكوث الأب في المنزل وخاصة إذا تفننت الزوجة في تزيُّنها وتعطرها وتبسمها لزوجها، فإذا نظر إليها سرّته وبعثت السعادة في قلبه، فينجذب دائماً إليها وإلى الأبناء والمنزل.
الحضور المنضم
د. عبدالسلام المقرمي طبيب نفسي يرى بدوره أن ثمة آباء، لا يهتمون بموضوع الحضور المنظم في الأسرة، فيمهدون الأجواء بعدم اهتمامهم هذا لإصابة الأولاد وباقي أفراد الأسرة بالاضطراب خلال فترة غيابهم, ولا يملك الطفل وضعاً جيداً إزاء غياب الأب، فيشعر بأنه فقد سلوته ومستودع أسراره وحرم من الجليس والأنيس, وقد يكون قاسياً جداً على الطفل أن يتحمل غياب الأب في البداية، لكنه سرعان ما يعتاد على هذا الوضع الجديد، وعندما سيفقد الأب قابلية التأثير على الولد والنفوذ إليه، وسوف يعمل الولد بما يرتأيه حتى انه لا يكترث أحيانا بأمه ونفوذها، ويمكن للطفل أن يكتسب من غياب الأب تلك الدروس السيئة والمؤلمة. إذ سيحاول أن يكون حرا طليقا دون أية قيود، ويلجأ إلى ممارسات لا يتوقعها الوالدان أبدا مما سيكون لهذا السلوك نتائج سيئة على الأسرة والمجتمع, لذا أقول للآباء من المؤكد أن الطفل بحاجة إلى حبكم وعطفكم، وانه سيفرح كثيرا فيما لو اشتريتم له حاجة معينة لكنه بحاجة ماسة إلى حضوركم في البيت ووقوفكم إلى جانبه حتى يتحدث معكم ويناقشكم ويتعلم منكم، وإن غيابكم من أكبر المصائب التي تواجهه فالطفل لا يصبر على هذا الحرمان إلا بصعوبة بالغة، ولو أنه افتقد حضوركم المنظم في البيت لأدى به ذلك- في بعض الأحيان- إلى الاستهانة بقدسية الأسرة والهروب من البيت. فغياب الأب عن أسرته يقلل من نفوذه مما يخلق شعوراً عند الأولاد بأنه لا داعي للالتزام بقوانين الأسرة أو إطاعة الأوامر والنواهي. إذ ستنخفض تأثيرات الأب الأخلاقية على الطفل، ويتعرض بناؤه الأخلاقي والاجتماعي إلى صدمة..
ضرورة الحل
لو لم يتمكن الأب من متابعة شؤون أولاده، وكان في غياب دائم تقريباً لتوجب عليه أن يكون جذاباً في تلك الأوقات التي يتواجد فيها في بيته، وخاصة عندما يعود من سفره مثلاً حتى يعوض عن النقص والحرمان.
خصصوا الفترات القصيرة من تواجدكم في البيت لأطفالكم واتركوا كل شيء حتى قراءة الصحف.
ينبغي أن يبذل الأب، الذي يعود لبيته بعد سفر وغياب طويل، جهده وسعيه كي ينسى الطفل فترة الغياب ويستثمر حضور والده.
كما يجب على الأب أن يواسي طفله ويؤمله في الحياة، فيما لو اشتكى من حياته السابقة أو من مشكلة واجهته، وأن يصبره على المشاكل ويزيل عنه القلق والاضطراب ويجعله مستأنساً به ويشبعه حباً وعطفاً.
حري بالأب المضطر لغياب طويل عن البيت أن يدعم مكانة الأم ويقوي موقعها ويحث الأطفال على طاعتها، وذلك للتقليل من أعراض الغيبة، أو أن يساهم في حل المشكلة التي قد تعترض لها الأم ويلزم ولده بإطاعة أوامرها والانتهاء عن نواهيها.
الخاتمة
إن الأسرة هي اللبنة الأولى التي يبنى عليها المجتمع، وهي بحاجة إلى من يرعاها ويحميها من الانهيار، بحاجة إلى من يقود أفرادها إلى الوجهة الصحيحة، بحاجة إلى قائد إذا صلح حاله صلح حال الأسرة بأكملها وإن كان خلاف ذلك تشتت الأسرة وتاه أفرادها في دروب الضياع ومن ثم انهيارها, فإن وجود رب الأسرة أمر مهم وواجب، فلا يستقيم حالها إلا به فالأبناء بحاجة إلى أب يحميهم ويسد حاجتهم المادية والمعنوية, أب يحسسهم بمعنى الأبوة الحقة، إذا احتاجوا إليه يجدونه بجانبهم يحل مشاكلهم ويشجعهم للمضي نحو القمة دوماً, أب يفخر بهم ويفخرون به..
كم هي رائعة تلك الأسرة التي تحظى باهتمام قائدها..
أخيراً.. نقول لكل أب ميت وهو في عداد الأحياء:
قف أرجوك وعد إلى رشدك اتق الله في أسرتك، اصبر على كل شيء من أجل أبنائك فجميعنا بحاجة إلى أبطال، ولسنا بحاجة إلى أصحاب النفسيات المريضة وإلى كل أب حي وهو في عداد الأموات ينحني له التاريخ تحية وإجلالاً لهذه التربية العظيمة، وهذا الأب الجميل سيبقى ذكرى رائعة يحتفظ بها أبناؤه، ويحتفظ بها البشر سيبقى مثالاً حياً على مر الزمان ونموذجاً للأب الصالح فلنكن جميعاً مثل ذلك الأب..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.