سيتخلص منك شيئا فشيئا .. لأنك كنت عبئا عليه لكنه لم يكن قادرا على الفرار منك واسترداد أجزاءه التي ضلت طريقها إليك في سهو منه .. أو لم يكن له بديلا عنك .. سيتخلص منك قليلا قليلا .. حتى يخلعك عن جلده .. يسربك من تاريخه شيئا فشيئا كخطيئة يتطهر منها كل يوم حتى ينسى أنه اخطأ ذات يوم .. أو انه كان يتطهر منك كل يوم .. أو انك كنت جزءا من تاريخه يوما .. سيتخلص منك .. ويرديك كنكرة لم يكن يعرفك .. سيفرغ في قلبك الرصاصات التي كانت عالقة في كفيه لسنين طويلة .. وسيتوقف عن حملك على كتفيه كما كان يدعي وسيتوقف حتى عن وضعك في التابوت الذي كان معتادا أن يضعك فيه كي يكف جسدك عن تلمس أجزاءه أو التفكير في النمو .. وكي تكف جناحيك عن التحليق .. وكي يتوقف نايك عن العويل .. وكي تموت قبل الموت. وسيتوقف عنك. سيتخلص منك .. ليعود كما بدأ .. خاليا إلا منه .. طريقه يسير نحو فجوة ظلت خالية منك وعارية من صورك الجامحة .. ومن ضوءك المتوحش .. ومن روحك المتوغلة في الذكرى الأليمة .. سيتخلص من أسطورتك .. ومن أغانيك التي بقى عالقا منها الكثير في أذنيه .. ومن صمتك الغائم كغيمة .. ومن خوفك المتسلل كلص .. ومن روحك المبحوحة بعد طول بكاء .. ومن لونك الذي أقحل مع الزمن .. ومن ضحكتك الحارقة والمستفزة. سيتخلص منك .. سيتسامى على تفاهاتك الرخيصة .. ويتكبر على مساحات قلبك المليئة بالفوضى .. وعلى بقايا القذارة الملتصقة بثوبك وبقايا الشك المتسرب من عينيك وبقايا البلاهة القادمة من قرية لم تعرف المدنية بعد وبقايا البراءة التي دنستها قلة الخبرة وكثرة الحنكة .. وبقاياك العالقة بك .. تشي بوجودك .. وتخفي حقيقة اغتيالك .. بقاياك الرثة كحذاء رث دعس به الجنرال طيلة حروب طويلة ليتخلص منه اليوم .. ليتخلص منك.. وأنت ستظل عالقا كلوحة باهتة في جدار متهدم .. يمر العابرون يتأملونك لبرهة ثم يمضون ..لا يعرفون انك كنت عامرا باللون .. موغلا كشفق في قلب الأفق ..مضيئا كنجمة عاشقة لا تعرف قهر الفجر وسطوته.. ستظل عالقا كأغنية في فم راع أبكم .. كحكاية في رأس عجوز نست كيف كانت تحكي الحكايات .. كابتسامة ذبلت وهي تتعلم كيف تنحني ..وكأرجوحة تذهب بعيدا بعيدا ثم .. لا تعود بك.. إنها .. تتخلص منك.