يبدو أن الإعلام التقليدي بات يواجه منافسة شرسة في العصر الحالي، لاسيما أن المنافسين غير تقليديين، فكما تواجه الصحافة المكتوبة منافسة قوية من الصحافة الإلكترونية، يواجه التلفزيون منافسة لا تقل قوة عن مواقع الإنترنت، خصوصاً «يوتيوب»، الذي أصبح يمتلك من القوة والشعبية ما يجعله يفرز نجومه ومواده التي يتسابق الجمهور على بثها عبر الموقع من أغنيات مصورة وأفلام قصيرة ومشاهد تمثيلية وأدائية. أيضاً لم يعد المشاهد مضطراً لانتظار برنامجه أو مسلسله المفضل أمام الشاشة، فبات بإمكانه مشاهدته على المواقع الالكترونية في أي وقت يريده، ما قلل من ارتباط المشاهد بالشاشة، كذلك برزت الالعاب الالكترونية في الفترة الأخيرة لتزاحم التلفزيون وتجذب شريحة كبيرة من الشباب والأطفال. وأشار تقرير متخصص صادر أخيراً عن شركة «برايس ووترهاوس كوبرز»، إلى أن سوق ألعاب الفيديو العالمية ستحقق نمواً كبيراً لتصل قيمته الى 86.8 مليار دولار في عام 2014، مقارنةً ب52.5 مليار دولار (ما يعادل 192.82 مليار درهم) في عام 2009. ومن المتوقع أن يشهد قطاع ألعاب الفيديو في الشرق الأوسط نمواً مماثلاً مدعوماً بعوامل عدة، مثل الانتشار المتزايد لخدمة «برودباند»، فضلاً عن توافر منصات الألعاب الرقمية عبر الإنترنت والمنصات المتقدمة تكنولوجياً إلى جانب الهواتف المحمولة المزودة بتطبيقات تحميل الألعاب. انطلاقاً من إدراك هذا النمو في سوق الالعاب، ورغبة في مواكبة التطور الكبير في هذا المجال؛ أطلقت توفور 45 أبوظبي العام الماضي أول استديو لتطوير الألعاب الإلكترونية في المنطقة بالشراكة مع «يوبيسوفت» ومعهد سء، بهدف استقطاب عدد من المواهب للدراسة في أكاديمية الألعاب الإلكترونية، من خلال دورة مكّثفة تستمر لمدة 16 شهراً، انضم إليها تسعة طلاب من جنسيات مختلفة. وتأتي الدورة التي انطلقت في شهر مارس الماضي، ضمن البرنامج التدريبي للأكاديمية الذي صمم بشكل يسمح للطلاب بالاستفادة القصوى من طرق عدة جديدة ومبتكرة في التعليم والتدريب المتخصص، باستخدام الموارد المتوافرة في «يوبيسوفت» للمساعدة على تعليم وتوجيه الطلاب، وتدريبهم على المهارات اللازمة للعمل في صناعة الألعاب الإلكترونية الإقليمية والعالمية عقب تخرجهم في منتصف عام 2013. ويتماشى المنهج المُتبع مع متطلبات هذه الصناعة، مركزاً على تطوير الألعاب الإلكترونية بشكل خاص لتلبية الطلب المتنامي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. واعتبرت الإماراتية فاخرة المنصوري، إحدى طالبات الاكاديمية، أن التحاقها بدراسة الالعاب فرصة كبيرة أتاحتها لها الاكاديمية لدراسة مجال تحبه. مشيرة إلى ان ما تلقته حتى الآن في الدورة غيّر كثيرا من أسلوب تفكيرها في العمل الذي تتطلع إليه، وحتى في حياتها. معربة عن املها في أن تتمكن من افتتاح شركة خاصة لها لتصميم الالعاب عقب التخرج. وقالت المنصوري إن الالعاب باتت بالفعل منافساً للتلفزيون، خصوصاً بالنسبة للأطفال والمراهقين الذين انصرفت شريحة كبيرة منهم عن متابعة الفضائيات وبرامج الرسوم المتحركة والكارتون، وانشغلت بممارسة الالعاب الإلكترونية التي يجدون فيها إثارة وتفاعلاً يفتقدونه خلال مشاهدة التلفزيون، ففي حالة الالعاب يصبح الطفل جزءاً من اللعبة، ويدخل في منافسات مع اصدقائه، بينما تقتصر علاقته مع التلفزيون على التلقي السلبي فقط. وأرجعت المنصوري الآثار السلبية التي قد تسببها الالعاب الالكترونية إلى جهل بعض الأسر بكيفية اختيار اللعبة المناسبة للطفل، مثل اختيار اللعبة التي تتناسب مع عمر الطفل وفق التصنيف الذي يسجل على اللعبة نفسها، وتوجيه الطفل لاختيار لعبة تحمل قيمة ما، مثل العمل بروح الفريق، أو الإصرار والعزيمة وغيرها. بينما أشار الطالب الإماراتي يوسف بوخماس إلى ان شغفه بالألعاب كان سببا في ترك مجال صناعة الأفلام القصيرة الذي كان يعمل به. موضحاً أن تجربته في صناعة الافلام ساعدته على تصميم الالعاب، إذ منحته الاحساس باللعبة التي يصممها، والقدرة على نقل مشاعر معينة إلى اللاعب أثناء اللعب، مثل الخوف أو الترقب والاثارة حتى يحقق التفاعل المطلوب مع اللعبة. لافتاً إلى ان الالعاب لا تستخدم فقط في الترفيه وتضييع الوقت، لكن يتم توظيفها في مهام جدية، كما في تدريبات بعض أجهزة الشرطة التي تستخدم فيها ألعاب بتقنية ثلاثية الابعاد. ويرى بوخماس أن سوق الالعاب الالكترونية في منطقة الخليج تشهد اتساعا كبيرا، وأن إنشاء صناعة ألعاب عربية أمر ممكن، لكنه يحتاج إلى وقت، نظراً لعدم توافر الخبراء في هذا المجال، والايدي العاملة التي يمكن أن تقوم عليها الصناعة. في حين ترى هديل مقدادي أن الألعاب لم تصل بعد إلى مرحلة منافسة الإعلام المرئي والقنوات الفضائية، أو تسحب منها اهتمام الجمهور بصورة ملموسة، لكنها نجحت في استقطاب كثير من محبي الالعاب. موضحة أن التحاقها بالأكاديمية كان فرصة لتطوير شغفها بالألعاب وبالعالم الافتراضي الذي تنقل إليه اللاعب، حيث يفتح لها هذا العالم المجال للتفكير بصورة مختلفة وغير مألوفة. ولفتت مقدادي إلى أن كبرى شركات الألعاب في العالم باتت تستمد من العالم العربي أفكار ألعاب جديدة تطرحها، مثل ألعاب تتضمن السفر عبر مدن عربية كدمشق وفلسطين، أو تتناول موضوعات وقصصاً مرتبطة بالعالم العربي. من جانبه؛ قال يانيك تيلير من يوبيسوفت أبوظبي: «سنسعى لتوظيف 100 شخص خلال السنوات الخمس المقبلة، وبالفعل لدينا الآن مجموعة من الطلاب الموهوبين والمبتكرين للاختيار منهم، إذ سنتمكن من تزويد الطلاب بالمهارات اللازمة للعمل والنجاح في مجال صناعة الألعاب الإلكترونية من خلال مشاركتنا في برنامج تدريبهم، خصوصاً أننا ندرك ما يحتاجونه في خطواتهم الأولى بهذا المجال». يذكر ان الدورة التدريبية الجديدة في أكاديمية «توفور 45» للألعاب الإلكترونية ستبدأ في شهر سبتمبر 2013.